قد نالت جائزة الكومار الذهبي للرواية البكر كما نالت رواية «الباقي..»، جائزة «الكرديف» 2014 وجائزة الكومار الذّهبي 2014 (جائزة لجنة القراءة)، وتحصلت عن عملها «مغامرة كشّاف» جائزة «أدب الطفل» العربية... وفي القصة نالت مجموعتها»سيدة العلب» (2006)، جائزة نادي القصّة «أبو القاسم الشابي»... «المغرب» تحاور الروائية أمنة الرميلي عن فحوى الاتهامات التي وُجهت لروايتها الاخيرة المتوجة، وتحدّثنا عن بورتريه وزير الثقافة...
• هنالك من اتهم روايتك «توجان» الحائزة على جائزة الكومار الذهبيّ لهذه السنة بأنّها أبنت الروائي إبراهيم الكوني، و»قامت بتمزيق أوصال الجسد الكتابيّ لجلّ روايات إبراهيم الكوني، ثم حاولت بعدها إعادة تركيبها في عملها»، كيف تردين على هذا؟
أعجبني هذا الوعي في نص السؤال بقولك: «اتّهمك»، فما قيل في ذاك المقال كان قائما فعلا على الاتّهام والتحامل وكثير من التشنّج الذي لم أفهم سرّه إلى حدّ الآن. ادّعى صاحب المقال أنّ رواية «توجان» تلفيق بعد تمزيق لمقاطع وصور وشخصيات ورموز من عالم إبراهيم الكوني، وقدّم في ذلك حججا وأمثلة واجتهد في ذلك ـفي ما يبدو ـ وأضاع وقتا قد يكون ثمينا لديه، غير أنّ الإشكال هو أنّني لم أقرأ ولو رواية واحدة لإبراهيم الكوني، ولا أعرف شيئا عن عوالمه الروائية، وهذا طبعا يحرجني ولا يحرج الكوني الروائي الكبير في شيء، وأين أنا منه ومن تراكماته ومن شهرته العربية والعالمية. وأقرّ أنّ المقال الذي اتهمني فيه صاحبه بسرقة إبراهيم الكوني قد كشف لي نقص قراءاتي رغم ادّعائي أنني قارئة ملهوفة وأنني قرأت مئات الروايات العربية والفرنسية، وأنني أحاول قدر الإمكان أن أتابع ما
ينشر، ولكن لا أحد يدّعي أنّه يقرأ كلّ شيء ولا لكلّ الأسماء مهما يكن حجمها. وأذكّر بأنّ المقال المعنيّ قد كُتب في إطار التشكيك في «جوائز الكومار»، وفي حصول «توجان» على الكومار الذّهبي وردّ ذلك إلى «العصابات الأكاديمية» المتحكّمة في مصير الجوائز تسليما وتلقّيا، وسأقول هنا: أنا كتبت ثلاث روايات، كلّ رواية منها حصلت على «كومار ذهبيّ»: «جمر وماء» (كومار الرواية البكر 2003)، و»الباقي..» (كومار لجنة القراءة 2014)، و»توجان» (الكومار الذهبي 2016)، وكتبت أوّل رواية للأطفال «مغامرة كشّاف»، فحصلت على الجائزة العربية مصطفى عزّوز 2016، ولا أحد من لجان التحكيم في كلّ هذه التتويجات تفطّن إلى أنّني أسرق من الغير!!
• هل تعتقدين أنّ كل ما هو «أنثوي» متمرّد شرس.. لا بدّ له أن يحاصر في تونس على الأقل؟
تونس ليست معزولة عن فضائها الحضاري وعن إرثها الديني الاجتماعي المطبوع بالتقليدية والمحافظة رغم ما قطعناه من مسافات حداثية تقدّمية عائدة إلى نضالات رجال ونساء. هذا الفضاء الذي ننتمي إليه تحتلّ المرأة داخله مركزا محدّدا مثقلا بالرّموز، محاصرا بالأحكام المسبقة، محكوما عليه مسبقا بالنقص، وهو مشترك الذاكرة الجمعية والفردية بما فيها ذاكرة كثير من «اليساريين» و»المثقفين» و»التقدّميين» كما يقولون عن أنفسهم. من هنا يأتي الحصار بأشكاله المختلفة الظّاهرة والباطنة، حصار يتمّ عموما باسم الدين أو باسم الأدب، باسم الأخلاق أو باسم الفنّ. والمرأة ضمن هذه الرؤية تبقى «أنثى» سواء كتبت أو لم تكتب، خرجت إلى حركة الحياة أو لزمت بيتها. ودون أن ينقلب الأمر مسألة جندرية خالصة نقول إنّ النص المنفلت المتميّز الشرس يحمل بذرة محاصرته داخله بما أنّه يزعزع الثابت ولا ينافق الطّمأنينة السطحية الزائفة ولا يعطي أيّ اعتبار للنفاق الجمعي وولعه بالثبات والبقاء داخل «ببّوشته»، فكيف إذا ما كانت المرأة هي صاحبة هذا النص الشرس؟!
