الفنان التشكيلي الطيب زيود لـ«المغرب»: إن غياب المثقف عن المشهد العام أمر صادم ولكن ...

من مدينة مليتة الجميلة في جزيرة جربة ينحدر الفنان التشكيلي الطيب زيود. فكان لسحر شروقها وغروبها ولصفاء بحرها وسمائها تأثير كبير

في نحت شخصية الفنان وغمر حواسه بمصادر إلهام من الطبيعة والتراث والمعمار. ولقد وجد الطيب زيود في فن الفسيفساء خامة ومادة وألوانا لإبداع لوحاته...

• حدثنا عن الفنان التشكيلي الطيب زيود ،السيرة والمسيرة؟
أنا فنان يستهويني الفن وأهوى الإبحار في عوالمه الفاتنة بمنتهى الشغف والعشق. أشتغل مكون في اختصاص المجوهرات بالوكالة التونسية للتكوين المهني منذ سنة 1986 ، عملت لمدة طويلة بمركز التكوين في الحرف الفنية بمدينة الجم من ولاية المهدية حيث تلقيت العديد من التدريبات مع الفنانين التشكيليين البلجيكيين واليابانيين، ثم انتقلت للعمل بمركز التكوين بحومة السوق جربة.
وقد أسست مهرجان « حرفي فنان «الذي تم بعثه للنهوض بالملكات الابداعية لدى الحرفيين وتجديد أساليب الابتكار في حرفهم عن طريق الاطلاع على تجارب الفنانين التشكيليين والتعامل المباشر معهم. هذه التظاهرة الفنية كانت بداياتها في جربة حيث جمعت الحرفيين بالفنانين التشكيليين من خلال ورشات و معارض وندوات مع حضور لفنون الشعر و الموسيقى حيث كانت تدوم خمسة أيام بلياليها.
وبكل أسف لم يتم تنظيم المهرجان في السنتين الأخيرين بسبب جائحة كورونا.

• هل تعتبر نفسك من رواد فن الفسيفساء في تونس ... ولماذا يستهويك هذا الشكل غير المتاح للجميع؟
لأنني أعشق الإبداع بمختلف أنواعه وجدت في الحجارة وسيلة للتعبير عن ما بداخلي كما رأيت فيها الألوان والمواد التي تجذبني أكثر من غيرها من المعادن الأخرى لذلك إخترت الفسيفساء باعتبارها فنا وحرفية وابتكارا وليست صنعة بسيطة مثلما يرى البعض.
إن المصمم في حرفة الفسيفساء هو من يجمع بين ابتكار الحرفي وإبداع الفنان مما يجعلهما في النهاية ينجزان عملا يقنع المتلقي.
وقد اتبعت الى حد الآن أربعة مراحل في أعمالي الفنية قصد تطويرها والخروج بها من التقليد إلى الابتكار حيث كانت البداية بتقليد المواضيع الرومانية والتاريخية ثم نسخ أعمال للحياة العامة ثم تصميم أعمال مستوحاة من النسيج واللباس التقليدي وأخيرا وليس آخرا انتقلت إلى العمل على تصميم لوحات فيها حضور للمجاز حيث تعبر كل لوحة على قضية من القضايا التي يعيشها الشعب والتي لقيت اهتمام كبير من المتلقين .
بدايتي مع الابتكار كانت في تصميم لوحة «البسكري» وهي لوحة فنية مستوحاة من اللباس التقليدي الذي ترتديه وتتجلى به العروس في جزيرة جربة وهو رداء له قيمة كبرى لدى اهالي الجزيرة وسكانها . كما أن اختياري للموضوع كان لشدة تعلقي بالموروث الثقافي التونسي وبالاخص الموروث الجربي.
بعد الانتهاء من إنجاز لوحة البسكري ونجاح العمل وخاصة بعد الإقبال الكثيف من عديد السياح الاجانب والتونسيين على شرائها. وقد تأكدت حينها أن العمل الفني لابد أن ينبثق من فكرة أو يقدم معلومة...
مع العلم ان اختيار عنوان العمل يساهم كثيرا في قراءته وحتى رواجه.

