سلسلة «جسور التواصل» والقوانين المنظمة للمشاريع الثقافية: مسائل يجب أن تُطرح...

تعتبر حلقات جسور التواصل حلقات مهمة، حيث تنبني على الثقافة التشاركية بين وزارة الثقافة والمجتمع المدني والمثقفين.. شريطة أن تتحول التوصيات إلى أفعال وقرارات لا تبقى مجرد توصيات في أدراج منسية، في هذا الإتجاه، على وزارة الثقافة أن تفكر في مسألتين مهمتين

من شأنهما أن يدفعا بالمشهد الثقافي وبالمثقفين.. وهما مسألة إعادة النظر في قوانين الإستثمار الثقافي ومشروع قانون الرعاية والتبني الثقافي الذي تناسته الأحداث...
لماذا لا نرى استثمارات في المشاريع الثقافية، رغم أنّ هنالك العديد من المشاريع الثقافية، تدرّ أرباحا، لو نتحدّث عن الجانب المادي مثلا، ناهيك عن تداعيات المنتوج الثقافي في الوسط الاجتماعي، وعلى الفرد حيث تدفعه الثقافة للانفتاح وقبول الآخر والرقي المعرفي والفكري والأخلاقي..

الاستثمارات الثقافية: ما يعيق المستثمرين..
دون أن نتحدّث عن الإستقرار الأمني، ودون أن نتحدّث عن تداعيات الإرهاب على المشاريع الثقافية كما الإقتصادية، فإن أكبر عائق يمكن أن يجعل المستثمرين لا يقبلون على المشاريع الثقافية، هي صبغة القانون المنظم لهذه المشاريع نفسها.. دون أن نتحدّث عن بيروقراطية الإدارة.. وفي هذه النقطة أكدّت سنيا مبارك وزيرة الثقافة في حوارها الأخير مع «المغرب» أنّ المشاريع الثقافية في حاجة لانخراط المستثمرين والخواص والبنوك ، كما أوضحت أنّ سياسة الوزارة قائمة على الدفع وإتاحة الفرص، وقالت :»هنا أنا أدافع عن اللزمات، كما مررّت الكثير من الملفات لأني أعتبر أنه عندما تعطي فضاء لشخصية ثقافة تثري المشهد وتقوم بتكوين الشباب، نكون وقتها قد حصّنا جانبا من الشباب..ولدينا العديد من الملفات أيضا مازلت تحت النظر».

وهنا أيضا لا بدّ من الدفع لتغيير بعض القوانين التي من شأنها أن لا تدفع نحو الإستثمار الثقافي، ففي حوار سابق مع «المغرب» استنكر المنتج ورجل الأعمال نجيب عياد بيروقراطية الإدارة وتأخر القوانين، حيث اعتبر أنّه عندما تدير مشروعا بصبغة ثقافية، حتى وإن فتحت كشكا لبيع الذرى فإن الصبغة التجارية تحل محلّ الصبغة الثقافية للمشروع.. واعتبر أنّ المشروع في وضعه الحالي لا يشجّع على الإستثمار..

جسور التواصل والإستثمار الثقافي...
ولهذا لا بدّ في لقاءات «جسور التواصل» التي تنظمها وزارة الثقافة أن تولي موضوع القوانين المنظمة للإسثمار الثقافي اهتماما خاصا، لا سيّما وأنّ المشاريع الثقافية تمسّ كل القطاعات الثقافية المختلفة، حيث تعتبر لقاءات «جسور التواصل» مهمة لأنها يمكن أن تدفع نحو المزيد من الإهتمام بهذا الموضوع وبالتالي النظر فيه والعمل عليه..

جسور التواصل ومشروع قانون الرعاية والتبني الثقافي
كذلك لم لا تنظر «جسور التواصل» في مسألة مشروع تبني ودعم المشاريع الثّقافية والمبدعين مقابل حوافز جبائية؟ وهنا نذكر أنّ هذا المشروع يدفع للنهوض بالقطاع الثّقافي وذلك من خلال خطوط كبرى لبناء وتفعيل إستراتيجية هذا المشروع، خاصّة فيما يتعلّق بتثمين التّراث اللّامادي، والسّياحة الثّقافيّة والثّقافة الإلكترونيّة وإعادة هيكلة المهرجانات الثّقافيّة والتّشريعات الثّقافيّة الجديدة..
لا بدّ أن نذكر أنّ مشروع قانون الرّعاية والتّبنّي الثّقافيّين أعلن عنه الوزير الأسبق مراد الصكلي، حيث يشجّع المستثمرين على تبنّي ودعم المشاريع الثّقافيّة والمبدعين مقابل حوافز جبائيّة هامّة.. هذا المشروع يدفع لتحريك المشهد الثقافي ويخدم المثقف..

