لا شكّ أنّ التفكير الفلسفي في الفن هو أيضا تفكير في كيفية أن يكون عملا فنيا انطلاقا من معايير فنّيّته.
باعتبار أنّ أرسطو أسّس نظريا لمفهومي «الشاعرية» و خاصة «المحاكاة»، كمفهوم يحلّل كيفية نشوء إرادة الإبداع لدى الفنان من خلال استلهامه لنموذج ما .. وباعتبار أنّ هيقل حاول تأسيس الفن كعلم، له قواعد وأسس ومناهج، بل ومستقل بمفاهيمه وفرضياته، ودافع عن الإبداع الإنساني المتفرد، وباعتبار أنّ هايدغر، انطلق من فكرة أنّ الفن مثالا للتجلي الأبرز والأكثر أصالة للوجود، ما يمكننا من رسم معالم كينونة الإنسان.
وباعتبار أنّ هانز غادامير في مؤلفه: «تجلي الجميل» أبرز المفاهيم المؤطرة لتاريخ فلسفة الفن، حيث كان تطوّر مستوى هذه المفاهيم مؤثرا في التحول الحاصل عبر تاريخ الفن من خلال قراء الأعمال الفنية وتغيّر التمثلات، من خلال الفنان/ة حيث غدت أعماله/ا تُنتج بناء على هذه الخلفيات الفكرية الجديدة..
وبالنظر إلى كل هذا هل يمكن أن نسمي المسلسلات التلفزيونية أعمالا فنية أم أعمالا فرجوية تبثّ على التلفزيون ؟ في مقال صحفي لا نستطيع أن نخوض في المراجع والأطروحات، ولكن لنتحدّث قليلا عن سيناريو المسلسلات التونسية، تحديدا تلك التي ينتجها أو يخرجها أو حتى يكتبها تجّار الفرجة، من خلال التصوّر التعبيري للسيناريو الذي يعتمد بالأساس على المخيلة الذاتية للكاتب، هذه المخيلة الفرجوية التجارية الإستهلاكية تحشد وتبحث عن مناصرين وتسطّح القضايا وتتفهها وتردم كل نقاش فكري تحت أقدام الجماهير المعطوبة وتشتغل على مضامين اجتماعية لا تنتمي إلى أسئلة الفكر النقدي أوالثقافة الفنية بقدر ما تنتمي إلى صناعة الإستهلاك والإثارة، مع أنّ الفن قطعا ليس سلعة، فهو ينبني أيضا على مرجعيات فكرية تجدد الوعي الجمالي وتعمّق التجارب الرمزية والروحية ، الفن الذي يساهم في دفع ضحاياه في السقوط في كل أشكال السلوكيات الجهلانية والعدمية والفضوية والإنتحارية المدمرة، لا يسمّى فنّا.. إنما تجارة متخفيّة بأدوات فنيّة، هدفها الأساسي الترويج للإعلانات التجارية التي تعرض على التلفزيون.
في الولايات المتحدة الأمريكية يوصف المسلسل التلفزيوني بـ»سوب أوبرا»soap opera أو «أوبرا الصابون»، وهو تعبير نشأ من خلال ارتباط المسلسلات في بدايته بإعلانات الصابون، وكان الهدف منها هدفا تجاريا لخدمة شركات الإعلانات، وهو لا يزال كذلك حتى اليوم، أي أن المسلسل ظاهرة تجارية وليس ظاهرة فنية، على العكس من الفيلم السينمائي الذي ظهر أساسا كظاهرة فنية ليستغلّ بعد ذلك تجاريا..
لا يمكن أن نتحدّث عن مسلسل كعمل فني وهو ينخرط في ثقافة تيوقراطية، ميزوجينية تسوّق للانغلاق والتشدّد.. وتمضي في تخدير العقول وجعل خاصة النساء هدفا للجماعات الراديكالية من خلال الحط من قيمتها من خلال تسويق خطاب يحتمي بحجة حرية التعبير ويجعل المرأة في مرمى التمييز والعنف، فنحن نتعرّف على الشخصيات النسائية من وجهة نظر الرجل، فنرى النساء معنافات، لا تعرف الدفاع عن حقوقهن، يجبرن على قبول تعدد الزوجات مثلا (في مسلسل براءة) حيث ظهرت النساء في أدوار كمكملات لرحلة البطل المغوار (البطل الذي الذي يكون عادة لصا أو قاتلا أو مدمن وتاجر مخدرات.. أو لنقل مثالا يحتذى به اليوم!)
هذه المسلسلات التي تتسم بالإنحطاط إلى أبعد الحدود الممكنة، وجدت في التفاهة فائضا من الربح وأصبح القيمة العليا التي لا تضاهيها أيّ قيمة، لا ضرر في الربح ولكن الضرر الأكبر أنّ تجار المسلسلات لا يتفقون مع فكرة أن أعمالهم لا يجب أن تكون بالضرورة تعكس مشروعا متنورا منفتحا لا يدنّس القيم الإنسانية الكونية ولا يمضي في تعميق ثقافة ميزوجينية تضطهد خاصة النساء، ولا يروجسلوكيات عنيفة خطيرة دون معالجة فنية بعيدا عن فكرة مساءلة ثقافة المجتمع فنيا وفكريا
الأعمال التلفزيونية: الإفلاس
- بقلم سيماء المزوغي
- 09:31 07/04/2022
- 1073 عدد المشاهدات
هل يمكن أن نسمّي المسلسلات التلفزيونية أعمالا فنية؟