مسرحية «ليلة معومة» لجمال المداني ضمن مهرجان «باردو فاست»: المسرحي قتلته «الكورونا» وخنقته سياسات الدعم ...

«عاش يتمنى في عنبة مات جابولو عنقود، ما يسعد فنان الغلبة الا من تحت اللحود» هي الاغنية التي تصدح منذ بداية العرض المسرحي، الاغنية

التي تبرز معاناة الفنان في حياته والتكريمات الكثيرة التي ينالها بعد موته، من هذه الاغنية انطلقت مسرحية «ليلة معومة» اخراج جمال المداني والتي عرضت مساء الاحد 15اوت ضمن فعاليات مهرجان «باردوفاست».
«ليلة معومة» نص محسن بن نفيسة ودراماتورجيا واخراج جمال المداني وتمثيل لبنى نعمان واكرام عزوز ومحمد علي المداني اضاءة يزيد بلهادي و صوت محمد صالح المداني ملابس جليلة مداني ادارة انتاج لمياء المليتي وتنقل المسرحية معاناة الفنان التونسي زمن الكورونا.
بين الشخص والشخصية خوف ومحاولة للنبش في الوجع المشترك

المسرح محاولة لمعالجة جراح الروح وهو عملية تصعيد للوجع وتنفيس عما يكتم الانفاس، في «ليلة معومة» يرحل جمال المداني بعيدا الى أغوار الممثل المسرحي ينصت الى وجعه ومخاوفه يكتب أحلامه ويحولها إلى عمل مسرحي، فوحده الفنان يشعر بوجع أبناء مهنته ويعرف أحلامهم المؤجلة، تلك الأحلام التي تصنع شخصية الفنان ويعايشها حدّ أن تصبح حقيقته المطلقة.

«ليلة معومة» مسرحية داخل المسرحية، شخصيات تخرج من ثنايا الشخصية، بين عوالم شكسبير وعوالم محسن بن نفيسة تشابه وتطابق، في المسرحية البطل صاحب فرقة مسرحية مخرج حالم له آماله الفنية يسعى لترك اثر مسرحي حقيقي غير مشوّه، تجبره الكورونا على البقاء لوحده في مسرحه الآيل للسقوط، يهرب من شبح الفقر والحجر إلى شخصياته ومسرحه، يريد أن يبعث الحياة في أحد نصوص شكسبير ويعايش شخصياته، تلحق به زوجته لتبحث عنه ويتشاركان في فيض الذكريات ووجع اليومي وينتقلان من واقع «نور الدين» (اكرام عزوز) و»أحلام» (لبنى نعمان) إلى «ديدمونة» وياغو» وبين الشخص والشخص ينقلان على الركح ازمة الفنان المسرحي ومعاناته منذ انطلاق أزمة الكورونا.
«ليلة معوّمة» هو اسم المسرحية وهي الدارجة التونسية وتعني الليلة الممطرة، في المسرحية يصبح المطر هو الذكريات والاحلام وفيض من مشاعر الخوف والانتظار التي تسكن المسرحيين، في مسرحيته يفتح جمال المداني ابواب القلب ليعرف المتفرج ما يخفي الممثل حين يصعد على الركح من وجع والم، ذاك الممثل الذي ينتقل بسلاسة من شخصية الى أخرى ويضحك جمهوره في كثير من الاحيان يعجز بعد العرض عن توفير ثمن «تاكسي» للعودة الى بيته وينتظر لساعات قدوم الحافلة العمومية مكتظة فتزيده انهاكا، المسرحي الذي يجبر على السفر لساعات طويلة بعد العرض مباشرة حين يقدم عرضه في أحد المهرجانات البعيدة لعدم قدرة المنتج او المنظم على توفير اقامة للممثلين فيقدم عرضه ويغادر محملا بالكثير من التعب والسهر.