ما هو هذا المشروع؟
ويختزل مشروع قانون الرّعاية والتّبنّي الثّقافيّين في تدخّل القطاع الخاص في المرافق العمومية الثقافية قصد الدعم أو الرعاية مقابل حوافز جبائيّة هامّة للمتدخّل، مثلا عندما يتكفّل رجل أعمال ما بصيانة أو تجهيز معدّات مكتبة ثقافية أو مركز ثقافي أو أي مرفق ثقافي عمومي يتحصّل بذلك على حوافز جبائيّة مهمة..

وهنا لا بدّ أن نذكّر أيضا بالتجربة الرومانية في هذا الصدد، التي حصدت ثمار هذه السياسة، حيث تلعب الغرف التّجاريّة في رومانيا دورا هامّا في دعم القطاع الثّقافي، حيث كانت التجربة الألمانية فحوى لقاء دار في وزارة الثقافة والمحافظة على التراث بين كاتبة الدّولة للشّؤون الخارجيّة الرّومانيّة « كارمن بورلاكو» وسفير رومانيا بتونس والملحق الثّقافي بالسّفارة الرّومانيّة بتونس وإطارات وزارة الثقافة في جويلية الفارط.

هذا المشروع من شأنه أن يحل البعض من مشاكل البنية التحتية أو المعدات والتجهيزات في دور الثقافة.. لا سيما وأنّ وضعية دور الثقافة تستدعي التدخل والإحاطة..

وهناك من يرى أنّ هذا المشروع مثل حدّي السكّين، حيث يرون فيه «تملصا للدولة ومؤسساتها من واجبها لتوكله أو بالأحرى تضعه في أيادي أصحاب المال والأعمال مقابل تطمينات وامتيازات هو تنصل من المسؤولية لذلك فإن وزارة الثقافة تتحمل مسؤولياتها وتباشر مهامها في تحسين وضعية دور الثقافة والمادة الثقافية عموما وهذه مهمتها.. وما ستمنحه الدولة من امتيازات جبائية لا نرى داعيا لمنحها فالالتزام بدفع الضرائب يجعل الدولة قادرة على تخصيص ميزانية لتنمية وتحسين دور الثقافة إذ يمكن أن تكون بعض الامتيازات أحيانا فرصة للتملص من الضرائب..

ربما يحتاج هذا المشروع إلى دراسة أعمق، غير أنّ أفضل دراسة هي (سلسلة جسور التواصل)، إن أخذت في الاعتبار مثل هذا المشروع.. وبما أنّ وزارة الثقافة اعتبرت أنّ أساس العمل الثقافي هو مراجعة الجانب التشريعي، فلا بدّ أن تلحق هذا المشروع باهتماماتها لا سيما وأنه عندما طُرح أول مرة لقي اهتماما كبيرا من المعنيين بالأمر..

إنّ مثل هذا المشروع الذي يبنى بطريقة شفافة ويكون الغرض منه الإرتقاء بالمؤسسات الثقافية.. من شأنه أن يساهم في إنقاذ العديد والعديد من المرافق والمنشآت الثقافية التي تشكو من التلف والتآكل والإهمال، حتى أصبحت مرافق لا تلائم متطلبات العصر.. مرافق يمكن أن تستعيد بريقها وتصالح جمهورها الذي هجرها..

على وزارة الثقافة أن تضع هذين المسألتين تحت المجهر لأنّ هنالك من يعتبر أنهما مسألتان جوهريتان صلب العمل الثقافي، لا سيما وأنّ وزارة الثقافة تتبنى سياسية الثقافة التشاركية وتريد أن تشرك المجتمع المدني في قراراتها وفي مشاريعها..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115