فهذا سؤال مستعمل في التنبيه إلى أهمية المسؤول عنه، قال الزجاج: "ومعنى سؤال موسى عما في يده من العصا التنبيه له عليها؛ لتقع المعجزة بها بعد التثبيت فيها والتأمل لها".
ونحو هذا قوله عز وجل: "قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين" المؤمنون:112 الاستفهام عن عدد سنوات المكث في الأرض مستعمل في التنبيه؛ ليظهر لهم خطؤهم؛ إذ كانوا يزعمون أنهم إذا دفنوا في الأرض لا يخرجون منها!
ومن ذلك قوله تعالى "أفرأيتم ما كنتم تعبدون" الشعراء:75 فعل الرؤية هنا قلبي، والاستفهام هنا مستعمل في التنبيه على ما يجب أن يُعلم على إرادة التعجيب مما يُعلم من شأنه. والكلام مستعمل في التنبيه لشيء يريد المتكلم الحديث عنه؛ ليعيه السامع حق الوعي.
ويدخل في هذا قوله عز وجل:"أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض" النمل:62 فالمراد بالاستفهام التنبيه على أنهم عند اضطرارهم في نوازل الدهر وخطوب الزمان، كانوا يلجؤون إلى الله تعالى دون الشركاء والأصنام، ويدل على التنبيه ختام الآية وهو قوله تعالى: "أإله مع الله قليلا ما تذكرون"النمل:62.
وقل مثل ذلك في قوله تعالى: "وهل أتاك حديث موسى" طه:9 ، وقوله سبحانه مخاطباً نبيه موسى عليه السلام: "وما أعجلك عن قومك يا موسى" طه:83، وقوله عز وجل: "ألم تر أن الله يزجي سحاباً" النور:43، وقوله جل من قائل "هل أتاك حديث الغاشية" الغاشية:1 فكل هذه الاستفهامات وما شاكلها، المراد بها التنبيه على أمر ذي شأن ينبغي الاهتمام به، وحَدَثٍ ذي بال يُقصد الالتفات إليه.
الأسلوب الرابع: ذكر قدرة الله وبديع صنعه، ومثال هذا النوع من التنبيه كثير أيضاً في كتاب الله، من ذلك قول الباري تعالى: "والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع" النور:45 فالمراد من ذكر هذه الأنواع من المشي التنبيه على بديع صنع الخالق سبحانه، وكمال قدرته. ونحو هذا قوله سبحانه": وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا" الفرقان:53 قال ابن عطية: "المقصد بالآية التنبيه على قدرة الله وإتقان خلقه للأشياء في أن بث في الأرض مياهاً عذبة كثيرة من الأنهار والعيون والآبار، وجعلها خلال الأجاج، وجعل الأجاج خلالها، فترى البحر قد اكتنفته المياه العذبة في ضفتيه، ويلقى الماء البحر في الجزائر ونحوها قد اكتنفه الماء الأجاج".
ومن هذا الباب أيضاً قول الحق تعالى "تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا"الفرقان:61 قال ابن عطية: "غرض الآية التنبيه على أشياء مدركات، تقوم بها الحجة على كل منكر لله، أو جاهل". ومنه أيضاً قوله سبحانه: "أمدكم بأنعام وبنين" الشعراء:133 فالمراد التنبيه على نعم الله تعالى، التي أنعم بها على عباده، فمنهم شاكر حامد، ومنهم ناكر جاحد.
ومنه كذلك قوله تبارك وتعالى: "فانظر إلى آثار رحمت الله كيف يحي الأرض بعد موتها" الروم:50، فالمراد بالأمر بالنظر التنبيه على عظم قدرته تعالى، وسعة رحمته مع ما فيه من التمهيد لما يعقبه من أمر البعث.
يتبع