المسرح العلاجي: مطية لخلق طفل متوازن فهل ستراهن عليه السلطة؟

المسرح مساحة مقدسة للحرية وممارسة الحياة، المسرح مطية للمعرفة واكتشاف الذات.. والمسرح العلاجي فرصة لاكتشاف قدرات «ذوي الهمم»

والتعريف بإبداعاتهم وقدراتهم الخارقة على تجاوز «العجز الجسدي» لذلك المسرح حياة.
المسرح العلاجي في تونس تجربة يخوض غمارها عدد من الفنانين المؤمنين بقدرة المسرح على بعث طاقة مميزة وروح مختلفة في الطفل، وإيمانا بأهمية هذا الفن العظيم قدم مهرجان «نيابوليس» في دورته الاخيرة ورشتي علاج الاولى للأطفال المصابين بطيف التوحد اشرف عليها حمادي الملولي والثانية للصم والبكم وقدمتها هدى اللموشي، وهما يجمعان على انّ المسرح فعل نبيل ومقدس يخاطب الروح قبل الجسد.
• حمادي الملولي.. ورشة مسرح الادماج:
فرصة لإدماج حاملي طيف التوحد مع محيطهم ومع ذواتهم
المسرح علاج، المسرح فضاء للتجارب المختلفة والانتصار للانسان، تجربة مختلفة يخوضها المسرحي حمادي الملولي منذ 2018 تتمثل في تشريك المصابين بطيف التوحد في الفعل المسرحي والابداعي، لتكون ورشة «مسرح الادماج» احدى الورشات المهمة ضمن فعاليات الدورة الاخيرة لمهرجان نيابوليس لمسرح الطفل وعن هذه الورشة يقول مؤطرها حمادي الملولي لـ«المغرب» كما هو معلوم يعتبر اضطراب طيف التوحد مهددا لسلامة الطفل النفسية وأعراضه متنوعة، كالاضطراب في الانتباه والإدراك وضعف العلاقات الاجتماعية وفقر الرصيد اللغوي، وقصور في فهم التعليمات اللفظية، وإفراط في النشاط الحركي مع ضعف في التحكم في الحركات الدقيقة مما يؤدي إلى صعوبات جمّة في التواصل الاجتماعي»
ويضيف محدثنا هنا يأتي المسرح العلاجي لمساعدته وإعادة إدماجه والتخفيف من قلقه وحدة توتراته، فهم غالبا ما يقضون وقتا أكبر في اللعب الإيهامي الفردي وهنا لن يوجد أفضل من اللعب التمثيلي كوسيلة وحيدة وفعالة في تعديل سلوكهم، وما يضفي مزيدا من الأهمية والقيمة على هذه الوسيلة، هو أن هؤلاء الصبيان يميلون إلى مثل هذا اللعب وينغمسون فيه بسرعة وتلقائية. وعلينا كمنشطين الاقتراب منهم، واختراق عالمهم بالاشتراك معهم في ألعابهم الإيهامية التي يميلون إليها، وشيئاً فشيئاً يتم ولوج دائرة الأطفال بما يحقق معهم التجاوب والاتصال الثنائي والجماعي.
  ويؤكد حمادي الملولي انّ المسرح العلاجي وسيلة تربوية من اجل اكسابهم مهارات في مجابهة الصعوبات التي تحول دون تفاعلهم، وتواصلهم الاجتماعي اللغوي والعاطفي، ويتعلمون السلوك الاجتماعي وتتوثق صلاتهم بأصدقائهم المتعلمين وبمعلميهم وسائر أفراد محيطهم الدراسي والعائلي إذ أن التمثيل عمل جماعي يقتضي إشراك الآخرين والتعاون معهم ومراعاة أدوارهم ووظائفهم وتقديرهم ومبادلتهم المشاعر والعواطف، ومن هذا الباب يعتبر خير وسيلة لتدريب الطفل ذوي طيف التوحد على العمل والسلوك الجماعي ووسيلة فعالة لتحقيق إدماج وتكيف اجتماعي سليم.
في هذا الاطار يتنزل التربص التكويني الذي يؤثثه مهرجان نيابوليس الدولي لمسرح الطفل الذي نشرف على تأطيره لفائدة أطفال التوحد وفريق التعهد البيداغوجي في مجالات التربوية المختصة للجمعية التونسية للنهوض بالصحة النفسية فرع نابل وبحضور طلبة من اطارات الطفولة، علما وأننا نستلهم نشاطنا التكويني من تجارب سابقة خضناها في هذا المجال منذ 2018 مع شبان وشابات التوحد للضيعة العلاجية الريحان لجمعية ابن سينا بصفاقس وبمشاركة مربيات التربية المختصة.
