مدرستهم لأنهم مؤمنون انهم مبدعون صغار لهم الحق في العبير عن حب وطنه.
وسط حضور امني وعسكري ومجموعة من الممثلين ومنهم منال عبد القوي و محمد الداهش و محرز حسني وخالد هويسة وعمارة المليتي واحسان العريبي و سيف الدين الجلاصي و بلال رواحي ومحمد علي حمودة و لسعد المحواشي احتفلوا بالحياة والابداع والفن وكتبوا على الجدران “تحيا تونس”و“لا مكان للارهاب بيننا”.
يا شعبنا لا تخف فأننا بواسل حتى لو مات جندنا فأننا نواصل
لمن سالت دماءهم من اجل الوطن، ولمن ضحوا بأرواحهم لنعيش بسلام، لكل شهداء تونس ولشهيد طبربة اكرم بن صالح اهدي اليوم الاحتفالي، وسط جو و طني رفرفت الراية الوطنية عاليا تحدت الرياح والأمطار وظلت خافقة، الثامنة إلا ربع في المدرسة الاعداية حي الرمال طبربة، انتشر جنود الوطن داخل المدرســة الاعدادية وتحلق حولهم الاطفال والتلاميذ يريدون التقاط صور للذكرى فالجيش سور للوطن كما قالت احــدى الصغيــرات تصــوّروا وصـــوت الفنانــة عليـة يـصدع حاليا بأغنية بني وطني وهي تقول:
بَنِي وَطَنِي يَـا لُيـُـوثَ الصِّـدَامِ
وَ جُـنْدَ الفِـدَاء
نُريِـدُ مِنَ الحَرْبِ فَرْضَ السَّلاَمِ
وَ رَدَّ العِدَاء
لأَنتُـم حُمَــاةُ العَريِنِ أُبَاةْ
نَشَدْتُمْ لَدَى المَوْتِ حَقَّ الحَيَـاةْ
مَدًى وَ مَــدَى
وَ كُنْتُمْ تُريِدُونَ سُبْـلَ النَّجَاة
وَ رُسْلَ الهُدَى
فَــلَوْ كَانَ للِخَصْـمِ رَأْيٌ سَــــدَادْ وَعَقْـــلٌ يَمِيـــلُ بِــهِ لِلرَّشَــادْ
وَ يَـرْدَعُهُ عَنْ رُكُوب الرَّدَى
لَمَـا اخْتَـارَ نَـهْـجَ الوَغَى وَالجِــلاَدْ
وَ سَالَتْ هَبَاءً دِمَاء الأَبْرِيَاءْ
فَإِمَّـــا حَيَـــاةٌ وَ إِمَّـــا فَـلاَ...
وجنود تونس اختاروا حياة الوطن سليم معافى، في الداخل وعلى الحائط رسمت صورة تتغنى بتوتس، داخل دائرة مغلقة جندي بسلاحه تقابله فتاة صغيرة تشير الى قلب كتب فيه تونس، صورة لبلال رواحي عن جمعية «فني رغما عني»، صورة لها الف دلالة، والف عنوان هي عنوان لتونس وعنوان لحب الوطن والرغبة في الذود عنه وان كانت الروح الثمن، في ساحة العلم وبحضور الجوقة العسكرية لوزارة الدفاع الوطني وآمر فرقة الجيش الوطني بمنوبة حيّوا العلم الوطني على النغمات العسكرية، ارتفع صوت التلاميذ عاليا بحماة الحمى ولا عاش في تونس من خانها، وبعد النشيد الوطني صرخ صغار حي الرمال بصوت واحد “لا للإرهاب بيننا، تحيا تونس” شعار ابكى احد الجنود.
ولطبربة نصيب من الشهادة وقام الاطار التربوي للمؤسسة حي الرمال بتكريم شهيد الوطن ابن المدرسة الاعدادية “التلميذ البار لوطنه والنجيب والهادئ” قال مدير المدرسة الاعداية، نكرّم اليوم أكرم بن صالح الذي سقط شهيدا للوطن في افريل 2015 بحضور والديه وشقيقته، صور الشهيد وزعت على زملائه، وقال والده انه فخور بابنه وأنه لن يبخل على الوطن العزيز بدماء أبنائه.
