1 - إذا سافر المسلم وهو صائمٌ في رمضان وغيره، مسافة قَصْر، فقد رخَّصَ له الشارع في الفطر - تيسيرًا منه وتخفيفًا عليه - على أن يقضيَ ما أفطر فيه، عند حضوره ورجوعه من سفره؛ قال الله تعالى: " فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر "البقرة: 184، وعن عائشة رضي الله عنها أنَّ حمزة بن عَمْرٍو الأسلمِيَّ قال للنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَأَصُومُ في السَّفَرِ؟ - وكان كثيرَ الصِّيَام - فقال: «إِنْ شِئْتَ فَصُمْ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ»، وفي رواية لمسلم: أنَّه قال: يا رَسُولَ الله، أَجدُ بي قُوَّةً على الصِّيام في السَّفر، فهلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ؟ فقال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" هِيَ رُخْصَةٌ مِنَ اللهِ، فَمَنْ أَخَذَ بِهَا، فَحَسَنٌ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ »؛ إلى غير ذلك من الأحاديثِ الصَّحيحة الكثيرة في هذا الباب
2 - وإن لم يجد المسلم مشقَّة بالصَّوم في السَّفر، فالصَّوم له أفضل، وإن وجدَ مشقة فالفطر له أفضل، وعلى كلِّ الأحوال فالفطرُ أولى وأحبُّ إلى الله تعالى؛ وذلك لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَيْسَ مِنَ البِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ"
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ، فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ، وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ"
3 - وقد يتوهَّم بعض النَّاس أنَّ الفطر في هذه الأيام في السفر غير جائز، أو أنَّه خلاف الأولى، بسبب تيسُّر المواصلات، وتوَفُّر سُبُل الرَّاحة فيها، فهؤلاء نذكِّرهم بقول الله تعالى: " وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا " مريم: 64، وبقوله سبحانه: " وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ " البقرة: 232. فتشريع الله للنَّاس تشريع دائم لا يختصُّ بجزءٍ من الأمَّة دون بقيَّة الأمَّة، ولا بزمنٍ دون زمن، ولا بمكانٍ دون مكان، ذلك أنَّ منزِّل هذا الشرع هو خالقُ الإنسان والزَّمان والمكان، العليم الخبير الذي يعلمُ حاجة النَّاس، وما يصلحهم وما يَصلحُ لهم، وقد يوضِّح هذا ما نشره بعض الباحثين الخبراء، من أنَّ انتقال الجسم المفاجئ السَّريع من بلدٍ إلى بلد، له تأثير سيِّئٌ على الجسم، وقد يفقد الإنسان قواه لحين من الوقت، ويؤثِّر على حواسِّه.
أسوق هذا لنعلم أنَّه قد يكون وراء تشريع الله من الحِكَمِ ما لا نعرفه، ثم قد يتكشفُ أو لا يُتكشَف، فلا يجوز أن نُخضِع أحكام الله لآرائِنا وعقولنا، بل يجبُ أن يكون موقفنا؛ كما قال الله تعالى: "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ "الأحزاب: 36
فالسَّفر بالوسائِل العصريَّة: كالقطارات، والسُّفن البحريَّة، والطَّائرات، ونحوها من الوسائل المريحة، لا يُسقط الرُّخصة الشَّرعية التي تصدَّق الله تبارك وتعالى بها علينا - وهي الإفطار في السَّفر - فقد قال الله تعالى: " يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ " البقرة: 180.
4 - وإذا نوى المسافر الصِّيام بالليل، وشرَع فيه، جاز له الفطر أثناء النَّهار، كما يجوز له أن يفطر إذا أصبح، ونوى السَّفر أثناء النَّهار.
فعن جابِرِ بن عبدالله رضي اللهُ عنهُمَا أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرجَ عام الفَتحِ إلى مَكَّةَ في رمضان، فصَام حتَّى بلغ كُرَاعَ الغَمِيمِ، فصام النَّاسُ، ثُمَّ دعا بِقَدَحٍ من ماءٍ فرَفَعَه، حَتَّى نظر النَّاس إليه، ثُمَّ شَرِبَ، فقيل لَهُ بعد ذلك: إِنَّ بَعضَ النَّاس قد صَامَ، فقال: «أُولَئِكَ الْعُصَاةُ، أُولَئِكَ الْعُصَاةُ".
يتبع