ندوة «الأدب والمجتمع» ضمن ملتقى شكري بلعيد للثقافة والفنون: الأدب شرارة ثورة تبحث عن الخلود

علاقة الأدب بالمجتمع علاقة اشكالية وتساؤلية، هل الأدب محرك المجتمع ام المجتمع من يصنع ادبه؟ أية علاقة بين الفنون

ومجتمعاتها انطلاقا من الأزمان القديمة وصولا الى العصر الحديث واسئلة طرحت في ندوة «الأدب والمجتمع».
وضمن فعاليات ملتقى شكري بلعيد الدولي للثقافة والفنون كان اللقاء صبيحة امس الجمعة مع ندوة فكرية محورها «الادب والمجتمع» اثثها كل من الشاعر عبد العزيز حاجي و الروائية امنة الرميلي والباحثة والشاعرة امال موسى وادار اللقاء الدكتور توفيق العلوي بفضاء دار الثقافة شكري بلعيد جبل الجلود.
علاقة الادب بالمجتمع: التزام ام الزام؟
«نجتمع في ذكرى اغتيال الشهيد شكري بلعيد، اجتماعنا الآن له رمزيته وللذكرى خصائصها الزمنية لأنه كلما مرّ الزمن دون ان نعرف من خطّط ومن فكّر ومن نفّذ ومن قتل كلما كانت اسباب الاجتماع اكثر وكان للمناسبة رمزيتها، وسعينا لنشر الامل عبر تخليد ذكرى الشهيد شكري بلعيد» بهذه الجمل افتتح الدكتور توقيف العلوي فعاليات الندوة الفكرية «الابداع والمجتمع» التي تراوحت بين الاكاديمي والابداعي.
اول المتدخلين كان الشاعر عبد العزيز حاجي صاحب مجموعات «صفير الوقت» و«غميس اليمام» «شهقت عيني في المرآة» و«بحّ صوت الشهداء» و«للبيت رب يحميه» وأشار في مداخلته «العنوان مغر بالتناول» ليتساءل: العلاقة بين الابداع والمجتمع اهي علاقة الزام ام التزام ويؤكد انها علاقة متحركة في الزمان والمكان، ويضيف الحاجي ان ثنائية «ابداع_ مجتمع» لم تستبد بالنقاد والمفكرين قديما قدر استبدادها بهم في العصر الحديث منوها انها علاقة جدلية تقوم على اطروحات فكرية وفلسفية.
ويعود الحاجي في مداخلته الى السيرورة التاريخية والالتزام في الشعر الملحمي بقيم المجموعة فالملاحم كانت صورة للبطولة ومنحازة للانتصارات وعلى سبيل المثال طلب افلاطون من الشعراء فقط كتابة قصائد تمجد الابطال والبطولات والزام الشعراء بعدم قول قصائدهم الا بعد موافقة «حراس القانون» فالشاعر اذن ومنذ الازمان الغابرة يلتحم بالمجتمع هو ابن الشارع منه يستنطق كلماته ومن وجعه وفرحه يكتب صوره وابداعاته.
ونوه الحاجي ان اغلب النقاد يجمعون على الإبداع طرقه في التعبير والتناول لا يحاسب بالمضمون الاجتماعي بقدر ما يحاسب بالتحويل الذي يصنعه في المجتمع.
القتل تيمة إبداعية ولازلنا ننتظر كتابات عن اغتيال بلعيد
«هم يقتلون ونحن نحيي، هم يقتلون ونحن نؤمن بالفن وذكرى الشهيد ستبقى ذكرى للنقد والفن» هكذا تحدثت صاحبة «جمر وماء» و»يوميات تلميذ حزين» و»الو» و»شط الارواح» و» كتابة القتل: الأغاني في كتاب الاصفهاني» الباحثة و الشاعرة والروائية امنة الرميلي، وتضيف «سأتحدث عن ثنائية الأدب والقتل فمسالة القتل لا تزال مجال بحث بكر يمكن التوسع فيه، وللأدب علاقة عضوية بالقتل فهما مرتبطان نفسيا وسياسيا وانتطروبولوجيا، وثنائية ادب_قتل، هي جزء من ثنائية اكبر هي ادب_موت: فالانسان قارع فناءه بالأدب، الإنسان الاول قارع موته بالرسومات التي تركها على الكهوف، ثم تغيرت التعبيرة الفنية لتصبح شعر الملحمة و الأسطورة فالمسرح والسينما والرواية وكل هذه التعبيرات تقارع الفناء والموت، فالانسان يرفض موته لذلك يخلد نفسه بعمل فني» .