المدرسة أول حضن ضد الإرهاب
بألوان زاهية ومنمقة زيّنت ارضية اعدادية حيّ الرمال، تلامذة المدرسة تجندوا لإنجاح التظاهرة فهم جنود الوطن الصغار ابوا إلا ان تكون مدرستهم مميزة تحتفل بالعلم والفن، بأصوات رقيقة وقلوب متحمسة توجهوا برسالة الى رئيس الجمهورية « يا سيدي الرئيس، اترك لك رسالة، لعلك تقرؤها في زمن عويص، هم أحرقوا الجبال ونحن سنزرع جبالنا، يزرعها الأشبال وان دمروا هضابنا، فلن تصمت فنوننا سنشد الشباب، سنبقى مبدعين، سننطق حجرنا وننحت قدرنا ونهيم منشدين».
رسالة تحدي للإرهاب ورسالة امل في الحياة فنحن «لانهاب الموت ولا نخاف القتلة وسنغني ونمثل ونرقص» كما قالت التلميذة مريم.
في صبيحة يوم ربيعي بمحسنات بديعية شتوية ابت الطبيعة افساد الاحتفالية وتمسك المطر بحقه في سقي الارض والاحتفال بانتصار جنود الوطن على احباء الموت وعاند رغبة الاطفال في الاحتفال ولكن ارادة الحياة عند الاطفال استكبرت وعاندت الامطار و اصر الاطفال على انجاح احتفالهم، تمسك المطر بحقه في الهطول وتمسك الصغار بحقهم في الابداع فانتصروا على الطبيعة وأنجزوا تظاهرتهم رغم قساوة الطقس وتقلبه.
عن تونس و الشهداء و العلم والفن تحدث الصغار، لآبائهم ومربيهم قدم عزيز و امينة وزهراء ومنير مسرحية ساخرة بعنوان «المصعد»، تلامذة الفنان حسام الساحلي ابدعوا في تقديم عمل بطريقة كاريكاتورية ساخرة، وجوههم عبرت عن رسالتهم كذلك حركاتهم على الركح الصغير، هم من كتبوا النص.
«المصعد» حكاية مهمشين يعيشون بعيدا يشربون ماء الوادي، جفت حلوقهم بعد ان نضب الماء وجفّ فجاؤوا الى المدينة وتحديدا الى عمارة «عقوق الانسان» علهم يظفرون بمن يتدخل لفائدتهم ويمكنهم من الماء الصالح للشراب، بطريقة مضحكة تحدثوا عن معاناة المنسيين والمهمشين، وبنظرات تعبر عن الم اشاروا الى «جفاف الحق والروح» ولكنهم صدموا بسيدة رشيقة القوام حسنة الهندام بهية الطلعة و حلوة الكلام، تتحدث بلباقة عن حقوق الإنسان الحق في الماء و الحق في الحياة و حين سألوها «متى يكون لنا الحق في الماء» تجيبهم بلباقة حقوق الانسان «تقدمون عريضة ممضاة، ثم نرسل العريضة الى السلط، ثم نتابع العريضة، ثمّ» ثمّ و ثمّ هكذا هم المتحذلقون و المتسلقون يتقنون الكلام ولا يحسنون الفعل كما قال التلاميذ في مسرحية المصعد، و كما المصعد معطّل كذلك البرامج التنموية في الجهات تنتظر استفاقة مسؤول من سبات طويل لتتحقق، تلامذة صغار ابدعوا وتميزوا واقنعوا الحضور فهم «جزء من المدرسة، هنا نتعلم الابداع والعلم» كما قالت التلميذة سارة الجلاصي وعن رسالة المسرحية تحدثت «اردنا توجيه رسالة إلى المسؤولين المنهمكين في الخطابات الفضفاضة متناسين مسؤولياتهم تجاه الشعب، مسرحيتنا تنبعت من ايماننا الشخصي بضرورة تحرك المسؤولين وتحمل مسؤولياتهم قليلا»..