• ربما يتمّ تغيير وزير الثقافة ضمن الحكومة الجديدة، كيف ترين «بورتريه» وزير الثقافة؟
هذا سؤال مهمّ، إذ لا ثقافة دون مؤسسات ثقافية، ولا إبداع إن لم يكن المبدع مسنودا بقائمة من الحقوق الدنيا تضمن له أن يبدع بقليل من الراحة النفسية والمادية. ومثل هذه الطمأنينة لا تتحقق إلاّ داخل دولة المؤسسات وحماية القانون. لذا وزير الثقافة في نظري ليس شرطه الجوهريّ «الفنّ والإبداع» وإنّما حسن الإدارة والتسيير والثقافة القانونية وقوّة الشخصية والولاء للثقافة والفن التونسيين والإيمان بدورهما الجوهري في بناء الإنسان. ماذا نفعل بوزير ثقافة «مبدع» وهو غير قادر على مواجهة «لوبيات» الدعم مثلا أو نوادي الولاء أو مقاهي الأخونة؟ ماذا نفعل بوزير ثقافة لا يلتفت إلى الثقافة الجماهيرية الشعبية ممثلة في دور الثقافة والجمعيات المدنية الثقافية ويضع كلّ ثقله في إنجاح مهرجان أو تكريم شاعر..؟وزير الثقافة هو منفّذ مشروع ثقافي وطني وليس أكاديميّا جيّدا أو مغنّيا ناجحا أو رسّاما ماهرا..
• هنالك العديد من المثقفين لا يتوانون في نقد الوضع العام، وهنالك من يرى أنّ المثقف الذي يصمت أمام القضايا التي تهمّ مجتمعنا هو مثقف من خشب ولا يمكن أن يؤثر في الواقع، كيف ترين مفهوم هذا التأثير؟ وهل انت مع هذا الرأي؟
حين يجدّ الجدّ في المواقف الوطنية الكبرى فلن نستطيع الفرز بين «مثقّف» و»غير مثقّف». المثقف هو ابن الشعب وهو لسان حال المجتمع وهو العين المبصرة لما يحصل وخاصة لما يمكن أن يحصل. المثقف منخرط بطبعه في حركة المجتمع السياسية والاجتماعية والفكرية، وهو إذا ما توخّى الصمت أمام هذه الهزّات التي نعيشها اليوم أو حتى الحذر خوفا من شيء ما فليس هو بمثقّف أصلا ولا هو ممّن يحمل على الثقافة.
• هل تعتقدين أنّ الرواية التونسية بدأت تفتكّ حظّها عربيا؟ وما سبب ذلك؟
نعم، نعم.. الرواية التونسية اليوم تعيش لحظة مهمة، وتكسب مساحات قرائية معتبرة داخل تونس وخارجها، الرواية التونسية اليوم تلفت الانتباه إليها وتخرج من ذاك التعتيم الذي فرض عليها طويلا، وهو تعتيم جاءها منّا نحن أبناء البلد، فعلى امتداد عقود طويلة كانت الرواية المشرقية هي سيّدة المقام في برامجنا المدرسية وعلى رفوف مكتباتنا وفي مخابر البحث الجامعية. كان الروائي التونسي يعيش نوعا من الإحباط الدائم في نظري ولعلّه لهذا لا نلاحظ تراكما ولا تجارب موسعة عند الروائيين الكبار من الأجيال الأولى إلاّ في ما ندر. اليوم اختلفت الوضعية إلى حدّ ما، فرضت الرواية التونسية نفسها وأصبحت تستقطب اهتمام القراء في تونس وخارجها، والأهمّ من هذا أنّها دخلت مخابر البحث الجامعي في كلّيات الآداب وصارت مادّة بحثية في كثير من رسائل الدكتوراه والماجستير.
