وكأننا بتلفزاتنا شبيهة بأراض فلاحية لا تنبت الحرث إلا في موسم بعينيه أما في بقية الأشهر فإنها تسجل حضورها بالغياب.
من المعتاد أن تهرع هذه القنوات لإعادة بث القديم واجترار المُستهلَك لسد الفراغ لكن في صائفة 2021 كان الأمر مختلفا ! طبعا لم تسع تلفزاتنا إلى كسر جبل الجليد الذي يصيب شاشاتها بالبرود في كل صيف من خلال وضع برمجة رائقة أو عرض عمل درامي جديد خارج الموسم الرمضاني بل انخرطت في موجة التسويق لمنتوجات وبضاعة «على كل لون يا كريمة».
لقد تحوّلت جلّ التلفازات الخاصة دون استثناء إلى أسواق مفتوحة لبيع الأجهزة المنزلية والمواعين وآلات تسريح الشعر ومستحضرات التجميل... وكل ما يمكن أن يصل إليها من سلع سواء أكانت ذات جودة عالية حقا أم مجرد غش وتقليد .
في عرض ممل وسخيف لشتى البضائع، تكرّر القنوات التلفزية لساعات وساعات اسطوانة مشروخة من الكلام المعسول قصد الترغيب في الإقبال على شراء السلع التي ليس لها مثيل ! وكثيرا ما يشرف على عملية التسويق التلفزي للبضاعة المعروضة «مقدّمون ومقدّمات» بعضهم من الوجوه المعروفة والناجحة في تقديم البرامج قبل الدخول في مجال البيع التلفزيوني، فتحولوا بدورهم إلى مجرد شريط لمدح ما تكدّس أمامهم من منتوجات طالما أن الغاية تبرر الوسيلة !
في الوقت الذي عدّلت فيه القنوات الخاصة بوصلتها على سوق البيع والشراء، كانت الفرصة سانحة أمام مؤسسة التلفزة التونسية بقانتيها الأولى والثانية في استعادة جمهورها وملء فراغ الساحة والشاشة من خلال هندسة برمجة راقية وهادفة ومواكبة لكل معطيات الراهن وحراك المشهد لكن بدورها اكتفت في المجمل بمهارتها المشهود لها في إعادة بث المسلسلات المرة تلو المرة وفي كل موسم وفصل !
أمام الرّجة التي يشهدها المشهد السياسي والغليان الذي يعرفه الشارع الاقتصادي والاجتماعي، انصرفت القنوات الخاصة إلى بيع «الطناجر» وتسويق منتوج «خلّ الهندي» ... وقد ضربت عرض الحائط بواجبها تجاه وطنها وبحاجة جمهورها إلى برمجة تحترم عقله وتستجيب إلى تطلعاته من إعلام حر ومسؤول.
لئن كان الإشهار هو شرط استمرار كافة المؤسسات الإعلامية على حد سواء، فإنّه مضبوط بشروط وقوانين تشرف على تطبيقها الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري «الهايكا» ولكن يبدو أن الهايكا بدورها قد خلدت إلى الراحة ولا تزال بدورها في عطلة صيفية مطولة!