بالعلم والفن يرتقي التلاميذ شعار حاول اساتذة ومربي اعدادية حي الرمال تطبيقه والعمل عليه، يوم احتفالي ساهم فيه مجموعة من الاساتذة ومن بينهم جعفر البجاوي و محمد الهمامي و عصام الرياحي و منجي الجلاصي وكمال العويني و كمال العدولي . و حسان المزي، اساتذة امنوا بتلاميذهم فساندوهم فقط ليبدعوا.
حين تتحدث الحيطان بألوان الرسام بلال رواحي
«نحن هنا» هنا اين يهتف الصغار بالروح بالدم نفديك يا علم تحت الأمطار هنا اين يتصدر مدير الاعدادية الهتاف باسم الوطن والشهيد، هنا اين يكرّم الشهيد ابن الاعدادية، هنا اين يوجد استاذ مسرح صادق يريد لتلامذته ان يبدعوا فيوفر لهم قاعة يجهزها من موارد خاصة فقط ليبدع التلاميذ، هنا اين يتعلم زائر حب الوطن، وهنا اين يبدع ابن المدينة ويزين الحيطان باجمل الالوان ويترك بصمة امل في مدينته.
نحن هنا هو اسم المشروع الذي تشرف عليه جمعية «فني رغما عني» ويقوم اساسا على تجهيز قاعات للفنون في المدارس والاعداديات وتزيين واجهات المؤسسات التربوية جزء من المشروع، بريشة فنان وحب تلميذ لمؤسسته الاولى ورغبة جامحة في ارجاع الفضل الى اساتذته ومربيه و عرفانا لمؤسسة علمته حب الفن تسلح بالريشة والألوان وانكبّ يزين الحائط غير آبه بالمطر يعاند الطقس وقساوته ليرسم أجمل الصور، فعلى الحائط الابيض يترك بلال رواحي اجمل الرسومات.
هو ابن المدينة شاب عاشق للفن والريشة، يؤمن ان بالفن يمكن التغيير وبالريشة يمكن ارسال رسائل حب وجمال وامل في تونس في ابناء تونس، شاب تونسي عشق اللون والريشة واختار الرسم ليعبر عن رسائل ذاتية، لكل رسم حكاية ولكل مسحة من اللون قصة مع بلال رواحي، يقبل على الحائط الابيض الصامت فيزينه بأجمل الالوان ويجعله يرقص على نغمات الريشة وموسيقى اللون، نابل وبوعرقوب ودوار هيشر والملاسين ومدينته طبربة جميع الحيطان تعرف رسومات بلال رواحي، لكل حائط قصة مع الفنان، شاب يرى الحائط ثم يفكر في رسمة تكون مناسبة حسب الفضاء العام بعدها ينطلق في الرسم وفي ساعات معدودات تجدك امام لوحة فنية مميزة تحمل توقيع بلال رواحي .
في اعدادية حي الرمال رسم بلال لوحتان الأولى هي صورة الجندي والطفلة الصغيرة، والثانية لنوتة موسيقية كبيرة زينت الحائط ودفعته للغناء تشعر حين تشاهدها انك تسمع لحنا شجيا هو لحن تونس، تجول بلال رفقة فرشات رسمه والوانه العبثية دون التردد لبعث روح جديدة بين الاهالي ، صور زاهية وأخرى افريقية راقصة بفخر لشهداء هذا الوطن وأخرى تعلم الاطفال حب الحياة وسماع موسيقى الجاز بلال مثابر وملتزم ومثال يقتدى به في حب الوطن وعشقه، ربما لا يعرف الكثير من الناس بلال ولكن الحيطان حتما تعرفه ولو نطقت لقالت أنه تونسي القلب والروح فنان يطوع الحائط ويجعله اجمل شعاره “ الفن والحب متشابهان في المفهوم والممارسة”.
بايقاعات حاذقة فيها وميض من السحر و الابداع كأشعة الشمس ، وبكلمات مؤثرة تنساب كرذاذ ماء يطهر الاشجار من وجيعة الرمال وبرسومات تناشد الحياة وبهتاف الصغار باسم تونس اختتم اليوم الثقافي التربوي الذي احتضنته اعدادية حي الرمال بطبربة كرسالة اخرى لتحدي الارهاب وخطر الدمغجة، فأينما يحل الابداع يتراجع خطر الارهاب.
