الى فضاء للنقاشات عن العروض والمشادات والدفاع المستميت عن فنان او عن عرض وفيه يدافع الكل عمن يشبعون ذوقهم الموسيقي او الفني او ابن الجهة ولكل طريقته في الدفاع إما بالثلب الفايسبوكي او النقد العلني والواقعي تلك ميزة اغلب المهرجانات الصيفية دولية كانت او محلية.
تختتم قريبا اغلب المهرجانات التونسية وتطوى صفحة الصيف وتفتح مكانها صفحة العودة المدرسية، وتظل المهرجانات في تونس فرصة لاكتشاف انماط موسيقية جديدة، كذلك مطية ليعرف التونسي ثقافات اخرى لكن اغلب المهرجانات تكتفي باستنساخ في البرمجة والاسماء وتكتفي بمن يملكون اكبر عدد من المتابعين على «الانستغرام» وتجعل هؤلاء يؤثثون المشهد الصيفي التونسي.
اعتقوا التراث من التهذيب فقد تهلهل
المهرجانات الصيفية الدولية والمحلية مجال لمعرفة اكبر عدد من الفنانين والاستماع الى اغانيهم وانتاجاتهم الفنية، من مهرجان قرطاج الدولي الى مهرجان وتطاوين الصيفي (على سبيل الذكر لا الحصر) يوجد عامل مشترك وحيد هو «اعادة الحياة في التراث» ذاك الموروث الغنائي الموسيقي مطية الفنانين لتقديم عروضهم في المهرجانات الكبرى والصغرى.
التراث قبلة الفنانين التونسيين الباحثين عن نجاح عرض دون محاولة العمل على تقديم لحن جديد او كلمة تواكب الراهن، على ركح مهرجان قرطاج غنوا التراث في الحمامات قدموا الموروث التونسي بتوزيع جديد وفي المهرجانات جميعها يكون التراث ملجأ الفنانين حتى العرب منهم يلجأون الى اغاني ام كلثوم وفيروز وعبد الحليم لتأثيث حفلاتهم امام جمهور ياتي لسماع اغانيهم وإنتاجهم الخاص.
من يواكب المهرجانات الصيفية يكتشف شحّ الكلمة واللحن في الغناء التونسي قبالة تمطيط المادة التراثية وإعادة الاغنية التراثية الى حد الملل، في اكبر المهرجانات كم فنانا قدم اغنية «وحش السرا» كم مرة استمع الجمهور التونسي لـ»جيت نعوم الموج قلبني» وكم فنانا اثث سهرته للعام 2022 بكوكتال نعمة وصليحة؟ كم فنانا في الوقت الراهن يؤثث عروضه بأغاني كتبها شعراء ولحنها ملحن وغناها فنان اعطاها الكثير من روحه ومجهوده لتقدم اليوم مع تغيير في اللحن حسب نوع العرض بتعلة «تقديم الموروث» او «تهذيبه» وهي الكلمة الاكثر استعمالا والأكثر سوءا في علاقة بالتراث التونسي قديمه وجديده؟ فهل أنّ تونس تعيش شحّا في الشعر الغنائي والكلمات الملحونة، ام أنّ الفنان التونسي يبحث عن الاستسهال ولا يرغب في «المصروف» للتجديد وباستثناء عرض عايدة النياطي وزياد الزواري يكتفي اغلب الفنانين بالأغنية التراثية.
ثقافة الاستنساخ والدولية المفرغة
المهرجانات الصيفية دولية كانت او محلية فرصة للجمهور لمواكبة اكبر عدد من العروض واكتشاف انماط فنية مختلفة، في تونس اصبحت المهرجانات مستنسخة (مهرجان الجم للموسيقى السيمفونية هو الاستثناء)، تقريبا اغلبها تتشابه من حيث اسم الفنان او العرض، كل المهرجانات تقدم عروض الراب وسهرة للموسيقى الصوفية باختلاف تسمياتها من الحضرة بكل تفرعاتها للزيارة والمدحة وعروض ذات طابع صوفي متشابهة صوتا وغناء وألوان.
استنساخ في الاسماء العربية المشاركة في المهرجانات التونسية ، نفس الاسماء تقوم بجولة موسيقية في اغلب المهرجانات مثل دلال ابو امنة غنت في الحمامات ثم دقة، و فايا يونان بين دقة والقصرين ووائل جسار من الحمامات بنزرت وصفاقس والمنستير واغلبهم يشتري رضا الجمهور التونسي بكلمات «عيشك» و»انا تونس بلدي الثاني» و»الجمهور التونسي جمهور رائع»، واغلبهم يؤدي الاغاني التراثية وكأنه كتب على المهرجانات منذ الازل ان تكون «قنديل باب منارة».
