العرض الأول «شياطين» لـ آمال الفرجي ضمن مسرح الجهات: لغة الجسد تنتصر للأفكار الحرة ...

تكتب الاجساد شيفراتها، تدعوك لفهم عوالمها وفك شيفرات تلك الرسائل وقراءة ما تخفيه الحركة من أسرار. لغة الجسد هي اللغة

الصادقة القادرة على اختراق الفكر وحمل المتفرج الى عوالمها عله يستطيع فكّ الغازها ومنها الدخول الى عالم الحرية.
و»الشياطين « عمل يدعو الى الحرية وينحاز إليها، وهو مستوحى من التمشّي الفني للكوريغراف الراحل نجيب بن خلف الله، دراماتورجيا وإخراج آمال الفرجي، كوريغرافيا وائل مرغني بمشاركة الراقصين باديس حشاش، وفاء الثابتي، الياس التريكي، عمر عباس، حازم الشابي وقيس بولعراس.
الاجساد تكتب ثورتها فانصتوا
تتصارع الأجساد تتسارع الحركات والإيقاعات، وتتباطأ الافكار وينعدم التفكير في مرات كثيرة هكذا تبنى الديكتاتورية كلما عظم الجسد وقلّص من حجم الفكر واستعمالاته، الاجساد تكون محمل الافكار تكتب على الرّكح افكار الكوريغراف الراحل نجيب خلف الله وتنقل رسائله المشفرة حينا والواضحة أحيانا رسائل تنادي الكل للانحياز الى الوطن والنهوض من سبات طال طويلا، فالأجساد لها القدرة للتأثير وإيقاظ العقول الخاملة وفي «شياطين» تترك الحرية للأجساد لتكتب ملحمة انحياز الفنان لوطنه وشعبه.
نحن الذين نصنع الدكتاتور، نحن من نخون الوطن ونبيعه الى الاخرين من خلال اللاّمبالاة، نحن من نفتت افكارنا ونذروها كما رمال الصحراء ونفرغ الرؤوس من الادمغة لتظل جوفاء تمتص ما يقوله الاخر امتصاص الاسفنجة للماء، نحن الخونة ونحن اول المتهمين ببيع سلام الوطن وتسليمه الى الاخر هكذا تقول الاجساد ويقول احد الراقصين في حديثه مع المجموعة متهما المجموعة انهم ابناء الزنا يبيعون الوطن ويرقصون لخساراته المتكررة.
على الركح تتحرك الاجساد بكل دقة وحرية، نفس الحركة مع اختلافات في الملابس، الميكانيكي، و المسافر وحامل محفظة التعليم ولاعب الكرة، عينات من المجتمع نراها ونعيش معها وبينها جمعت في عرض واحد للإشارة الى تعددية الكيان التونسي واختلافات أبنائه تختلف ملابسهم وطريقتهم في الرقص احيانا اختلاف طريقة تفكيرهم لكنهم يشتركون في الانبطاحية والتسليم للدكتاتور لاستباحة الارض والفكرة.
«الشياطين» هو اسم العمل، هو محاولة لكشف اغوار النفس البشرية فداخل كل انسان شيطان يحاول اخفاءه وتكميمه لكنه يخرج احيانا في شكل حركات مجنونة تبدع الاجساد الراقصة في تقديمها، «الشياطين» هو صوت الخوف والقمع داخلنا، هو صورة القبح فينا.
«الشياطين» هو الانا المخفيّ، الانا الباحث عن الشرور خلف قناع «المصلحة الجماعية»، هو صوت الخوف يصمّ الاذان ويمنع العقول من التفكير لاختيار الافضل وتقرير المصير ومعرفة الفرق بين الحق والواجب، كل العبارات المتعلقة بكلمة شيطان تعبّر عنها الاجساد متماهية مع الموسيقى، تناسق بين الاجساد والحركة، خط سير واضح وإبداع في ترك الجسد يرقص وينتفض ويكتب رسائله الخاصة وينادي للحرية وللوطن ويشير الى المقصرين والمتواطئين دون خجل فللجسد جرأة تعجز الكلمات عن التعبير عنها احيانا.
هنّ شرارة الفكرة والثورة
هنّ صانعات الجمال، هنّ الثورة والدم، بلباس احمر تكون الراقصة الوحيدة، تتحرك منذ بداية العرض في اشكال دائرية، رقصاتها مضطربة ومتسارعة كما دقات القلوب الباحثة عن التغيير، لحضورها بهاء الثورة «فللحرية الحمراء باب، بكل يد مضرجة يدق» كما يقول احمد شوقي.
هي باعثة التغيير ومؤسسة الثورة والحرية، حضورها في اغلب المشاهد دليل على البناء والانحياز لفكرة الديمقراطية والثورة على الدكتاتورية، تقود الحراك الشعبي، تنحاز الى الثوار تدفعهم للإطاحة بالنظام الدكتاتوري، فالمرأة ثورة ومن هذا المنطلق تتحرك الكوريغرافي في العرض لتكون عنوان للتغير.
تتغير الحركات، الرؤوس المحنية اول العرض ترتفع تدريجيا، تتغير الموسيقى، تزداد الحركات تسارعا وإيقاعات الاقدام على الرّكح تصبح اكثر قوة، الشعب المسالم زرعت فيه بذرة الثورة وقرر الخروج عن الصمت، ترتفع الايادي معبرة عن رفض الحاكم القائم ودعوة الى التغيير، تتسارع المطالب وتنتشر الصراعات و تصبح الثورة كما النار تعجز الانظمة وعتادها عن صدها او الحد منها.
في «شياطين» يحضر الكتاب، في احد المشاهد يحمل الكوريغراف كتابا في رمزية الى ضرورة حضور الكاتب والمفكر في الحراك الشعبي لأنه الاكثر حكمة وفهما للشارع لكن صاحب الكتاب يكمّم فمه في اشارة الى الاقصاء والتهميش الذي يعانيه الكاتب والمفكر والمبدع الحقيقي في هذا الوطن من اقصاء وتهميش نتيجة افكار تنويرية او ابداعات تنتصر فقط للإنسان، غياب المفكر عن الحراك وغياب المبدع عن التحركات الاحتجاجية نتيجته الفوضى وانتشار افكار هجينة لا تعبر عن واقع ذاك الشعب ولا طموح ابنائه ومستقبله، افكار مهجنة تؤمن بالعنف والفوضى والدمار دون الدعوة الى البناء والتفكير.
«الشياطين» عرض يجمع بين الرقص والمسرح، هو صرخة المثقف ضد فكرة الإقصاء، هو نداء الفنان ليكون الى جانب شعبه ويظل جسد الكوريغراف وصوت المسرحي عنوانا للحق وللحرية، هو صراع الوطن والخيانة، صراع الفكرة الحرة ضد الافكار الرجعية، رسائل عديدة تكتبها بكل ابداع اجساد الراقصين على الركح، تغيب الكلمات ليترك للجسد كتابة رسائله وتدعوا الحضور ان انصتوا لصرخات وطنكم، اعملوا وفكروا فالأوطان تحتاج عقولا تفكر ومبدعين ينقدون ولا تحتاج صما بكما لا يفقهون، الاوطان تحتاج افكارا حرة تنتصر لها وللانسان.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115