حملنا كل هذه الأسئلة وغيرها أنا والزميلة المحترمة مريم بالقاضي من قناة «الحوار التونسي» فكان لنا هذا الحوار الشامل مع رئيس الجمهورية.. حوار لم تغب عنه الروح المرحة لرئيس الجمهورية رغم خطورة المواضيع ودقتها.. وقد تفضل بالاجابة عن كل أسئلتنا حتى تلك التي قصدنا من ورائها احراجه حتى نتبيّن بدقة موقفه من المسائل التي أشكل فهمها على جزء هام من الرأي العام وقد بثت قناة «الحوار التونسي» هذا الحوار كاملا ليلة أمس.
سؤالنا الأول كان حول جلسات الاستماع التي نظمتها هيئة الحقيقة والكرامة ولمَ لم يحضر رئيس الجمهورية جلستها الافتتاحية؟
كان جواب الرئيس أنه تابع الجلسة في التلفزة وأنه ليس مطالبا بحضور كل اللقاءات التي تنعقد في البلاد ولكن هل يعني هذا عدم ايمان بمسار العدالة الانتقالية؟..
يجيب الباجي قائد السبسي بأنه مؤمن بهذا المسار رغم تحفظاته على ادارته وبدا وكأن رئيس الجمهورية لا يمانع في حضور جلسة استماع قادمة، قد تكون الختامية ولكن هذا ما لم يؤكده الرئيس وان حصل لدينا انطباع بأنه لم يغلق هذا الباب بصفة واضحة..
• لقد صدمني الحكم
عندما سألنا الباجي قائد السبسي عن رأيه في حكم البراءة الذي أصدرته المحكمة الابتدائية بسوسة على المتهمين في قضية قتل الشهيد لطفي نقض المنسق العام لنداء تونس بتطاوين يوم 18 أكتوبر 2012 أكد الرئيس بكل قوة بأن هذا الحكم قد صدمه رغم ايمانه العميق باستقلال القضاء وذلك لأنه تابع الملف منذ بدايته مجددا قوله بأن هنالك تخطيطا لتصفية الشهيد وان هذا حصل في اجتماع جهوي لاحزاب الترويكا وعندما وصل الأمر الى هذا الحد انسحب حزب التكتل ثم أكد الرئيس ان القضاء مازال لم يقل كلمته النهائية في هذه القضية وان المسار القضائي لم يُستوف بعد... وهنا سألناه ان كنت تعتقد ان لحركة النهضة دورا في هذه العملية ولو على مستوى جهوي فكيف قبلت التحالف معها؟
وهنا أكد الباجي قائد السبسي من جديد أنه لا وجود لتحالف مع حركة النهضة فما هو حاصل اليوم انما هو وفاق وطني حتمته نتيجة الانتخابات التشريعية في أكتوبر 2014 حيث لم يُعط الناخبون نداء تونس الأغلبية المطلقة حتى يتمكن من الحكم لوحده..
• «لا بد من مساندة الحكومة»
من «التعايش» مع حركة النهضة الى ضعف السند السياسي للحكومة الحالية رغم النسبة المرتفعة جدا التي حظيت بها منذ منحها الثقة...
الباجي قائد السبسي يعتبر ان مساندة حكومة يوسف الشاهد ضرورة حيوية لاستقرار البلاد وان التضحيات التي تطلبها من الجميع شغالين وأرباب العمل وأصحاب المهن الحرة وسائر المواطنين هي شرط بداية الانقاذ...
وعندما سألناه لماذ لم تتضمن وثيقة قرطاج هذه التضحيات التي يدعى اليها التونسيون اليوم ؟ أكد رئيس الدولة بأن الأطراف المعنية هي التي أعدت وثيقة قرطاج وأنه لا دخل له في صياغتها.
وهل كان رئيس الجمهورية على علم بالتزامات تونس مع صندوق النقد الدولي؟
يقول قائد السبسي بأنها ليست «التزامات» بل «مذكرة تفاهم» وأن حكومة الحبيب الصيد لم تقترف خطأ ولكنها - في ما يفهم من كلامه - لم تقدم على الاصلاحات الضرورية...
هل تمت مغالطة اتحاد الشغل عندما أمضى على وثيقة قرطاج؟ لا أبدا! يؤكد رئيس الجمهورية ويضيف «أنا متأكد أننا سنجد حلا مع المنظمة الشغيلة» ويردد مرة أخرى موقفه: لا معنى لوحدة وطنية لا يشارك فيها اتحادالشغل..
وهل يخشى الباجي قائد السبسي من شتاء ساخن على غرار الذي عشناه السنة الفارطة؟
«لا اعتقد» يجيب رئيس الجمهورية.. الوضع صعب للغاية والباجي قائد السبسي يعول على تفهم الجميع للوضع والواضح بالنسبة له أن لغة التفاهم ستنتصر لا محالة وأنه ليس من مصلحة اتحاد الشغل ولا أي طرف آخر أن يدخل في مواجهة... والديمقراطية التي نحن بصدد تأسيسها لا تسمح بهذا مطلقا...
ألا يتحمل الباجي قائد السبسي مسؤولية ما يجري عندما تعمد حكومة الحبيب الصيد للاستجابة لمطالب اتحاد الشغل بالزيادة في الأجور؟
يعتبر رئيس الدولة أنه لم يكن بالامكان غير ذلك وأن المأمول كان انذاك تحقيق سلم اجتماعية تسمح باستعادة نسق النمو... ولكن هذا لم يحصل ولهذا ينبغي التأقلم مع الوضع الجديد...