• آخر معارضك كانت بعنوان «مجاز وذاكرة» ... فهل من معارض قادمة في الأفق وماهي محاور اهتمامك في الرسم؟
لقد شاركت في عدة معارض فردية وجماعية من بينها معرض جماعي بالمركز المتوسطي بحومة السوق جربة بمناسبة مهرجان حرفي فنان سنة 2005 .
كما قمت بعرض أعمالي في ثلاث دورات متتالية بمناسبة مهرجان المدينة بمنطقة الرياض بجزيرة جربة.
كما شاركت في معرض جماعي تحت عنوان» قتامة الكورونا وإضاءة الفن» بقاعة علي القرماسي بتونس العاصمة سنة 2020.
وقد قدمت معرضي الفردي تحت عنوان « مجاز وذاكرة » بدار الثقافة ابن رشيق بتونس العاصمة سنة 2021 .
وشاركت معرض خاص بفضاء سيدي عبد القادر بمناسبة ملتقى «إضاءات اللوتس» بجزيرة جربة تحت إشراف وزارة الثقافة سنة 2021 . ولا شك أن معارض أخرى قادمة في الأفق بعد انحسار الأزمة وعودة الفن والحياة.

• إلى أى مدى أضرت الكورونا بقطاع الفن التشكيلي وفنانيه ؟
الفنان التشكيلي أصيب بإحباط وخيبة أمل من جراء جائحة الكورونا سيما وأن المجتمع يصنف الثقافة من الكماليات كما ان الدولة لم تعطي للقطاع الأهمية الكافية ولم تبحث عن توفير سوق لبيع اللوحات الفنية بالبلاد وبالخارج.
لاشك أن عديد الفنانين التشكيليين يعانون أوضاعا اجتماعية ومالية صعبة جراء ايقاف وإلغاء الأنشطة الثقافية والفنية وغلق قاعات العروض بسبب إجراءات الحد من انتشار الفيروس.
مع العلم ان مجموعة كبيرة من الفنانين التشكيليين في تونس موردها الأساسي هو بيع اللوحات .

• كيف تقرأ واقع الفنون والثقافة اليوم؟ولماذا يغيب المثقفون عن المشهد العام ويمتنعون عن الإدلاء برأيهم في وضع سياسي واقتصادي واجتماعي محتقن؟
الثقافة هي مجموعة العادات والتقاليد والقيم للمجتمع وهي مجموعة المعرفة المكتسبة بمرور الوقت ، الثقافة وسيلة لفهم الواقع والآخر والذات ولتركيز هوية متجددة ومنفتحة ضد الانغلاق .
وتقدم الفنون التشكيلية خدمة كبيرة للشعوب لما تحتويه من أفكار وألوان جميلة تنشر المحبة بين الناس وفي نفس الوقت هي سلاح لمحاربة الجهل والفقر وتساهم في تهذيب الذوق .
لكن رغم كل ما تعلمناه في المدارس عن الثقافة ، فإن المواطن البسيط سيقول لك إن الثقافة « شطيح ورديح «! للأسف هذا ما ترسخ في الأذهان رغم أن الرقص فن وابداع اصبحت له مدارس كبرى في تونس وفي العالم .
يشكل غياب المثقف عن المشهد العام اليوم أمرا صادما لكنه غياب طبيعي حين تكون الأزمة سياسية بحتة وتكون أسبابها خارجة عن المصلحة العامة، وأطرافها يتمسكون بهذه المصلحة للمزايدة فقط، وتكون مآلات هذه الأزمة لا تخرج عن احتمالات الضرر وجر الواقع والقادم معه نحو أسوأ ما في الماضي.
وبكل أسف لم يعي الشعب أن المثقف هو القادر على توجيه واقناع الناس كما انه قادر ايضا على الإبداع، بمعنى أنه قادر على تغيير تصور الناس لواقعهم وتغيير المفاهيم والذهنيات وتحرير الفكر من المعوقات التى تُقيده.

• هل من مقترحات للنهوض بالفن التشكيلي في تونس؟
قد يكون من المفيد بث ومضات اشهارية لمعارض الفنون التشكيلية وحث المواطنين على زيارة اروقة العروض وخاصة يوم الافتتاح.
ومن المهم أيضا بعث وحدة بوزارة الشؤون الثقافية تهتم بالفكر في الفنون التشكيلية وخاصة قراءة ونقد الأعمال الفنية الهامة .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115