المهرجانات في تونس جميعها اصبحت ترفق بكلمة «دولية» واغلبها تكتفي ببرنامج موغل في المحلية وسهرات يحييها ابناء الجهة وأحيانا يزينون البرنامج بحفل لفنان تونسي من ولاية اخرى او من الفنانين الكبار مثل امينة فاخت او لطفي بوشناق، فأين الدولية في تظاهرات تقدم فقط المحلي وربما تنفتح على الجهوي والوطني؟ هل كلمة «دولي» لها ايقاعها لتعتمدها كل المهرجانات؟.
صراع المسرح والستاند آب الصيفي والنقد المستباح
للمسرح الضاحك جمهوره، للكوميديا روادها باختلاف التقنيات المسرحية المعتمدة، في صائفة 2022 شهدت المهرجانات عدد محترما من العروض الكوميدية القائمة على ممثل واحد مثل عرض «المايسترو» لبسام الحمراوي او عرض «فيزا» لكريم الغربي وعرض «القهرمانة» لمعز التومي وعرض لطفي العبدلي وعرض لمين النهدي وككل موسم صيفي يسيل حبر النقد الفايسبوكي لعروض الوان مان شو.
نقد يصل الى حد التهديد بالقتل كما حدث مع لطفي العبدلي في صفاقس او نقد الى حد التقزيم والتشويه والدعوة بالنهاية الفنية للممثل كما حدث للامين النهدي في عرضه «نموت عليك» على ركح قرطاج، هذا النقد الفايسبوكي الصيفي وحملات التشويه عادة ينخرط فيها اغلب مستعملي وسائل التواصل الاجتماعي واغلب من لا يحضرون العروض ولا يعرفونها ويكتفون بمقطع من «الفايسبوك» او بعض التعاليق ممن يعتبرهم «ثقات»، نقد سلبي يشوّه المهرجان والفنان وإن اختلفنا مع المادة التي يقدمها على الركح ولا يحترم رغبة الالاف ممن قطعوا تذاكرهم لحضور ذلك العرض، هذا النقد الفايسبوكي قزّم تجربة لمين النهدي في قرطاج (فيديو صوّر خروج الجماهير اصبح الاكثر مشاهدة والاكثر شتما)، لولا اصرار جمعية مهرجان قابس الدولي وتكريمه ثم مهرجان مدنين لما عاد لمين النهدي ورفيقه المنصف ذويب الى الركح.
بالاضافة الى النقد الفايسبوكي يطلق المسرحيون ككل صيف نداءاتهم واحتجاجاتهم على غياب المسرح الجاد في المهرجانات الكبرى (باستثناء الحمامات) ويتساءلون عن سبب اقصائهم مما يساهم في نشر ثقافة «البوز» والمسرح غير الجاد والتأثير على الذوق العام، فغياب المسرح حسب المسرحيين فرصة للمتهافتين على الركح ليصنعوا نجاحاتهم ويقدموا مادتهم المسرحية غير الملتزمة بقضايا الوطن والمواطن وهو ما ينفّر المواطن من المسرح ولكن السؤال، اليس من حق التونسي الاستمتاع بأعمال تضحكه وتخرجه من واقعه؟ ام وجب عليه العيش في واقع منهك للنفس ثم يشاهد عملا مسرحيا يزيده الما ووجعا (اغلب المسرحيات التونسية تقدم مواضيع تتعلق بالقتل والجريمة وأزمة اقتصادية واغلبها تشعر المشاهد بالإحباط والتفكير في واقعه ووضعه وطرح العديد من الاسئلة، بينما يبحث عن مساحة للتنفيس ونسيان الواقع)؟.
للمهرجانات الصيفية ميزة اخرى فهي تخلق مئات الصحفيين والنقاد، خلال فصل الصيف و»ميسرة المهرجانات» يكثر عدد النقاد من صحفيين وأشباه صحفيين (كثيرون لا ينتمون للقطاع الصحفي يحملون شارات صحفية في المهرجانات ويصبحون مواكبين نقادا)، الكل يواكب المهرجانات والكلّ يفقه في آليات النقد الموسيقي وطريقة الغناء وتوزيع النوتات بين العازفين، في الصيف يصبح النقاد جاهزين لكل عرض ويتجاوز عددهم المئات قبالة العشرات طيلة الموسم الثقافي، هؤلاء النقاد الموسميون جزء من هدم المشهد النقدي وتشويه العمل الصحفي في فصل الصيف فهم «جهابذة» ويعرفون كل الفنون ولهم القدرة على التشبّع بكل التلوينات الفنية والانتشار السريع بفضل تقنيتي «الستوري» و»اللايف فايسبوك» واغلبهم يختفون بنهاية موسم المهرجانات الصيفية.
المهرجانات الصيفية في تونس: مزاد علني لإعادة التراث واستنساخ للأسماء العربية والنقد الفايسبوكي سيد الموسم
- بقلم مفيدة خليل
- 13:48 20/08/2022
- 1095 عدد المشاهدات
«الصيف ضيف» مثل شعبي تونسي يعتبر الصيف ضيف غير ثقيل يرحل بسرعة، لكن الصيف بالنسبة للمهتمين بالمهرجانات الصيفية يتحول