عاش تجربة مسرحية تنصت لهواجس الطفل ومشاغله، تجربة مسرحية صنعت بكل الحب والاجتهاد والرغبة في ترك بصمة ابداعية في مجال مسرح الطفل من جزيرة جربة انطلق الهاجس الابداعي الاول، هو المخرج الفنان الحالم والمتجدد حاتم مرعوب الذي انطلقت تجربته من المصائف والجولات ثم مع المسرح المدرسي وقد تعرف آنذاك على الاستاذين احمد عتيقة وانور الشعافي في جربة مدنين.
وقد تواصلت الرحلة مع مسرح دور الشباب مع السيدة سامية الغالي، ثم تحصل على الباكالوريا ودرس في المعهد العالي للفن المسرحي وحينها مارس المسرح الجامعي ومباشرة مارس المهنة وأنجز عملا للأطفال ومارس المهنة منذ أكان طالبا» كما يقول حاتم مرعوب في حوار تحدث فيه عن تموقع مسرح الطفل وريادته والرغبة الدائمة في تطوير هذه التجربة الانسانية المميزة.
• لماذا اخترت المغامرة وممارسة مسرح الطفل؟
في الحقيقة حين كنا طلبة كان هناك قطبان لمسرح الطفل اساتذينا وقدوتينا في البدايات مختار الوزير ومحسن المؤذن و كانت اعمالهما متميزة وكانا قدوتنا ونشاهد ما ينجزونه، اعمالهم اغرتنا بدخول هذا العالم الساحر، في تلك الفترة الجيل الجديد دخلنا لمغامرة مسرح الطفل وهم محسن الادب وحسان السلامي وحاتم مرعوب، حاولنا ان نأخذ المسالة بكل جدية ونطرح هواجسنا الفنية.
فمسرح الطفل يضاهي عندنا مسرح الكبار في الطرح، في التصورات الجمالية و في اختيار النصوص والممثلين، واخترنا التوجه لمسرح الطفل.
• هل كانت التجربة صعبة؟
بل صعبة جدا، اذ لا وجود للمتابعة الكافية النقدية والاعلامية والحضور، كما أننا تتعامل مع شريحة عمرية حساسة جدا يجب على ممارس هذا الفن ان يفهم البيداغوجيا وعلم النفس وطريقة اختيار الكلمة وكيفية تركيب الصورة وهي مسؤولية جسيمة جدا على متحمّلها التمتع بطاقة من الصدق ليبدع.
• في اغلب اعمالكم تلتجئون للنصوص الكلاسيكية؟ اهو اختيار فني ام ازمة نص تونسي؟
منذ البدايات ارى انّ النصوص العالمية تعتبر نصوص مرجعية و المخرج يجرّب على هذه النصوص لإثبات قدرته الجمالية، الأعمال العالمية هي حكايات انسانية قادرة ان تخاطب الطفل رغم تغيره، كل مدة يتغير الطفل ومن الهام جدا ان يعرف الحكايات العالمية، شرط أن تقدّم بشكل اخر وبخصوصية الان وانسجام والمجموعة.
شخصيا اعتبر من الهام ان أقدم «سندريلا» و»البجعات» ، هذه اعمال خالدة ومن حق الطفل التونسي ان يشاهدها، كما انها مهمّة في التكوينن النفسي للطفل لانها تساعده على فهم وجوده في العالم.
هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى لا يمكن إنكار أزمة النص فلا وجود لمصالحة بين الادب والمسرح، لا وجود لكتاب يكتبون للمسرح، رغم أنني قمت بتجربة هامة مع حافظ محفوظ وعادل بوعلاق في اطار التشاركية بين النص المسرحي والغنائي والشعري وقدنا ثلاث اعمال «شهرزاد» و»سندريلا» و»جميلة والوحش» واعتبرها تجربة ناجحة في المسرح الغنائي الذي اثر في المدونة التونسية ايجابا واصبح هناك عدد من الاعمال في هذا الباب.
كما قمت بتجربة مع صلاح بن عياد واعتبر وجود كاتب مهم جدا للاطفال واخرها عمله «طفوليا»، على مستوى الكتابة رائع جدا،له طريقة مميزة في التقاط الكلمة.
