منبر: المشروع الثقافي الوطني هو أن يصبح العرضي أصليا والأصلي عرضيا

أوّلا يتطلّب هذا المشروع قولا بسيطا واضحا حاسما فعّالا وجريئا منذ البداية ومنذ تسلّم المسؤولية.

القول الافتراضي : « إمّا أن تتركوا لي المجال أنفذّ مشروعي ولن تكون نتائجه آنية بل هي على مدى أقلّ ما يقال فيها متوسط أو لكم الوزارة والمسؤولية».
أعرّف أوّلا معنى الأصلي والعرضي هنا و وفق رؤيتي للمشروع الثقافي الوطني : الأصلي هي المؤسسات الثقافية وما تؤدّيه من خدمة ثقافية تماما كالخدمات الصحية والتعليمية وكلّ الخدمات الضرورية .
العرضي : هي التظاهرات الثقافية والمهرجانات على أنّ هذا العرضي مهمّ هو الآخر إلا أنّ أهميّته تبقى دون أهميّة ما أسميته بالأصلي لذلك امّا أن نضمن فاعلية الإثنين أو أن نشتغل على الأصلي ونقلّص من حضور العرضي وعليه يكون المشروع الثقافي بهذا المعنى بثلاثة أبعاد يكون الاشتغال عليها في كليّتها وفي علاقتها الجدلية وهي:

ـ البعد الفكري الأدبي الفنّي

ـ متقبّل للخدمة الثقافية ونعني بذلك الناس أي الأجيال وطالبي الخدمة الثقافية

ـ أدوات عمل واشتغال لإيصال هذا الفكري والأدبي والفني للمتقبّل
فالاشتغال على المشروع الثقافي الوطني يكون بإعطاء الأولوية إلى الفكري الأدبي الفنّي التونسي ببعديْهِ المادّي واللامادّي أو لنقل المتجسّد والمكتوب والشفوي والمحكي المتداول فيكون الاشتغال على الفكر و الأدب التونسي والموسيقى التونسية والمعالم والآثار أي كلّ الفعل الثقافي كمقوّم أساسي من مقوّمات الشخصية التونسية ولنقل أيضا كثقافة محليّة في مواجهة العولمة ومحاولة الثقافات الأخرى اكتساح الثقافة المحلية والهيمنة عليها و مسخ الأصلي وتهجينه إلى أن يصبح هامشيا أمام الثقافة الغازية ، على أنّ ذلك لا ينفي ضرورة الانفتاح على هذه الثقافات والحضارات الأخرى كعامل إثراء وقبولٍ للاختلاف والتنوّع .

وهنا يكون السؤال حول المتقبّل وكيف يمكننا الوصول إليه وإشراكه في العملية الثقافية بوصفه الحلقة الأساسية لهذا المشروع كانسان في فرديّته وفي جَمْعهِ
مؤكّد أنّنا لا نستطيع الوصول إلى هذا المتقبّل من خلال ما أسميته بالعرضي لأنّ هذا العرضي وأعني بذلك التظاهرات الثقافية والمهرجانات حيث يكون الحضور خلالها ومواكبتها بشكل عابر من ناحية وذا طابع ترفيهي من ناحية أخرى وهو مهمّ كما ذكرت ولكنّه لا يبني وعيا حضاريّا وسلوكا ثقافيّا متأصّلا في تونسيّته وفي كينونته وإنسانيته ، لذلك لابدّ من التعويل على أدوات اشتغال ايجابية ومحقّقة لهذه الأهداف ولهذا المشروع. وهذه الأدوات وهي وبلا شكّ المؤسسات الثقافية(دور ثقافة ـ مكتبات عمومية ـ مراكز فنون ...) بكافة مكوّناتها من بنية تحتية وإطار عامل وتجهيزات فكان من المفترض ومباشرة بعد الثورة القيام بما يمكن أن نسمّيه الخارطة الجغرافية للمؤسّسات الثقافية وتحديد :

ـ وضعها المعماري

ـ كيفية اشتغالها

ـ درجة حضورها في محيطها

ـ طبيعة محيطها ( محيط هشّ ـ أقلّ هشاشة ...)

ـ إن كانت هناك معاضدة من المجتمع المدني أم أنّ كلّ الخدمات الثقافية موكولة لهذه المؤسّسة

ـ هل نسبة الكثافة السكانية يكفيها حضور مؤسسة ثقافية واحدة أم لابدّ من دعم ذلك بحلول أخرى ليست بالضرورة في بعث مؤسسة جديدة بل بإمكانات ممكنة ومتاحة كتوظيف فضاءات متواجدة بالجهة ثقافيّا .

كلّ ذلك كان لابدّ أن يدرس ويرصد بشكل احصائي عملي ميداني ثمّ يكون تحديد أولويات التدّخل وكيفية التدّخل .
ثمّ وبعد تفاقم ظاهرة الإرهاب كان لابدّ من القيام بهذا الإجراء ورصد النقاط الحاضنة للإرهاب وتحديد أسباب الاحتضان بشكل صحّي وسليم وليس مجرّد تخمينات وأراء وتحليلات .

المشروع الثقافي الوطني هو بناء قاعدة ثقافية أساسها الفرد التونسي والشخصيّة التونسية وموروثها الثقافي الحضاري بتعدّده وتنوّعه داخل مؤسسات ثقافية تخاطب العقول والوجدان وتبني وعيّا وتحصّنْ عقولا لأنّه ومهما كانت محدودية من يرتادون المؤسسات الثقافية ويمارسون أنشطة فنيّة وفكرية هم جسرُ عبور نحو الآخر فيشكّلون معه حوارا ومجال اهتمام خارج المؤسّسة وفي محيطهم ومجالات لقاءاتهم بينما لا يمكن للتظاهرات الثقافية والمهرجانات أن تؤدّي هذا الجانب من الخدمة الثقافيّة الدقيقة من حيث الدور والتحصين .

كما أنّ رسم المشروع الثقافي الوطني من خلال المؤسّسات الثقافية هو ضمانة لأيّ تداعيات لاحقة خاصّة وأنّ المجتمع المدني على أهميّته أيضا بل في الوضع الطبيعي وفي ظلّ نظام ديمقراطي له تقاليده ومؤسّس بشكل سليم ومحصّن يكون الفاعل الثقافي الأساسي هو المجتمع المدني والمؤسسات مجرّد هيكل داعم وإطار يشتغل في علاقة لوجستية مع المجتمع المدني غير أنّ المناخ العام في تونس وما تتّسم هبه هذه المرحلة الانتقالية لبناء مجتمع مدنّي ديمقراطي متأصّل وحرّ وقادر على تأمين هذا المسار لا يخوّل لنا التعويل عليه نتيجة توظيفه من القوى الليبرالية الكبرى والتي باتت تستخدم المنظمات غير الحكومية لتمرير مشاريعها وهيمنتها الثقافية والسياسة وتونس ليست في معزل عن العالم بل الأكثر عرضة إلى هذا الغزو الثقافي بحكم هشاشة المرحلة وبحكم انخراط عديد الجمعيات والمنظمات تحت إغراءات صناديق الدعم الدولية .

المشروع الثقافي الوطني هو أكبر من أن يختزل في مقال بل يتطلّب خبراء و ورشات عمل وما أورده هنا فقط هو الملامح العامّة والخطوط الكبرى لما أراه المشروع الثقافي التونسي .

جليلة عمامي

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115