و الالتحام بالجمهور فكل مشاهد العرض تقريبا كانت نقلا أمينا لواقع غابت عنه الأمانة في الاحتفاظ ببعض القيم أو الأخلاقيات بعيدا عن الدروس الأخلاقوية الفجة.
سنة 2006 .. العمل المسرحي «خمسون» الذي يستحضر بشكل برقي أهم محطات خمسين سنة من «الاستقلال «التونسي يتعرض للمنع و هو الذي تصدى لشر مقص الرقابة و ترفع عن قبول إغراء أوسمتها يثير نوعا من الريبة بعد أن أقدمت فتاة في أحد المعاهد على تفجير نفسها بعد سلسلة من التكبيرات , ريبة لاعتبار هذا الأمر غريبا عن «تونس» وباعتبارها قطعة منيعة من « الأمن والأمان».
بعد مد التسونامي: الجزر يكشف الأوبئة والكائنات المتحللة
سنة 2014.. العمل المسرحي «تسونامي» يتعرض للنبوءة التي أنكرها الجميع سنة 2006 في «خمسون» ويضع الجميع على شاطئ ستضربه موجة التسونامي السوداء بعد ثوان معدودات ليفتح المجال الضيق أمام الجميع للحديث بشكل برقي و مختصر في شكل وصايا لجيل قد لا ينجو و قد لا يأتي.
سنة 2016 .. لحظات بعد انحسار موجة «التسونامي « و في غفلة من مقاولي إعادة الاعمار و المعربين عن القلق يمارس الجزر التدريجي فعل التعرية و الكشف عن مخلفات الضربة المائية الهائلة و لكنه يعود إلى أسبابها باستعمال مشرط طبي لكن دون اللجوء لا الى التخدير الموضوعي أو التخدير العام في عملية جراحية تذاع على الملأ دائما دون تخدير .
( ال ) عنف : جمالية القبح
«عنف» بإضافة ألف ولام كبيرتين موضوعتين بين قوسين ( ال) عنف تعرض له الثنائي «جليلة بكار» في الكتابة و«الفاضل الجعايبي» في الاخراج بكثير من التعرية والجرأة بالحفر في الأسباب و بكشف الوقائع دون أقنعة أو أصباغ في محاولة لتقديم الوجه الحقيقي لمجتمع لطالما تم التسويق له على أنه مثال للتسامح و التعايش المشترك في كنف كذا و كذا وكذا ..
الثورة في تونس حاضرة بشكل عرضي « تصريحا » داخل العمل لكنها موجودة بقوة في مراكمة كل المظاهر و الظواهر التي تعرض لها ( ال ) عنف و إن كان ذلك بشكل ضمني فإن لم تكن هي المساهمة في توليد العنف فهي على الأقل مساهمة في تعرية جزء كبير منه بعد ان وصل إلى حد مأزوم و بعد أن بلغ القيح مداه على امتداد أكثر من ستين عاما تم فيها تأجيل حل الكثير من المسائل العالقة تحت مسميات الضرورة الآنية و المصلحة الوطنية و أحيانا بفرض نصوص و قوانين مسقطة لا تنبع من وعي جمعي و ضرورة مجتمعية بل كثيرا ما تخضع لحلم مارسه صاحب القرار ليلا و أقسم أن يفصله و يحشر شعبه داخله دون اعتبار وزن زائد و دون الاكتراث بكونه فضفاضا في كثير من الاحيان .
بعد الثورة بدا كان الإنسان التونسي قد أفاق للتو من عملية طويلة الأمد لإكسابه نعمة البصر للمرة الأولى و بدا جليا كمية الألم النفسي و الجسدي التي يسببها استقبال أشعة الشمس للمرة الأولى سواء في القلب أو في العينين ويبدو أن لهذه العملية أثرا شديد السوء على الإنسان التونسي من زاويتي اكتشافه لنفسه واكتشاف المحيطين به دائما للمرة الأولى .
لا يدخل الجعايبي في لعبة تتبع الذي بادر بالفعل و الذي قام بردة الفعل ذلك أنها تبقى لعبة محفوفة بالمخاطر ناهيك أنها تقد تحدد مسبقا للمتفرج الهدف الذي سيوجه نحوه تعاطفه و العكس بالعكس و ذلك ان هذه النوعية من التقديمات وبالعودة مرة أخرى إلى « النفري « تحاول أن تجعل ممن توجه لهم الأسئلة فاعلين ومتحركين و مشاركين في الأمر الذي هو أمرهم في النهاية .
العنف الأسري و العنف التلمذي والعنف السياسي و العنف الديني والجنسي واللغوي و العنف التربوي و عنف الفقر وعنف الكبت وعنف التقاليد المتحجرة والظلام والرجعيين كلها مسبوقة بالألف و اللام كونها غير منسوبة للمجهول وكونها معلومة المصدر رغم محاولات الطمس و الاخفاء حاول من خلالها فريق ( ال) عنف تقديمها بتقنية جمالية القبح بما في ذلك من نسبة عالية من الصدمة القائمة على جلد الذات و تعريتها بحثا عن خلاصها دائما دون تقديم حلول جاهزة لتجنب السقوط الحر في مواعظ ودروس أخلاقاوية ليست من مشمولات الفن والمسرح خصوصا .
فاطمة بن سعيدان : الديفا (Diva)
لعبة خلع الألقاب على الفنانين والمطربين بشكل خاص دخلت منذ زمن مرحلة الافراغ من المعني الحقيقي لها بعد ان صارت في متناول الجميع و بعد أن صارت تخلع بمقابل وتخلع «عن» بسقوط المقابل أو ما يعادله .
يمارس الكثير من الفنانين في تونس على وجه الخصوص المرور القسري خارج دائرة الضوء خصوصا حين يتعلق الأمر بالمسرح الذي احتضن ومازال أيقونات أفنت كل ما لها من صحة وإمكانيات مادية و ارتبطات عائلية في سبيل البقاء على الركح وقوفا برأس عالية و قدمتين ثابتتين و صوت بوسعه تحدي كل العوامل لبلوغ مسامع المتفرج .
فاطمة بن سعيدان .. واحدة من هؤلاء اللائي قدمن كل ما يملكن في سبيل المسرح التونسي هي اليوم و بدون منازع ديفا (diva) المسرح التونسي بحضور ركحي لافت و بأسلوب كوميدي أسود يخترق المواضيع الجدية نحو إبلاغها بطريقة تجعل من المشاهد محتارا بين الابتسام أو التجهم .. فاطمة بن سعيدان والتي مازالت تحمل الكثير لتقدمه للمسرح التونسي تستحق هذا اللقب و بجدارة لجملة ما قدمت و لكل هذه التجربة التي حصلتها و مازالت .
خليل قطاطة