المسرح وسيلة للعلاج والادماج، المسرح طريقه ليساعد حاملي طيف التوحد على الانخراط ضمن المجموعة والخروج من الدائرة الضيقة، فالمسرح مجال للحلم والتعلّم حسب مسرحي اختار المسرح مطية ليبدع لمساعدة الآخرين على التحليق في رحاب الفن والامل، ويشير الملولي سنة 2022 تطورت تجربتنا لإنجاز عملا مسرحيا متكاملا من انتاج الضيعة العلاجية الريحان لجمعية ابن سينا وجمعية مسرح بلا حدود بصفاقس بعنوان صندوق عجب من تأطير واخراج حمّادي الملّولي وقد شارك على الركح في هذا المشروع في المسرح العلاجي 12 شابة وشاب من دوي اضطرابات طيف التوحد مع 8 من المربيات في التربية المختصة وممثلة وقدمت المجموعة منذ شهر جوان وإلى حد الآن 4 عروض وقد ابدع كل المشاركين في تاثيث فرجة فنية وجمالية راقية للجمهور حتى أنّك لا تميّز بين
الممثل الحقيقي هو الشاب المتوحد على الركح وقد أبدى الجمهور اعجابا كبيرا بمحتوى المسرحية وأداء كل المشاركين والفرحة التي بثها العرض في نفوسهم فامتلأت القاعة في كل عرض بالتصفيق وعبارات الاعجاب وكان آخرها عرض مهرجان نيابوليس الدولي لمسرح الطفل بقاعة سيزار بياسمين الحمامات حيث تابع جمهور الاطفال المسرحية باهتمام كبير وصفقوا طويلا عند نهاية العرض .
ويختم الملولي بالقول نعتبر هذا المشروع أحد منارات المسرح التونسي لأهمية المسرح العلاجي في تطوير مهارات ذوي طيف التوحد ونطالب الهياكل المعنية بضرورة تكريسه و دعمه حتى تعم الفائدة على أكبر عدد ممكن من هذه الفئة.
• هدى اللموشي.. ورشة الدمية العلاجية:
العروسة طريق ليكتشف حامل الاعاقة ذاته ويطور مهاراته
اختارت المسرح وسيلتها للعلاج، عالجت جراح روحها منذ الطفولة عبر المسرح ثم اختارته طريقها للابداع ولعلاج الاخرين، المسرحية هدى اللموشي المختصة في «العلاج بالمسرح» و»الدمية العلاجية» قدمت ضمن مهرجان نيابوليس ورشة «الدمية العلاجية» وتوجهت بها الى اطفال الصم والبكم حاثة اياهم على الحديث عبر «العروسة» ففي المسرح لا معنى لكلمة مستحيل، وفي قاموسي الفني لا وجود لكلمة «عجز» او «لا استطيع» حسب تعبير هدى اللموشي.
وتضيف الفنانة المختصصة في العلاج بالمسرح «منذ الطفولة عرفت روحي الكثير من الجراح والندوب النفسية، عالجتها بالمسرح تمثيلا وقراءة، واليوم وبعد تجربة طويلة بت متيقنة ان المسرح افضل لبلسم وأجمل دواء للروح وللجسد ايضا» اللموشي لها تجربة مختلفة وناجحة ضمن «مسرح السجون» ورافقت نزلاء برج العامري لاعوام طويلة وكانت كل مشاركات النادي تنتهي بجائزة في ايام قرطاج المسرحية او ضمن فعاليات مسرح الحرية، فالمسرح مساحتها للحرية،للعب وللعلاج.
وعن الورشة التي قدمتها اللموشي ضمن «نيابوليس» تقول «ورشة الدمية العلاجية هي ورشة صنع وتحريك العرائس الموجهة للأطفال الصم شاركت فيه مجموعة من طلبة معاهد الفن المسرحي ومربيي التربية الخاصة، وتتمثل قيمتها في تقديم تقنيات صنع وتحريك العرائس الموجهة للطفل الأصم وخصوصيات هذه العرائس أن تكون يدا العروسة نفسها يدي المحرك وذلك لأن الطفل الأصم يتواصل عبر الإشارات ولا يمكن أن يتعامل مع عروسة تقصي هذا الجانب في شخصيته»
وتشير هدى اللموشي ان ورشة «العروسة العلاجية» تقوم على ثلاث مراحل اساسية ولكل مرحلة اهدافها الخاصة:
اولا مرحلة الصنع وتتمل اهدافها في تحفيز الخيال، بث المتعة والتخلص من الطاقة السلبية وتسليطها على العروسة واخيرا التواصل مع الذات اذ ستعكس العروسة جوانب من احاسيس المحرك وأفكاره.
ثانيا مرحلة الصنع ومن اهدافها القدرة على الفعل بصنع العروسة واعطائها روح وبناء علاقة تواصلية مع ذاته بما يسهل عملية ادماجه وتواصله مع الاخر وتحويل الصعوبات النفسية الى فعل جمالي.
المرحلة الثالثة والأخيرة هي انجاز وضعية ومن اهدافها بناء علاقة مع بقية عناصر المجموعة وتحقيق الادماج وتسهيله والتخلص من معيقات التواصل التي تسببها الاعاقة وتجاوزها بالفعل المسرحي العرائسي.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115