• على كل الندائيين أن يهتموا بالمصلحة الوطنية
يبدو ان رئيس الجمهورية قد قرف من الأزمات التي لا تنتهي للحزب الذي أسسه سنة 2012 وانه لم يعد يرى فيه سواء قيادات متناحرة لا تهتم الا بمصالحها الشخصية ولا تعير الأهمية للمصلحة الوطنية... ولكن ألم يتسبب قائد السبسي الأب في جزء هام من هذه الأزمة عندما أقحم ابنه في قيادة الحزب؟ الرئيس السابق للنداء ينفي هذا مطلقا ويؤكد ان لابنه ولكل التونسيين الحق في الممارسة السياسية وان «الآخرين» غير ابرياء من الازمة الحالية للنداء.. فهل نقصيهم جميعا؟ يتساءل قائد السبسي بصفة استنكارية.. هل يعتبر رئيس الدولة انه مازال بالامكان انقاذ نداء تونس؟
«عندما يتخلون عن الحسابات الشخصية ويضعون مصلحة البلاد نصب أعينهم سيكون ذلك ممكنا» ويضيف الباجي قائد السبسي: النداء مازال متواجدا في الطليعة في كل عمليات سبر الآراء اذن الانقاذ ليس مستحيلا.. هل يفكر رئيس الدولة في مبادرة حزبية جديدة؟ لا بكل تأكيد! هل يرى أن الحل يكمن في جبهة ديمقراطية واسعة؟ رئيس الدولة يشك في امكانية نجاح فكرة كهذه.
أليس داء نداء تونس في مؤتمر سوسة ونتائجه الكارثية.. يقول رئيس الدولة: جماعة «المفتاح» (اشارة الى حركة مشروع تونس) قد قرروا الخروج من الحزب وكأنه يريد أن يقول بأنهم يتحملون بذلك جزءا من الأزمة الحالية للنداء.
الواضح على كل حال أن رئيس الدولة قد قرف من الأزمات المتتالية لحزبه وانه لم يعد ينوي التدخل في شؤونه الا عندما يأتيه كل الفرقاء وهم مستعدون لحل وفاقي يتجاوز أنانية كل شق من الشقوق الكثيرة للنداء.. •أمريكا والسعودية
هل تتوجس تونس من انتخاب دونالد ترامب على رأس أكبر دولة في العالم؟
يجيب الباجي قائد السبسي بأن علاقاتنا مع الولايات المتحدة تعود الى القرن الثامن عشر وهي علاقات صداقة منذ بداياتها. واليوم أمريكا بصدد تقديم مساعدة جدية لتونس في حربها ضد الارهاب.. هل تبرر هذه المساعدة فتح قواعدنا العسكرية للطائرات دون طيار الأمريكية؟ وهل نحن متأكدون بأن هذه الطائرات لن تقوم بمهام قتالية؟ يؤكد رئيس الدولة بأن مهمة هذه الطائرات دون طيار استعلامية فقط وأن الاتفاق مع الطرف الأمريكي يقتضي تقاسم هذه المعلومات وبأن لا تكون فوق أراضينا طائرات أمريكية تقوم بمهام قتالية.. وكل ما في الأمر حسب رئيس الجمهورية هو أن الولايات المتحدة بصدد تمرين قواتنا على تقنيات التحكم في هذه الطائرات دون طيار.. أما الحديث عن قاعدة عسكرية أمريكية في تونس فلغو لا يستحق الرد عليه.. فالأساطيل الأمريكية بالمتوسط تغني الولايات المتحدة عن كل قاعدة عسكرية بالمنطقة..
ولكن لماذا اعتبرت الدولة التونسية ان كلام وزير الشؤون الدينية المقال عن دور الوهابية في نشر التشدد هو خروج عن ثوابت الديبلوماسية التونسية؟
يذكر الباجي قائد السبسي بأن تونس قد رفضت العقيدة الوهابية منذ بداية القرن التاسع عشر ولكن هذا لا يعطينا الحق خاصة بالنسبة لممثلي الدولة في الحكم على عقائد الناس ومذاهبهم أو على سياسة الدول.. ولكن لم انخرطنا في ما يسمى بالحلف الاسلامي لمقاومة الارهاب الذي تتزعمه السعودية؟ يقول رئيس الجمهورية بأن تونس مستعدة للانخراط في كل تحالف يحارب الارهاب سواء كان أمريكيا أو سعوديا.. وهنا سألناه «وان كان التحالف روسيا فهل سننخرط فيه؟» يبدو ان لرئيس الدولة تصورا آخر وهو لا يعتقد - فيما يبدو - بأن للروس دورا ايجابيا في الجهة وخاصة في تونس.
• لو لا الأمل:
وتبقى الكلمة التي طالما رددها الباجي قائد السبسي خلال هذا الحوار هي الأمل.. فرغم صعوبة الظرف ورغم تردي بعض الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية فلابد من رعاية شمعة الأمل خاصة عند الشباب وعند الفئات التي كادت تفقد الأمل..
كل ما نتمناه أن يتحول التفاؤل الحذر لرئيس الجمهورية الى انجازات عملية تضعنا في الطريق الصحيحة وتخرجنا من «عنق الزجاجة».