في العرض ما قبل الأول لمسرحية «كابوس اينشتاين» لأنور الشعافي: تجريب على إيقاع العولمة وعزف على قيثارة التجديد

في اندفاع وراء روح المغامرة ورغبة التجاوز، لا يكرّر المخرج أنور الشعافي مرجعياته أو تقنياته أو مضامينه...

إذ يصيبه هوس التجديد والتجريب بمجرد أن يسكنه طيف مسرحية جديدة. ولم تشذ آخر مسرحياته «كابوس اينشتاين» عن هذه القاعدة في قطع مع أبجديات المسرح الأرسطي والاستعانة بجماليات الدراما الجديدة.
في برمجة مهرجان قرطاج الدولي لصائفة 2021، تمت برمجة عرض «كابوس اينشتاين» في شهر جويلية الجاري إلا أنّ الوضع الصحي فرض تأجيل المهرجان إلى شهر أوت المقبل على أمل أن تعود الحياة إلى طبيعتها وتنتصر الثقافة على شبح الموت والعدم.
كابوس الزمن لعنة تصيب اينشتاين
أمام ركح مسرحية «كابوس اينشتاين» على المشاهد أن يتجرد من قوالب الفن الرابع المعتادة وقواعده المألوفة وأن يقبل بالدخول في مغامرة شيّقة من الفرجة «الجديدة» والاكتشافات الجمالية المبهرة.
في مزج طريف وذكي- قد لا يمتلك مفاتيحه إلا المخرج الشعافي - كان اللقاء الفريد من نوعه بين عصر الجاهلية وزمن الحداثة، بين ثقافة القبيلة وثقافة الفيس بوك ، بين العالم ألبرت اينشتاين والممثلة مارلين مونرو ... والجميل أن هذا الالتقاء على ركح واحد بين ثنائيات من المتناقضات أو حتى المستحيلات لم ينتج عنه نشازا أو نفورا بل أثمر إيقاعا محدثا وعزفا رائقا على قيثارة التجديد.
لم يكن اختلاط الأزمنة المتباعدة والشخصيات المتنافرة بالأمر الهيّن أو المقبول منطقيا لولا أنه حدث في عقل اينشناين العبقري وهو يختبر صنع آلة الزمن. ولم يكن من الممكن الجمع على خشبة واحدة بين فترة الجاهلية وخيامها وعصر الحداثة وعلومها لولا قدرة المخرج أنور الشعافي على تركيب القطع المتناثرة والمتباعدة زمنيا وإعادة تشكيل العلاقات بينها، وهو يختبر جماليات مسرحية مبتكرة.
بفضل عبقرية عقله، اخترع اينشتاين الآلة العجيبة التي مكنته من السفر عبر الزمن لكنه أخطأ التقدير فإذا به يعود إلى الوراء في اختراق لآلاف السنين، ليجد نفسه تائها في عهد الجاهلية حيث لا البيئة تشبهه ولا اللباس لباسه ولا اللغة لغته... وحدها نجمة الإغراء مارلين مونرو كانت هي همزة الوصل الوحيدة بين العالم العبقري وعصره.
بعد مد وزجر وفوضى أحداث من حوله ولخبطة في عقله، استفاق اينشتاين على أن كل ما حدث ليس سوى حلم تحوّل إلى كابوس !
نص طريف يسترجع ألق لغة الضاد
في استرجاع لأناقة لغة الضاد ورشاقتها، نطق نص مسرحية «كابوس اينشتاين» بالعربية الفصحى بمنتهى الظرافة واللطافة. فإذا بنا أمام لغة حية ونابضة وقادرة على استيعاب كل الأزمنة والحضارات. ولأنّ العربية هي لغة المجازات والاستعارات، فقد منحت «كابوس اينشتاين» أجنحة للتحليق ومدارات للتخييل مفتوحة على أكثر من قراءة وتأويل.
لا يحتكر الفنان أنور الشعافي سلطة الإخراج وصلاحية التأليف في مسرحه بل ينفتح على محيطه العربي والعالمي في اقتناص للنصوص الجيّدة والكتابات المسرحية المختلفة. وفي هذه المرّة وجد في المسرحية المنشورة للمبدع كمال العيادي (الكينغ) بعنوان «كابوس اينشتاين» غايته المنشودة. لقد كتب «الكينغ» هذا النص المسرحي بخيال مجنّح وجموح خلاّق، وحبّر فصوله ومشاهده ونهايته بكثير من المتانة والشاعرية.
استنادا على هذا النص الطريف والجميل، أطلق المخرج أنور الشعافي بدوره العنان لخياله في إعادة كتابة المسرحية ركحيا واقتراح رؤية جمالية غير معتادة في المسرح التونسي. وفي تمرد على مقومات المسرح «الأرسطي» ، امتلك مخرج «كابوس اينشتاين» جرأة توظيف تقنيات إخراجية غير معهودة قد يرفضها المشاهد للوهلة الأولى لكنه سرعان ما يقع أسيرا لطرافتها واختلافها...
ممثلون مقنعون... مبدعون
لم يأت تميز مسرحية «كابوس اينشتاين» من فراغ بل هو ثمرة تضافر وتناغم بين النص والإخراج، الإضاءة والموسيقى، الأزياء والخطاب... ودون استثناء أبدع كل الممثلين على حد سواء في تقمص شخصياتهم ولعب أدوارهم. وقد أجادوا توظيف مهارات صوتية وبصرية تتراوح بين أبجديات المسرح وتقنيات السينما وكوريغرافيا الرقص وألعاب الرياضة في «كولاج» مسرحي مثير. ولا شك أن تعامل المخرج مع شخصيات متعددة على خشبة واحدة هو في حد ذاته تحدّ ومغامرة .
في «كابوس اينشتاين» ، لم تغب روح السخرية والكوميديا السوداء عن الركح إذ يضحكننا الممثلون في مواطن عديدة دون ابتذال أو استخفاف بل بأسلوب الهزل الجاد والنقد الساخر. ولئن كان هذا العمل المسرحي مفتوحا على قراءات متعددة في تواطؤ مع عقل كل مشاهد على حدة، فإنه في المقابل سخر من عصر العولمة وهوس شبكات التواصل الاجتماعي وعلاقاتها الافتراضية... كما كشف وقع الكارثة عندما تتحوّل العبقرية إلى لعنة على الإنسانية.
الجذاذة الفنية لمسرحية «كابوس اينشتاين»
• إخراج: أنور الشعافي.
• نص: كمال عيادي الكينغ.
• إنتاج: مسرح الأوبرا- تونس.
• أداء : بشير الغرياني - علي بن سعيد - ياسين الفطناسي - المنصف العجنقي - لطفي الناجح - آمال لعويني - كمال زهيو- آدم الجبالي- أسامة الشيخاوي
• مساعدة إخراج و كوريغرافيا : ثريا بوغانمي
• إضاءة : صبري العتروس
• ملابس: آمال الصغير

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115