عرض «الشارع يرقص» لياسر مادي ضمن مهرجان باردو فاست: أرقصي أيتها الأجساد واكتبي تاريخك وانتصري لإنسانيتك

تحرري أيتها الأجساد، انتفضي على كل العوائق وارقصي واكتبي ملحمتك الدائمة، تحرري ايتها الأصوات الصارخة واكتبي لمتابعي لغتك قصة

التحرر من ربقة العيب و الخوف، كوني أيتها الاجساد صوت الحالمين والصادقين، اكتبي مخاوفهم بوقع الأقدام على الارض، زلزلي مكامن التردد واصنعي عالمك المزهر كما كنت دوما، ارقصي للحياة، ارقصي للحرية وللانسان.
فالرقص حرية وسبيل للتحرر من الخوف والقيد عبر الازمان وبالرقص يتبع الكوريغراف ياسر مادي طريق تحرر الاجساد من الخوف والانهاك المجتمعي ويحاول ان يصنع عالمه الكوريغرافي الخاص في عرض فرجوي راقص سماه «الشارع يرقص» قدم ضمن فعاليات تظاهرة «باردو فاست» مساء الاحد 8اوت في دار المسرحي، والعرض من أداء سهيل بن عبد الجليل و ياسر مادي وسليم مبروك ومروان بن خليفة ولطفي بن سليمان وأيمن بن عابد وأسامة شوشان وحاتم دعباك وبدر الجندوبي وعبد العزيز التواتي وسينوغرافيا لابراهيم الشيحي واضاءة محمد علي كشطان.
«الشارع يرقص» وفي رقصه حرية، الشارع يرقص ليتحرر من العبودية وينسى ساعات العمل المرهقة والطويلة، صوت الايقاعات يرتفع تدريجيا ليؤكد ان هوية العمل تونسية، اجساد الراقصين مستلقية على الركح وكلما زاد ضرب البندير تتحرك تدريجيا لتقف وتبدئ الرقص، يتوسط الركح باب يؤكد ان فكرة العمل تدور في رحاب المدينة العتيقة وابوابها الكثيرة تحديدا اين يجتمع العملة للتسامر بعد يوم تعب طويل.
سبعة اجساد تلبس سراويل تميل الى اللون البنيّ هو التراب والارض وما تحمله من رمزية العمل والكدح فالعملة الذين يتوافدون الى العاصمة كانوا يعملون في كل المهن الشاقة اليدوية كما تقول حركات سواعد الراقصين.
الشارع يرقص مزج بين انماط فنية مختلفة، هو عملية بحث في تاريخ الرقص وتجميع اكثر من حركة ورقصة على الايقاعات التقليدية التونسية، تجيد في تقديم الموروث التونسي ليقنع المهتمّ بلغة الجسد ايّا كانت جنسيته الثقافية، في الشارع يرقص ترقص الاجساد رقصات الهيبهوب وتقدم رقصات البريك دانس الجماعية والفردية على صوت المزود والدربوكة واغان تونسية الروح والهوية، في العرض يبدع الراقصين في الانتقال من لوحة الى اخرى محملين بطاقة من الحب لفعل الرقص وممارسة طقوسه فتكون الخطوات ثابتة والوجوه مبتسمة وكانهم في حضرة صلاتهم المقدسة.
الشارع يرقص عرض تونسي بروح عالمية، عرض ينفتح على الرقصات الغربية و العصرية انطلاقا من الخطوة التونسية «الحجالي» و»الفزاني» و»البونوارة» وموسيقى المزود والايقاعات الريفية التي تتماهى مع حركات العصر ومتطلباته الفنية الجديدة، فقط الاجساد تحاول اتباع اصوات التحرر وتكتبها على الركح، تحرر الامس من العبودية وتحرر اليوم من تاثيرات العولمة على الهويات الموسيقية التقليدية، في عرضه ينتصر ياسر مادي للايقاعات التونسية وينفتح على الاخر، يكتب بطريقته الخاصة لغة جديدة للرقص اذ قام ياسر مادي بتطوير فن البوب ليس فقط كممثل ولكن أيضا كمدرس، من خلال الجمع بين العروض المسرحية والراقصة والموسيقية، صنع سيرة فنان متعدد التخصصات ومتنوع المواهب وانتصر للرقص وللاجساد الحالمة المتمرّدة.
المزود صوت المهمشين
تسكت الايقاعات ويترك البندير الطريق لشقيقه الروحي المزود ليكون هو صوت الوجع الساكن في الأجساد، فالمزود كان نصير الحالمين، هو نصيرهم للترفيه ووسيلتهم للتعبير، المزود الالة بصوتها الموغل في الوجع والمزود الفن الموغل في الالتزام بقصص العمال والكادحين، ذاك الفن المنحاز للمهمشين هو صوتهم وصوت اوجاعهم، فبالعودة الى تاريخ الموسيقى التونسية يجمع المهتمون بهذا الفن انّ ظهوره تزامن مع مجيء العملة من الارياف الى المدينة، جاؤوا بموسيقاهم ورقصاتهم وسهرات السمر بعد ساعات العمل الطويلة حدّ ان المزود كان مرفوضا من العائلات في المدينة وكانت سهرات «الربوخ» التي ينجزها العملة محصورة في البطاحي او امكنة سكنهم البعيدة عن سكان الاعيان وابناء الحاضرة.
يرتفع صوت المزود تتسارع معه الحركات والرقصات، اجساد سلسلة تتماهى خطواتها وكانهم جميعا يعبرون في اللحظة ذاتها عن حرية اجسادهم وصراخهم ضدّ كل اشكال التمييز، اجساد الراقصين تحمل متابعي العرض الى رحلة في الذاكرة الجماعية لهذا الفن، محاولة للنبش في تاريخ المزود وتقديم لخطوات وحركات الهيبهوب الغربية كمحاولة للمزج بين العصري والتقليدي في العرض.
تتواصل المتعة الفرجوية ويواصل الراقصون الغوص في اغوار الذاكرة التونسية يبحثون عن مسار تحرر الاجساد من العبودية والانهاك، يبحثون عن ذات حالمة التجأت الى فن المزود لتعبر عن انسانيتها وتكتب ملاحمها الفنية، يبحثون داخل كل متفرج ومتابع عن مددى تعلقه بالجسد ولغته، ينصتون الى الالام المكتوبة والاهات المخفية وقصص العشق التي اجهضت والافكار التي لم تولد، مسار انساني كتبته أجساد الراقصين بعد بحث في الذاكرة الشفاهية والمكتوبة لفن المزود وجلسات الربوخ التي يصنع منها الفلاحة والكادحين والعمّال والبحارة مواسم للفرح.
«الشارع يرقص» هو عبارة علي ملحمة فنية متكونة من عشرة لوحات في اقتفاء لمعاني الوجودية ومظاهر العبودية فكثيرا ما كان الشارع يردد صوت الإنسان الكادح .وفي أواخر القرن التاسع عشر نشأ «الربوخ» بما هو رقصة شعبية بفضل تعبيرات عفوية كان يؤديها العمال الكادحون في الموانئ والحانات والأحياء الشعبية على غرار باب سويقة وباب جديد وباب الفلّة وهو الباب الموضوع وسط الركح وحركات الاجساد في اللوحات المختلفة تنتقل بالمتفرج من مكان الى اخر، في الشارع يجتمعون في دوائر وفي الحانة يتبادلون الكؤوس وفي الميناء تكون حركة الساعد تتماهى مع عملية رفع الصناديق فبالاجساد يتجولون بين الامكنة و المفاهيم تاركين للجسد حريته ليعبر هو عن الذاكرة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115