معاناة المسرحي على الركح
المسرحي منذ ازمة الكورونا احيل الى البطالة القسرية ولازال ينتظر عودة العروض وخلاص العروض السابقة، المسرحي يعايش شبح الجوع والموت يوميا ينتظر منحة هزيلة لا تشجع على الإبداع، المسرحي بين الواقع والمسرحية وبين الشخص والشخصية تشابه في المعاناة ومحاولة لنقل الحقيقة المؤلمة التي لا يعرفها المتفرج.
على الركح يجسد اكرام عزوز شخصية «نور الدين» المخرج الحالم الباحث عن النجاح والعاجز عن توفير ابسط ضروريات الحياة بسبب بطالة المسرحيين، يكتب نصوصه وشخصياته ويبعث فيها الحياة على الخشبة، يحادثها ويراقصها ليهرب من واقعه، على الركح ايضا يكشف ازمة اخرى للمسرح التونسي وهي ظهور «الوان مان شو» او فنّ التهريج الممثل الواحد الذي يصعد على الركح ليقدم نكتا ومواقف تهريجية دون رسالة، كذلك ظهور «الانستغراموز» وممارستهم للمسرح، لهم جمهورهم الكثير مقارنة بالمسرحي العامل على مشروع حقيقي بالاضافة الى ظاهرة «الكرونيكور» وبين كل هذه الاسباب يتيه المسرحي ويشعر انّ ابواب الامل اغلقت فيلجئ الى نصوصه وشخصياته.
«ليلة» معومة مسرحية ناقدة يستعمل فيها المخرج كل المقومات الفنية لتقديم عمله النقدي المغلف بالسخرية، تناسق بين الممثلين، خبرة اكرام عزوز وجرأة لبنى نعمان وتلقائية محمد علي المداني مع قدرة مميزة من يزيد بلهادي على توزيع الإضاءة في العرض فالضوء يكاد يكون شخصية رابعة من خلاله يطلع الجمهور على خبايا الشخصية وماتخفيه داخلها، فالضوء يكون أصفر قاتما وأحيانا احمر قان مع حصره في أقصى الركح حين يقع الحديث عن وضع المسرحي زمن الكورونا، لتتدرج الاضاءة وتكون اشمل وتشع كامل الركح وتضيء وقت الرحيل الى عوالم شكسبير.
«ليلة معومة» مسرحية تعرّي واقع الفنان في تونس، تكشف عن اسباب تعب المسرح التونسي وتشرح كل الظواهر والعوامل المؤدية الى تراجع النفس الابداعي في كثير من الاعمال، هي عملية تشريحية للمسرح والمسرحيين ودعوة لهم ليتحدوا بدل الفرقة وليعملوا على مشاريعهم الحقيقية حتى يفتكوا فرص النجاح فالمسرحي تسكنه طاقة عجيبة للمقاومة.

العرض تحية إلى روح المسرحي

«مكرم نصيب»

قبل انطلاق العرض صعد المخرج جمال المداني الى الركح ليلقى كلمة ويؤكد ان العرض مهدى الى روح الممثل المسرحي مكرم نصيب الذي خطفه الفيروس منذ ايام قليلة وأشار إلى ان الراحل كان صوت المسرحيين ومدافعا شرسا عن حقوقهم لدرجة ان اصبحت الادارة صديقته ايضا محيلا الكلمة الى نصاف بن حفصية مديرة ايام قرطاج المسرحية وفي كلمتها التابينية قالت بن حفصية «كمنم الصعب ان تتحدث عن شخص بصيغة الماضي وانت لم تستوعب رحيله، مكرم نصيب كان مثالا للشباب المتقد حماسا هو شعلة من العطاء ترافقه ضحكته وانسانيته، يدافع عن الفنانين ويوصل اصوااتهم ويحاول بشدة ان يفتكّ لهم حقوقهم، مكرم الاخ والصديق حلمنا معا في ايام قرطاج المسرحية وسعينا لانجازها لولا الفيروس، الى روحه اقول سنكمل المشوار، سننجز الحلم رغم صعوبته، من الصعب ان ارى اضواء المسرح تشتعل في وقت انطفاء شمعة حياة مكرم نصيب لكنها الحياة، ستعود الحياة وسيعود المسرح وتعود العروض وباردو فاست خير دليل، الى مكرم شبابنا اليوم سارع الى التلقيح وتونس ستنهض من جديد وسنكون بخير، سنواصل الفن والحلم، ارقد بسلام ايها الصديق الفنان»

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115