• كيف تتعاملون في أعمالكم مع مخيلة الطفل؟ خاص في ظل التطور التقني؟
المسرح مفتوح، قابل للتجدد وليس ثابتا، علينا التعامل مع كل التقنيات الحديثة وتحويلها لصالح المسرح والفعل الإبداعي،اليوم نستفيد من تقنيات الفيديو والإضاءة والموسيقى حتى طريقة لعب الممثل يجب ان تكون صادقة لملامسة خيال الطفل على مستوى الألوان والحركة والإيقاع والتلفظ كل هذه الجزئيات يجب ان تكون واضحة لشد انتباه الطفل.
• من «البجعات» الى «سندريلا» الى «طريق السعادة» في اغلب اعمالكم يحضر البعد النقدي في اعمال توجّه للطفل؟ اهو اختيار بيداغوجي؟
بل هو احترام لكيان الطفل وعقله، اذ لا يجب التعامل مع الطفل انه ناقص بل هو شخصية لها القدرة على التحليل والفهم، الطفل لا نتعامل معه بالدونية لأننا لا نمتلك الجانب الفوقي والتلقيني نحن نتشارك مع الطفل طريقة طرح السؤال ليمتلك بعدها اليات الفهم والتحليل فللطفل قدراته الخاصة على التحليل وعلى ممارسي مسرح الطفل احترام هذه الملكة لان الطفل متفرج ذكيّ جدا ولا يتقن فنّ المجاملة.
بالاضافة الى النقد تحضر الفرجة؟ كيف تشبعون عقل الطفل في أعمالكم؟
السمعي البصري مهم جدا في مسرح الطفل، السمعي اعمل عليه في تركيبة العرض والحوارات السريعة القادرة على جذب الطفل وتتميز بالشعرية والإيقاع ليفهمها الطفل وتفهم ذائقته،و البصري يجب توفر القدرة على اختيار تناسق الألوان والإضاءة والسينوغرافيا وتحليل المواد مع لعب ممثل قادر على جذب الجمهور بانسيابية الحركة وقدرة على الإقناع والصدق في الأداء هو ما يوفر تعبيرة شاملة.
• يميل البعض الى استعمال تقنية «البلاي_باك» في أعمالهم الموجهة للطفل؟
المسرح لقاء مباشر بين الممثل والطفل المتلقي، تلك الطاقة المشتركة سرّ نجاح الفعل الابداعي لذلك اذا كان الحوار مسجل فهو عائق امام تطور المسرح لان المسرح مبني على المباشرتية واذا سجّل يفقد الفعل المسرحي خصوصيته، الاغاني ممكن تسجيلها لكن الحوار مستحيل، في النهاية هو اختيار الطريقة السهلة لتقديم العمل.
• سبق وان مارستم المسرح المدرسي واليوم تدرسون المسرح للطفل؟ ما اهمية هذا الفن؟
اعتقد أن المسرح المدرسي ضرورة قصوى في منظومة التعليم، دورنا الاساتذة التحسيس بالبعد الجمالي والفني للتلميذ، نحاول توعيتهم بحسّهم الفني والجمالي الموجود داخلهم، نعلّمهم الثقة بالنفس والقدرة على المواجهة، يتعلمون من الفن القدرة على التمييز والتمسك بثقافة السلم لا العنف وكيفية التواصل مع الآخرين، نحاول تطوير الموهبة أيضا وصقلها وهذا دورنا، حين يخرج الطفل بقدرة على فهم الابعاد الجمالية والفنية هذا أمر مهم جدا وضروري أكثر.
• ما هو تقييمكم لمسرح الطفل في المشهد المسرحي التونسي؟
مسرح الطفل يتطور بأشواط كبيرة مقارنة بالفترات السابقة، هناك من يجرّب ويضيف للمدوّنة المسرحية، هناك تنافس كبير، لكن مسرح الطفل لازال في مرتبة دونية خاصة في مستوى المواكبة والنقد.
حتى الأدب سابقا كانوا يخجلون من تدوين أسمائهم على أعمال المكتوبة للطفل، في تونس للأسف المخرج لا يصنع اسمه ونجوميته إلاّ إذا اشتغل في مسرح الكبار فمخرج مسرح الطفل عادة يجابه بكلمة «ما هو متاع اطفال» وكأنها مرتبة دونية اقلّ من مخرجي اعمال الكبار.
في المنظومة أيضا طريقة التعامل مسالة مسرح الطفل تأتي في مرتبة ثانية، في العشرة أعوام الأخيرة حاولنا التغيير واستطعنا وأصبح هناك أهمية لعدد من ممارسي هذه المهنة وهذا الفن، لكن الأمر يحتاج الى وعي أكثر واهتمام ومتابعة إعلامية لنستطيع تسليط الضوء على التجارب الابداعية ومدوّنة مسرح الطفل في تونس.
