من «الإصلاحية» إلى أيام قرطاج الكوريغرافية: أطفال جانحون لكنهم راقصون مبدعون في «بحث» لأشرف حمودة

وراء القضبان والبوابات الحديدية، كثيرا ما تكون المواهب المغمورة والطاقات المكبوتة والأصوات المكتومة في حاجة إلى الظهور والتعبير والبوح.

في هذا السياق، اقتحم الكوريغرافي أشرف حمودة عزلة الأحداث في مركز إصلاح الأطفال الجانحين بسوق الجديد من ولاية سيدي بوزيد وجعل من بعضهم أبطالا وفنانين في عرضه الراقص «بحث».
وقد أسسّ الفنان أشرف حمودة جمعية وقتنا للتنمية الثقافية بالمكناسي. وهو صاحب العديد من الإنتاجات الفنية على غرار « جذور» و»الأرض الشايحة»...إلىجانب عديد المشاریع المدعومة مثل «مخبر الفن» و»موفمة».... له مشاركات متنوعة في المهرجانات الوطنية والدولية.
تدريب 32 طفلا جانحا على فنون الرقص
لم تعد السجون ومراكز الإصلاح عوالم معزولة عنا، كما لم يعد النزلاء فيها يعانون الوحدة والغربة...فبفضل الفن أصبحت الحياة تزور هذه الوحدات السجنية التي صارت بدورها شريكة في إنتاج الفنون واكتشاف الفنانين..
وبعد أن تعرّف جمهور المسرح والسينما والموسيقى والرسم على أعمال فنية بإمضاء عدد من السجينات والسجناء، يقترح الفنان أشرف حمودة من خلال عرضه « بحث» التعرف على أطفال جانحين يجيدون الرقص والتعبير بلغة الجسد.
ما بين تدريب وتمرين، أمضى الكوريغرافي أشرف حمودة خمسة أشهر في مركز إصلاح الأطفال الجانحين بسوق الجديد من ولاية سيدي بوزيد، مفتشا عن بذور موهبة دفينة فيهم ومنقبا عن بوادر إبداع كامنة في نفوسهم أو ممارسة سابقة للألعاب الرياضية ليخرج منهم أفضل ما فيهم من فن ومرونة جسد وقدرة على الأداء.
وقد انتهى مشروع «بحث» بتدريب 32 طفلا جانحا على فنون التعبير الجسدي والرقص الحرّ والرقص المعاصر ليتم اختيار4 منهم للمشاركة في تجسيد عرض «بحث» الذي ضمّ 11 راقصا.
في عرض «بحث» كانت غاية أشرف حمودة البحث في واقع الأطفال الجانحين ويومياتهم في مراكز الإصلاح من أجل مساعدتهم على تخطي الأزمة التي يمرّون بها والتطلع إلى مستقبلهم بعيون الأمل.
كرامة الأجساد فوق كل اعتبار
على ركح قاتم الإضاءة والألوان كغرف السجون المظلمة، رسم الراقصون لوحات كوريغرافية متنوعة ترجموا فيها عن شعورهم بالضيق والكرامة المسلوبة ... كما رقصوا من أجل هدم الحواجز وكسر المكبلات التي تقف بينهم وبين حريتهم.
في عرض «بحث»، قدّم الراقصون فسيفساء من الرقصات الجماعية والثنائية والفردية وتحرّكوا في صخب وغضب وقوّة لتتحوّل أجسادهم إلى طاقة جبارة تشحن نفوسهم بجرعات من الصبر والأمل.
مابين إيماءات الوجه الحائرة والمرتبكة وحركات الجسد المنتفضة والثائرة، بدا الراقصون وكـأنهم في رحلة بحث عن ذواتهم وعن أحلامهم وعن مستقبلهم بعد مغادرة مركز الإصلاح والعودة إلى حياتهم الطبيعية. فهل سيتقبّلهم محيطهم أم سيلفظهم الأقارب قبل الغرباء؟ وهل يمكن لهم الاندماج من جديد في المجتمع كأفراد صالحين؟
على إيقاع تجليات الرقص المعاصر، كان الاهتمام الأساسي لعرض بحث هو كرامة الأجساد، سواء كانت أجسادا سجينة تفتقد في كثير من الأحيان لحرمتها أو أجسادا فنانة وراقصة تواجه التهميش وعدم الاعتراف...
إن العرض الكوريغرافي «بحث» وهو قصة واقعية يعيشها الآن أطفال وشباب من هواة المسرح والرقص وفن الشارع دفعتهم الخصاصة والفقر والتهميش الاندماج في الأعمال الإجرامية لينتهي بهم المطاف في مراكز الإصلاح والتكوین.
لقد تطرّق أشرف حمودة إلى يوميات الأطفال الجانحين داخل مركز الإصلاح وتعامل فنيا مع أجسادهم الغضة ليبعث برسائل توعية وتحسيس إلى المجتمع وإلى كل من يهمّه الأمر مفادها أن هؤلاء الأطفال أخطئوا لكنهم دفعوا الثمن ونالوا العقاب لذلك يستحقون منحهم فرصة ثانية من أجل مستقبل أفضل.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115