في أيام قرطاج الكوريغرافية: «سلام» لعماد جمعة يرج الإنسان لإنقاذ كوكب الأرض من الدمار

«ليس المهم كيف يتحرك الناس، المهم هو ما يحركهم»، وفي حلبة الرقص، تتحرّك الأجساد لأنها تحمل فكرة وعاطفة وموقفا...

لم يكن عرض «سلام « لعماد جمعة مجرد مساحة من المرح والمتعة بل كان رسالة ملتزمة وصرخة وجع وفزع لإيقاف نزيف تلوث البيئة وإنقاذ كوكب الأرض من الفناء حتي يتواصل بقاء الجنس البشري على قيد الحياة.
اختارت الدورة الرابعة من أيام قرطاج الكوريغرافية تبني قضايا البيئة هاجسا ورهانا من خلال حملة توعوية وتحسيسية... وبدوره جاء عرض «سلام لعماد جمعة منسجما مع هذا التصور ومتناغما مع شواغل العصر وإكراهات الوضع الراهن.
دراما راقصة
في الافتتاح الرسمي للدورة الرابعة من أيام قرطاج الكوريغرافية، قدّم الكوريغرافي عماد جمعة العرض ما قبل الأول لمشروعه الجديد «سلام» من إنتاج مسرح الأوبرا بمدينة الثقافة. وقد جمع هذا الفنان المبدع بين القيمة الجمالية والرسالة الإنسانية بمنتهى الحرفية والطرافة. أمام عرض «سلام» يحتار الإنسان أمام براعة التعبير عن قضية العصر والمخاطر التي تتربص بكوكب الأرض، قد يجوز توصيفها بـ «الدراما راقصة». على الركح تجلّت الحبكة بوضوح ، وشيئا فشيئا كان النسق تصاعديا نحو العقدة، أما الفكرة فكانت تدور منذ البداية إلى النهاية حول كوكب الأرض، الأرض الأم التي تبكي اليوم جراء جحود أبنائها تجاهها وتهديدهم لحياتها بسبب التلوث والاعتداء على البيئة وصناعة المواد والنفايات الخطيرة...
على صوت صفارة الإنذار المزعج والمربك، ينطلق عرض «سلام» الذي يدق بدوره ناقوس الخطر لإنقاذ كوكبنا ومواصلة الحياة بسلام. لم تأت فكرة العرض من فراغ ولم يبالغ عماد جمعة في تهويل الأمور بل استند على تقارير علمية ودراسات مختصة حديثة. وقد كانت منظمة الأمم المتحدة قد حذرت منذ سنة 2019 من أنه لم يعد أمامنا سوى عقد واحد من الزمن لإنقاذ كوكب الأرض.
في مشهد تراجيدي، تتساقط الأجساد كأوراق الخريف وتحاول الوقوف والنهوض وكأنّ التلوث قد أتعب أنفاسها وقطع عنها الأوكسجين وقد انتشرت أكياس البلاستيك في كل مكان وغطت التراب والنبات.
كانت قتامة الإضاءة والإنارة والموسيقى المنذرة بالحرب والموت، توحي بحجم الخطر الذي ينتظر الإنسان بسبب تدميره لبيئته ومحيطه وبحاره... وقد ترجمت أجساد الراقصين مشاعر الحيرة والهلع في لوحات راقصة أذهلت الجمهور بانسجامها وبلاغتها في ترجمة فلسفة العرض.
الرقص التزام ورسالة إنسانية
بين راقصة تلبس ثوبا من البلاستيك الأسود وراقصة أخرى تحمل شجرة فوق ظهرها، أجاد الكوريغرافي عماد جمعة نقل الرسالة وتلخيص المقصود. إنّ حياة كوكب الأرض مرتبطة بتحقيق معادلة تقوم على مكافحة التلوث من جهة وعدم اقتلاع الأشجار من جهة أخرى حتى تستمر البشرية.
في نهاية المطاف، وبعد صراع من أجل البقاء خاضه الراقصون في حربهم مع التلوث وغول «البلاستيك» الذي أتى على الأخضر واليابس، يلوح كوكب الأرض معلقا في الأعلى، وتحته تطوف الراقصات ويدور الراقصون وكأنهم يطلبون من أرضنا الأم السماح والغفران، وكأنهم يستنجدون بها من أجل مدهم بالهواء والماء وجرعة الحياة.
في كثير من الجمالية والإقناع، نجح عماد جمعة في تصميم كوريغرافيا عرض «سلام» مع إضاءة مدروسة وممتعة لصبري عتروس . وكان أداء راقصي بالي أوبرا تونس في منتهى الروعة والدهشة وهم: بية بوزقرو، هدى الرياحي، أميمة مناعي، حازم الشابي، عمر عباس، وائل مرغني، عبد القادر دريهلي، سيف الدين عبد الجليل وسهيل عبد الجليل. وقد أضافت لمسة آمنة بوعون في تصميم الملابس بعدا فنيا رائعا على مشهدية العرض ومقاصده. وبواسطة التأليف والتوزيع الموسيقي لمروان بن الشيخ، نجح عرض «سلام» في إثارة إحساس الخوف والحذر لدى المشاهدين وتحفيزهم على التحلي بالمسؤولية في إنقاذ كوكب الأرض قبل الدمار بفعل الإنسان.
ليـلى بورقعة

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115