• هل توجد شراكات بين الوزارات المعنية بالعمل على الطفولة؟
يبدو انه مجرد كلام، لا وجود لاتفاقيات مفعّلة كل يعمل لوحده لا وجود لإستراتيجية موحدة يمكن أن تخدم الطفل في العروض والتوزيع مثلا يمكن اختيار موضوع سنوي يعمل عليه ممارسي مسرح الطفل وحينها ستكون العروض أكثر ويستمتع الطفل بمشاهدة عدد اكبر من الأعمال المسرحية لكن لا وجود لوعي بأهمية هذا الفن.
• أين يتموقع مسرح الطفل التونسي مقارنة بنظيره العربي؟
حسب مشاركاتي في الكويت والمغرب وسلطنة عمان، اجزم ان مسرح الطفل في تونس يتصدر المشهد العربي على مستوى كيفية صياغة العرض كتابة وتمثيلا ومدى فهمنا للعرض فكريا وجماليا، في الخليج هناك تجارب مهمة على مستوى الابهار لكنه غير موظف دراميا، الإبهار في جهة والنص والاداء في جهة اخرى، الإبهار بالنسبة لهم مرحلة مهمة لاستعاب مسرح الطفل، لكن التونسي يعتبر من أهم التجارب العربية ويضاهي بعض التجارب العالمية.
• لو توفرت الأموال يمكن ان يكون في موقع افضل؟
لو توفرت الإرادة، فالدولة غير مراهنة على من يعملون مسرح الطفل لا وجود لمراهنة حقيقية، مثلا لو أردنا المشاركة في مهرجان خارج تونس من الصعب الحصول على تذاكر السفر او عرض مدعوم عكس مسرح الكهول، ما ساهم في وضعية مزعجة للمسرح الطفل رغم أهميتها لكن كان بالإمكان انجاز الأفضل لو تتوفر الإرادة.
• كيف تقيمون تجارب المسرحيين مع المؤسسات المختصة في مسرح الطفل على غرار المركز الوطني لفن العرائس؟
اعتقد أن المركز مؤسسة هامة وأرضية جيدة قادرة ان تكون منارة للتجريب وللمّ الشمل واختيار الفنانين والاشتغال على الأعمال التي تتطلب امكانيات مادية كبيرة، ننتظر أعمال اكثر على مستوى الانتاج اعمال تتميز بالاضافة والاختيارات الجمالية والفكرية القادرة على تمثيل تونس في الخارج وعلى المؤسسة ان تنفتح اكثر على الممثلين وممارسي مسرح الطفل، مسؤولية المركز كبيرة امام ممارسي مهنة مسرح الطفل.
• ماهي انتظاراتكم من وزيرة الشؤون الثقافية بخصوص مسرح الطفل؟
على الوزيرة أن تنكب انكباب واعي على اصلاح المنظومة الخاصة بالمسرح، وعلى إدارة المسرح ان تحمل وعي كبير ولا بد من تغيير بعض الوسائل لتطوير المسرح التونسي فمن غير المعقول ممثل يقدم عرضه وينتظر ستة اشهر للخلاص.
هناك مسائل على الادارة والنقابات التباحث فيها لاخراج قوانين جديدة على مستوى خلاص الممثلين وخلاص العرض فالانتظار المشطّ والبيروقراطية المقيتة تدفع بالفنان الى الموت البطيء، يجب توفير استراتجية واضحة للتوزيع وكيفية التعامل مع الوزارات الاخرى للنهوض بالمسرح او ستكون النتيجة مزيد النفور من المسرح وعدم الرغبة في الممارسة المسرحية وهو امر مؤلم جدا.
• لكم كلمة الختام؟
على الوزارة ان تهتم بالمسرح عليها بالجدية في تناول المسائل العالقة وتحسين وضعية الفنان يكفي ان تتوفر الارادة الصادقة والحقيقية لتغيير وتجاوز المشاكل الموجودة،الاصلاح ليس صعب ويمكن انجازه قط لو توفرت رغبة التغيير لدى الوزيرة ونرجو ان تتوفر ارادة الاصلاح.
المسرحي حاتم مرعوب لـ«المغرب»: مسرح الطفل ضروري في المشهد المسرحي التونسي
- بقلم مفيدة خليل
- 10:30 06/01/2022
- 1262 عدد المشاهدات
• على الوزيرة أن تنكب على القيام باصلاحات حقيقية في مسرح الطفل