نبيء المرحمة: اليد العليا خيرٌ من اليد السُّفلى (1)

عن حكيم بن حزامٍ رضي الله عنه عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال"الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنى،

وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ الله، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ الله" متّفقٌ عليه.وعند الإمام مُسلم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أَنَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ -وَهُوَ يَذْكُرُ الصَّدَقَةَ وَالتَّعَفُّفَ عَنِ الْمَسْأَلَةِ "الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا الْمُنْفِقَةُ وَالسُّفْلَى السَّائِلَة".

كان النّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم يُربّي أصحابه -رضوان الله عليهم- على عزّة النّفس والرّفعة والاستغناء عن النّاس، وعدم طلب الحوائج من أحد، حتى إنّه بايع بعض أصحابه على الاستغناء عن النّاس؛ كما في حديث عوف بن مالك الأشجعيّ رضي الله عنه قال: كنّا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تسعة أو ثمانية أو سبعة؛ فقال: "ألا تُبايعون رسول الله؟" وكنّا حديث عهد ببيعة فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، ثمّ قال:"ألا تُبايعون رسول الله؟"، فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، ثمّ قال: "ألا تُبايعون رسول الله؟" قال: فبسطنا أيدينا وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، فعلام نبايعك؟ قال: "على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، والصّلوات الخمس، وتطيعوا - وأَسَرَّ كلمةً خفية -ولا تسألوا النّاس شيئًا"، فلقد رأيت بعض أولئك النّفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحدًا يناوله إيّاه" رواه مسلم.

فالتّعفف عن المسألة والتّرفُّع عن سؤال النّاس مطلبٌ شرعيٌّ، يؤكّده ويوضّحه النّبيُّ صلّى الله عليه وسّلم في قوله: "الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى"، ثُمّ فسّره فقال "وَالْيَدُ الْعُلْيَا الْمُنْفِقَةُ وَالسُّفْلَى السَّائِلَة"، ومع أنّ الوصف بالعلوِّ والوصف بالسِّفل كافٍ لمعرفة أنّ هذا خيرٌ من ذاك -لأنّ ما يوصف بالعُلوِّ خيرٌ ممّا يوصف بالسِّفل-، إلا أنّه نصّ على الخيريّة زيادةً في إيضاح وبيان عِظَم شأن الإنفاق، وكون المُنفق يده خيّرة وعُليا، من علاء المجد والكرم -كما اختار الإمام الخطّابي-، أي التّرفُّع عن المسألة والتّعفّف عنها، كما في قول الشّاعر:
إذا كان باب الذّل من جانب الغِنَى *** سموت إلى العلياء من جانب الفقر،

يريد به التّعزّز بترك المسألة والتّنزّه عنها.ولا يدخل في ذلك ما يُهدى أو يأتي إلى المرء من عطايا أو هبات دون أن يسألها أو يطلبها، فعن السَّائب بن يزيدَ قَالَ: لَقِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَبْدَ الله بْنَ السَّعْدِيِّ، فَقَالَ: أَلَمْ أُحَدَّثْ أَنَّكَ تَلِي الْعَمَلَ مِنْ أَعْمَالِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ تُعْطَى عُمَالَتَكَ فَلَا تَقْبَلُهَا؟ قَالَ: إِنِّي بِخَيْرٍ، وَلِي رَقِيقٌ وَأَفْرَاسٌ، وَأَنَا غَنِيُّ عَنْهَا، وَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ عَمَلِي صَدَقَةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ عُمَرُ: لَا تَفْعَلْ، فَإِنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعْطِينِي الْعَطَايَا فَأَقُولُ: يَا نَبِيَّ الله أَعْطِهِ غَيْرِي، حَتَّى أَعْطَانِي مَرَّةً، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ الله أَعْطِهِ غَيْرِي، فَقَالَ"خُذْهُ يَا عُمَرُ، فَإِمَّا إِنْ تَتَمَوَّلَهُ، وَإِمَّا أَنْ تَصَدَّقَ بِهِ، وَمَا آتَاكَ الله مِنْ هَذَا الْمَالِ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ، وَمَا لَا فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ" متّفقٌ عليه.

يتبع

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115