وأشارت الرميلي في مداخلتها ان القتيل تيمة ادبية وجدت في الخرافات والسيرة و الأخبار، والقتل تقوم عليه فنون اخرى مثل السينما فالقتل كان دائما حدث فني بامتياز على غرار شعر المراثي، لان الشاعر داخل قصيدة الرثاء يبني عوالمه الفنية على القتل حدّ ان اعتبر شعر الرثاء هو بداية الشعر العربي «لعل الشعر بدأ مع النواح»، ومع الرثاء وفي المديح ايضا الممدوح يُمدحُ بقدر ما يكون جريئا وقادرا على افناء اعدائه، يُمدحُ في ساحة الحرب على غرار ديوان عنترة بن شداد فالقدرة الرهيبة التي يمتلكها في التقتيل كانت عنوان المدح والتميز عنده.
وتؤكد الرميلي ان القتل يجد صداه لدى القارئ والجمهور فنحن نقع تحت سحر شعر المقاتل او الحماسة، فلأدب الموت طاقة تأثيرية وتعبيرية وله جمالية مخصوصة ما يجعلنا نتذكر بسهولة بيت:
«لقد ذكرت والرماح نواهل وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل السيوف لانها برقت كبارق ثغرك المتبسم»
بيت مملوء دما لكننا ندرسه ونحبه جدّا ويسارع التلميذ الى حفظه، وفي سياق ادب الموت نستحضر قول المتنبي «السيف اصدق انباء من الكتب، في حده الحد بين الجدّ واللعب» فتيمة الموت هنا لها جماليتها، جمالية المعنى والايقاع التي تشد الجمهور او القارئ، كما ان الادب القديم مملوء بقصص الموت على غرار الاغاني للاصفهاني اذ لا يخلو الكتاب من اخبار الموت ان كانت نقلا او تخييلا، مثل مثل قتل الشعراء المتمردين والشعراء العشاق وكلها تنضوي تحت خانة انشائية الأمل والألم.
وفي مداخلتها تقول الرميلي في تونس أتوقف عند اغتيالين مزعزعين ولّدا بعض النصوص الادبية والاعمال الفنية، الاول اغتيال 5ديسمبر 1952 اي اغتيال فرحات حشاد لكن السؤال المطروح ما الذي كتب في هذا الاغتيال؟ اين الاعمال الفنية؟ او الادبية؟ شخصيا لا استحضر سوى ما كتبه يحى محمد «نداء الفجر»، لتأتي لحظة الاغتيال المزلزل الثاني اغتيال 6فيفري 2013، اغتيال شكري بلعيد الذي كان اشد قسوة لأنه اغتيل بأياد تونسية ولازلنا ننتظر الكتابات عن هذا الاغتيال لازالت الفرصة مناسبة ليترك التونسيين مدونة ادبية ونقدية في هذا الموضوع وهذا نداء الى الكتاب التونسيين ليحبّروا ويبدعوا.
علاقة الادب والمجتمع تغيرت في المنظور الحديث
الجزء الثالث من الندوة العلمية خصص للشاعرة والباحثة امال موسى التي تحدثت عن اشكالية العلاقة بين الابداع والمجتمع فهي ليست ثابتة من ناحية سمكها او ايقاعها، علاقة اشكالية خلاقة تدافع عن وجودها فهناك من يعتبر ان الجماهيرية مقياس ضعف العمل الفني، طبيعة العلاقة بين الأدب والمجتمع تعرف أيضا العديد من الأسئلة عن قوتها فهل العلاقة القوية دليل إبداعية العمل؟ ام هي عنوان لتنازل المبدع ودخول عوالم التبسيط والمباشرتية والوضوح ليصل إلى الآخر والمجتمع وبذلك يفقد ملكة الرغبة في الإبداع؟ والتفكير في العلاقة الإشكالية يستوجب منا طرح موضوع الحداثة لانّ العلاقة بين الأدب والمجتمع حديثا تختلف عن المنظومة التقليدية.
وتضيف بن موسى ان للمجتمع الحديث تصوره الخاص للعلاقة بين الأدب والمجتمع، فالمنظومة القديمة تقر أن الأدب مرآة المجتمع والشاعر صوت المجوعة وأشعاره روح القبيلة والجماعة، لكن المنظومة الحديثة تقر بالفردانية والمرآة هنا تتحول إلى مرآة تعكس الباطن واللاّمرئي، أي أن الأدب يرى وينقل ما لا تراه العين المجردة.
بينما التناول الحديث للأدب في علم الاجتماع جعله مؤسسة من مؤسسات التنشئة الاجتماعية فكل خلق ثقافي هو ظاهرة فردية اجتماعية ولعل المدرسة الواقعية أكثر المدارس تعبيرا عن قوّة العلاقة بين الأدب والمجتمع.
