مرايا وشظايا: عيّروا لمين النهدي بالشيب: ليس للفن عمر... والفنان لا يشيخ !

في الطبيعة فصول ومواسم، وفي عمر الإنسان فصول من الصبا والشباب والكهولة والشيخوخة. وليس التقدم في العمر عيبا أو خطيئة بل إنه سنة من سنن الحياة

ومن المعتاد أن يزداد الإنسان نضجا وإدراكا وثقافة كلما مضت أمامه السنوات كومضة برق !
رضوخا لقانون الزمن، تحيل عديد المهن موظفيها إلى التقاعد، كذلك بعض الوظائف التي تعتمد على اللياقة الجسمانية ككرة القدم والألعاب الرياضية عموما... أما في الإبداع فالحديث عن الإحالة على شرف المهنة لا يستقيم. فهل يمكن أن نمنع الكاتب عن الكتابة والمفكر عن التفكير والمؤرخ عن التوثيق؟ وبالتالي هل يمكن أن يحرم الفنان من ممارسة الفن بدعوى تقدم العمر؟
لما صعد نجم الروك الأسطوري فيل كولينز على الركح متكئا على عكازه لم يطرده الجمهور بل صفق له طويلا رغم عجزه على القرع عن الطبول كما كان يفعل في سنوات مجده الطويلة. أما في تونس، اعتلى الفنان لمين النهدي مسرح مهرجان قرطاج الدولي فطالبه البعض من الجمهور بكل صفاقة وقلة أدب أن يغادر لأنه كبر في السن !
ولئن كان من حق الجمهور انتقاد عرض «نموت عليك» الذي لم يرق لعدد من الحضور إلا أنه ليس من حقه أن «يعيّر» الفنان بسنه ويطلب منه «تعليق الصبّاط» بمجرد أن العرض لم يعجبه. إذ ليست للفن مدة صلوحية وليس للفنان عمر إبداع . وإلى اليوم لايزال كبار الفنانين تجربة وعمرا يقدمون أحلى الإبداعات وأجمل الفنون رافعين مشعل الفن التونسي في العالم حتى يكونوا قدوة للأجيال الجديدة.
كم من ممثل قدم أجمل الأدوار وهو في خريف العمر، فهل طالب الجمهور يوما أمينة رزق أو حسن حسني بالانسحاب؟ وكم من مطرب لم تشخ حنجرته رغم عبث الزمن بالجسد، فهل منع من الغناء شارل أزنافور أو فيروز؟
منذ عصر الكهوف عرف الإنسان الفن ولم يتخل عنه... ولن يتخلى عنه . فالفن ليس ترفا إنّ «الفن كان ومازال وسيبقى ضرورة في حياة الإنسان» كما يؤكد إرنست فيش في كتابه «ضرورة الفن».
وفي العودة إلى التعاليق على عرض لمين النهدي ومنصف ذويب ، انهالت سياط الجلد من كل حدب وصوب وخارج نطاق المعقول والمقبول دون نقد بناء وحقيقي قد يستعين به كلا الفنانين لمراجعة عرضهما وإدخال ما يمكن من تحسينات وتعديلات عليه...
إنها الذاكرة القصيرة التي نسيت متعة الإضحاك في سنوات خلت مع عرض «المكي وزكية» ولم تصفح اليوم للثنائي «النهدي وذويب» زلة قدم أو قلم أو أداء في زمن أصبح فيه التطفل على فن الكوميديا متاحا لكل من هب ودب وبكل الوسائل واللغات والغايات...
قد نحتاج اليوم إلى التدريب على طقوس الفرجة قبل الجلوس على مدراج المهرجانات التي تلهث بدورها وراء شباك التذاكر على حساب العروض الجادة والحقيقية من المسرح والفن والجمال...

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115