جعفر البجاوي مدير المدرسة الاعدادية حي الرمال طبربة
تندرج التظاهرة في اطار المشروع التربوي الثقافي للإعدادية التي رسم ملامحها كل الاطار التربوي العامل بالإعدادية والهدف من المشروع الاحتفاء بأمرين اثنين ، اولا العلم باعتبار ان لا وطن عزيز إلا الوطن الذي يحتفي بالعلماء ويجل المدرسين وثانيا الفن فالفن حسب تصوري هو الدرع الواقي من التطرف والإرهاب والجريمة والانحراف.
في هذا الاطار انطلق الاشتغال منذ بداية السنة الدراسية على هذا المشروع وضبطنا له يوما من أجل أن يكون تتويجا لحقبة من المشروع لأنه في طور الانجاز ويكون الاختتام في اخر السنة الدراسية بعرض شامل لكل ما ينجزه اشبالنا وزهراتنا بإشراف أساتذتهم.
وعن أهمية المشروع الثقافي في المؤسسة التربوية قال محدثنا أن للثقافة دورها الايجابي لأنها تساهم في بناء الكيان البشري السليم وبناء الناشئة على قاعدة مشروع ثقافي صلب لذات سليمة وتحميه من خطر المحيط فبالفن نرتقي بالطفل في مدارج العلم.
كما ان التظاهرة لمسة وفاء من المؤسسة لاكرم بن صالح ابن المؤسسة الذي سقط في ساحة الشرف يوم 7افريل 2015 ومن باب الوفاء بالعهد لمن كان ابنا بارا وكان تلميذا نجيبا عندنا وشهيدا للوطن كرمناه وهو اقل ما يمكن ان نقدمه لمن ضحوا لأجلنا
وفي الختام توجه محدثنا برسالة شكر الى كل الاطار التربوي للمؤسسة الذين ضحوا لإنجاح التظاهرة «لامست فيهم الجدية والرغبة في التحليق عالليا في مستوى الفن والابتكار ولم يكن يتسنى لي بمفردي انجاز هذا المشروع لو لم يكونوا عوني وسندي».
محمد الهمامي: أستاذ عربية
بالفن نؤسس لقيم الجمال
عن تظاهرة بالعلم والفن نبني الوطن صرح استاذ العربية محمد الهمامي وقال انّ التظاهرة تؤسس للجمال والثقافة وتقدّم وعيا جديدا بقيمة الفن في نحت كيان الانسان فردا وشعبا، واشار انّ المستهدف هم الناشئة لان الفن يصقل ويرتقي بالوجدان ومن ارتقى وجدانه استقام سلوكه كما ان الفن بمختلف تجلياته هو رؤية للعالم بطريقة مغايرة إذ للفن دوره الكبير في بناء شخصية التلميذ و الفن ينهض بالتلميذ ويجعله يتميز في دراسته ويدفعه للنجاح والتحليق، الفن يغير منظومة كاملة ويقدم تعبيرة جديدة لمواجهة موجة ظلامية تريد رمي وشاحها على ناشئتنا .
حسام الساحلي استاذ المسرح»
التظاهرة هي لمسة وفاء لتلامذتنا
أردنا فقط ان نقول للجميع ان التلميذ مبدع وكنز من الطاقات والمواهب لهم الحق في اظهار ابداعهم، المؤسسة التربوية ليست فقط فضاء لتلقين الدروس بل فضاء للابداع والتحليق في سماء الفن والحياة، بالعلم والفن نبني الوطن، هذه التظاهرة أردناها تحية الى شهداء الوطن وجنوده وتحية الى كل المؤمنين باهمية الفن في نحت شخصية الطفل، لتلامذتي الفضل فهم جزء من التظاهرة لانهم مبدعون صغار لهم مواهب مميزة فقط اطرتهم ليحلّقوا ويبهروا المتفرج.
واشار الفنان حسام الساحلي ان مايقدمه لتلامذته ليس منّة بل واجبه وواجب كل استاذ مسرح ان يحاول تقديم ابداعات صغاره ليعزز ثقتهم بأنفسهم حتى يكونوا أكثر اعتدادا بذواتهم وفنهم.