وأشارت الشاعرة أيضا إلى العلاقة بين الشعر والمجتمع انطلاقا من شعر الفخر عند القدامى إلى الشعر الوطني والملتزم في العصر الحديث فقصائد سميح القاسم ومحمود درويش منوهة انّ القصيد الذي يصمد ويحفر بالذاكرة هو الذي يعلو فيه صوت الذات والذاكرة اليوم لا تختزل إلا القصائد التي تلتحم فيها الذات الفردية بالذات الإنسانية. وتختم موسى مداخلتها بالقول «صوت الفردي الذاتي الخاص هو الأكثر تأثيرا في المجتمع الحديث، فالحداثة تغلّب الفرد وتجعله النواة، واللغة تجعل المجتمع فتات من الرموز ويحضر فقط كفكرة واصبح المجتمع يتوارى خلف الفرد.
قصيد عبد العزيز حاجي من ديوانه «بيت القصيد، بيت الشهيد» الذي اهداه الى الشهيدين فاضل ساسي وشكري بلعيد:
الموت الأحمر
دمك الضائع فينا
وردة نذرت للنسيان دمك المغدور به دمك الفاقع والساطعدمك القرمزي
وقد فوف ملء شوارعهم وردا وشقائق نعمان ...
دمك الجلنار ترى كيف أسميه ؟؟ ولا أحمر هذي الأيام
سوى أزياء الخفة لا أحمر إلا تقليعات الثيران
الإسبانية لا أحمر غير تميمة حزب الدولة غير الرايات
الميالة مع أية ريح ، لا أحمر غير طبول النشيد الجوفاء
غير الناصل من سقط الآلوان فأنى كدرتها الجهمة ؟؟
أنى هي من زهرة دمك الساطع نافورة عشق في مدن
الزيف وأزمنة الطغيان ؟؟؟
دمك الضالع فينا
والطالع زهرة نيسان
قل لي : كيف أسميه ؟؟
ولا ألسنة اليوم
سوى ما بات يسبح الليل نهار
بآلاء الصمت
وحمد النسيان !!
قصيد شكري لآمنة الرميلي
شُكْري..
في الدّم يسْرِي اسْمكْ
وتزيّنْ ليلْ الخضْرا بضُحكتكْ وبرَسْمِكْ
وأفْجار تتفتّحْ
وينْ تبزّعْ دمّكْ
وأحْبابْ عَ العهْد والسّؤال كاتْبينُو وَشْمكْ:
شْكونْ الْ خَطَفْ الحُلم منْ عينيكْ، من عِينينَا
شكونْ الْ قتلكْ؟..
عْلاشْ ردّوا بابكْ؟
وعْلاشْ ذَرُّوا للْغيابْ تْرابكْ؟
ومْنينْ دخْلوا كْلاب الدّمْ
حتى داسُوا اعْتابكْ؟
وشْكونْ وَرَّى وقَرَّى وعَرَّى
وحلّ الثّنايَا لدمّكْ؟
شْكونْ الِّي خافْ منْ نوّار الحبّ
الْ زارْعو في قلْبكْ
منْ هاكَ العشْقة الخضْرا
النّابْتة على كفّكْ
منْ ألْف ورْدة مْلوّنة
وَدِّيتْ بيهَا شعْبكْ؟!
ياليتْ إيدْ الحقْد ما طالاتِكْ
يا ليتْ انْزادتْ حتى خطْوة في طريق حْياتكْ
يا ليت تسْقي عْطشْ حِلْمة من حلْماتكْ
يا ليتْ تْشوفْ ومْضة فرْح في سْما نجْماتكْ
يا ليتْ... تسْمعْ نبْرة
منْ بْحور العشق كي نْدنْدنُوا بْنَغْماتكْ
وينُوحْ جَمْر القلْبْ
رغم الغُلْبْ:
حيّاكْ بَابَا حيّْ، إنت حيّْ، ديما حيّْ
في صوتكْ يدْوي في السّاحاتْ
وفي كلْماتكْ!!

توفيق العلوي:
فن الغرافيتي فن التمرد ويجب دعمه
تميز ملتقى شكري بلعيد للفنون بفن الغرافيني فالألوان والأشكال تملئ الشارع المحاذي لدار الثقافة والعام الفارط أنجزوا «السبع زناقي» وكل دورة تهتم بشارع ما وتنفذ فكرة ما، موضوع الغرافيتي اعتبره الدكتور توفيق العلوي تيمة مميزة وجب دعمها مشيرا ان هذا الفن فن للتمرد وهو صرخة صادقة رغم الأخطاء اللغوية وطريقة الكتابة احيانا الا انه تعبيرة من الشباب، تعبيرة فنية واجتماعية وسياسية وجب الانتباه لها وتوثيقها والاهتمام بها اكثر من حيث الكتابة والتاريخ لتجربة تنحاز للانسان، لان الغرافيتي اصبح ثقافة بصرية لها حضورها في الشارع التونسي، تعبيريا ويفهمها من لا يستطيع الكتابة والقراءة ايضا، صورة بصرية مسكونة بالرسائل والمطلبية تستحق ان ينتبه اليها الكتاب.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115