الأسباب الكامنة وراء هذه الطفرة الروائية التونسية كثيرة في نظري منها أنّنا نملك نصوصا روائية رائدة في تونس، مثل «حدّث أبو هريرة قال..» لمحمود المسعدي و»الدقلة في عراجينها» و»برق الليل» للبشير خريّف، و»حليمة» و»التوت المرّ» للعروسي
المطوي..ثم «مراتيج» لعروسية النالوتي، وروايات محمد صالح الجابري وعبد القادر بلحاج نصر وغيرهم كثير.. لسنا يتامى في الرواية، لنا أصولنا وفروعنا في هذا الجنس الأدبي ولنا تجاربنا الكبرى رغم ما عانته الرواية التونسية من استخفاف بشأنها داخليّا وخارجيّا خاصة. وقد تغيّرت اليوم الوضعية فعلا، فعلى سبيل المثال، تقدّمت لنيل جوائز الكومار هذه السنة 42 رواية تونسية كتبت في ظرف سنة واحدة، أنتجت تونس حينئذ عددا مهما من الروايات منه فقط هذا الرقم الذي ترشّح لجوائز الكومار ولا بدّ أنّ الرقم أعلى من هذا. ألا يؤكّد هذا أنّ الرواية التونسية اليوم قد وجدت طريقها إلى التراكم والتنوّع والتناسل؟ ولنقرّ هنا أنّ للجوائز دورا جوهريّا في التعريف بالرواية ونشرها وإيصالها إلى الجمهور القارئ الواسع. فجوائز الكومار الذهبي محليا تلعب دورا كبيرا في الإشهار للرواية التونسية والاحتفاء الإعلامي بها وحثّ الكتّاب على مزيد الإنتاج، وتلعب الجوائز العربية والعالمية كذلك دورا مهمّا في جعل الرواية التونسية تسافر خارج الحدود وتحتلّ موقعا في خارطة الروايات العربية الأخرى، ولنا في جائزة البوكر التي حصلت عليها رواية شكري المبخوت دليل على ذلك وحفز على المضي في تجربة الكتابة الروائية، وأرجو أن تحصل الرواية التونسية على جوائز أخرى من «البوكر» و«كتارا» وغيرها..
• هل أنت متشائمة مما يحدث في تونس اليوم؟
لست متشائمة، قد أكون خائفة أو قلقة أو حتى مصابة بالتوتّر، أمّا التشاؤم فقد ودّعته مع سقوط نظام بن علي، قبل 14 جانفي 2011 كنت متشائمة جدّا قبل هذا التاريخ. متشائمة من العجز عن تغيير «التّغيير»! وقد حمّلت روايتي «الباقي..» (كتبتها بين 2003 و2006 ولم تنشر إلاّ في 2014)، حمّلتها كلّ إحساسي بالتشاؤم من إمكانية الخروج من ذاك التصحّر السياسي وذاك الاستسلام الجماعي لنظام التجمّع. اليوم لا تشاؤم، انتهى أمر الحكم الاستبدادي في تونس إلاّ إذا مرّوا على جثثنا! في تونس اليوم ارتدادات وهزّات طبيعية لزلزال 14 جانفي 2011، وفي تونس تراجع سياسي وأحيانا اقتصادي، وفي تونس قوى رجعية أقوى ممّا كنّا نتصوّر، وفي تونس أعداء وبيّوعة وإرهابيون ومافيات وولاءات وعائلات سياسية تمقتنا ونمقتها، ولكن في تونس أيضا قوى الشعب الكامنة التي لا تبيع
ولا تساوم على هذه الأرض، فيها الشهداء وحرّاس الحدود والجيش والأمن..وفي تونس فنّ ورقص ومهرجانات وأعراس شعبية وروايات ودواوين وقصص وأفلام ومسرحيات ومواسم جني ونزل فاخرة وجامعات ومدارس.. في تونس نساء ورجال وكثير من البهاء يجعلها خضراء على الدّوام رغم الجفاف وانحباس المطر!