ملتقى شكري بلعيد للفنون: الألوان تنتصر للمواطنة وترسم الأمل في المارة

حياك بابا حياك، سلام عليك صاحب الشامة اينما كنت، سلام على دمك الزكي وذكراك العطرة، سلام الى جسدك

الذي اخترقته رصاصات قاتلة وبركة الدماء تلك التي تحولت الى بركة الوان تزيّن حيّك ومدرستك وأصبح اسمك عنوانا للفن والحياة كما اردت دائما ان يعلو صوت الفن والثقافة.
سلام اليك شكري بلعيد وها هي الألوان والرسومات تجعلك حيّا أبدا في ذاكرة أبناء «حومتك» التي تحولت إلى متحف مفتوح تسكنه الألوان والجداريات والغرافيتي، فنون تدافع عن ثقافة الحياة ضمن فعاليات ملتقى شكري بلعيد للفنون في دورته الرابعة.
الشارع المتحف للغرافيتي والجداريات
عشرة ايام من الألوان، عشرة أيام من الابداع انتشرت الألوان في كامل شارع سكيكدة الذي أصبح متحفا مفتوحا لفن الغرافيتي والجداريات التي اختلفت مضامينها ومواضيعها وساهم فيها خمسون فنانا احبواّ الألوان وانتصروا للغرافيتي، هنا جبل الجلود أين ولد شكري بلعيد وتعلم ثقافة الحياة والنضال، صورة الشهيد رسمت بخلفية حمراء قانية كأنها تذكّر المارة بدمائه التي سالت لاجل هذا الوطن ودفاعه المستميت عنه.
منذ اول نهج سكيكدة والرسومات تتوزع يمنة ويسرة، رسومات غرافيتي الفن المشاكس الذي كان وسيلة الكثير من الفنانين قبل الثورة ليعبروا عن رفضهم لدكتاتورية النظام وكتاباتهم ورسوماتهم لاجل الحرية على غرار «زواولة واهل الكهف»، الغرافيتي الذي كان ابان الثورة عنوان للفرح وانتشرت الالوان في كل الشوارع تقريبا وانتشرت المجموعات الممارسة لفن الحياة ليكون هذا الفن صديق الجدران ونصير الافكار الثائرة في كل تونس, وهاهي جدران مدينة جبل الجلود تتزين وتفتح مصراعيها لثقافة الجمال.
الجولة التشكيلية تنطلق من أمام دار الثقافة شكري بلعيد جبل الجلود، الدار الموشاة باجمل الرسومات هي الأخرى متحف لتلوينات فنية وجدارية مختلفة، كامل الشارع رسمت فوقه قصص الكثير من الفنانين، حائط المدرسة الاعدادية والمدرسة الابتدائية فيليب فيل جميعها تدعو المارة للوقوف وتأمّل الجداريات الصارخة بالحياة.
تشابكت الأفكار اختلفت الرؤى لكنها اجتمعت على حبّ الألوان، صور لبورتيرهات وأخرى لحروفيات وثالثة لكلمات مثل «حرية، سلام، فن» كلها وضعت على الجدران التي أخرجت الشارع من صمت البياض ليصدح بالألوان والحكايات، قصص أبدع في رسمها فنانين على سبيل الذكر بسمة بن يحى ويسر الجموسي وميساء وحذامي سلطاني وطارق مرزوقي وزياد بن سلامة ورحاب المديوني ووصال بن سليمان وحسين مصدق وحنان الطرابلسي ويسر الجموسي والقائمة تطول لفنانين حوّلوا الجدران في نهج سكيكدة الى متحف للفن التشكيلي والألوان البهية التي تبعث في زائر المكان إحساس بالطمأنينة والجمال.
الفن فعل مواطني
«اصرخ ومزق جدران الصمت واكسر حواجز الخوف، اصدح بصوت الحرية عاليا فأنت في مدينة ولد فيها صوت حرّ لم يخه التهديد ولا الرصاص، اصرخ بحقك في الفن والحياة» هكذا يمكن التعليق على إحدى الجداريات التي توسطت جدارين لوجه مغمض العينين صارخا ويدين تكسران الجدار وتجذبانه كما الستارة، جدارية كأنها صرخة للحرية والحياة.
قصص حبّ للرسم والغرافيتي تكتب على الجدران، جداريات ضخمة ورسومات مختلفة كتب تحتها «حومتي الباهية» او «حومتي مزيانة» هي شحنة حب تنشرها الألوان على المارة ليقفوا قليلا أمام اللوحة او ينتظروا الفنان حتى إنهاء جداريته، بعضهم يطلب من الرسام رسمة محددة مثل «مشهد طبيعي» او شيء يتلائم مع محله التجاري او مقهاه، وآخرون يكتفون بقبول المادة الفنية المقدمة دون نقاش.
الألوان والجداريات أصبحت «موعد ننتظره ككل عام، نريد كامل الجبل الجلود بالالوان، انظروا هذا الجدار الأبيض يصلح ليكون لوحة فسيفسائية جميلة» كما يقول احد المارة مشيرا إلى حائط كبير حذو منزله، ليجيبه آخر «ذاك الحائط في زنقة، نريد الآن أن تكون الرسومات في الجدران المطلة على الشوارع والانهج التي نمر منها يوميا» ليتواصل النقاش بين أحقية هذا أم ذاك فاغلبهم أصبح ينتظر زيارة الفنانين لنهج يقطنه ليسكنوه بالألوان والحياة.
جبل جلود تنهض من صمتها وتراقص الألوان، رسومات تشبه النوتات الموسيقية احيانا تشعر انها ترقص وتدعوك لرقصة زوربا ومرات أخرى تسمع صوت موسيقى ينبعث من مكان ما، ربما الألوان تكتب سيمفونيتها في مكان ما، الجدران المتحف المفتوح ان صحّ الوصف، الجدران المحمل المتنقل تشبه كثيرا الصحراء التي تحولها احلام الصادقين الى جنة ومدينة تماما كما يقول بلعيد في احدى قصائده المكتوبة بخط يده «عند بابك حط المحتجون اسمائهم، وبنوا في محطاتك الموحشة حلمهم، حمل الشعراء الصعاليك في لحظة الوجد اقدامهم نحوك، وقلوا نمرّ ونعبرك فاتحين ونمضي بك الى بحرك السرمدي ، كل المنافي لنا واحة نستظل بها».
حسين مصدق.. نقابة الفنون التشكيلية

ضمن فعاليات ملتقى شكري بلعيد للفنون التقت «المغرب» حسين مصدق كاتب عام نقابة الفنون التشكيلية، وفي تصريحه يقول مصدق عن التظاهرة « بجبل الجلود في دورته الرابعة اعتقد انها بادرة جيدة، من ناحية الدخول إلى الاحياء الشعبية واحيائها بالفن بالإضافة إلى أن الملتقى يعيد الاعتبار لشهيدنا شهيد الحرية ليبقى اسمه مرتبطا بمسار استكمال الثورة.
ويضيف محدثنا انّ فن الغرافيتي في تونس ما قبل الثورة كان فعل مواطني ممنوع وملاحق من السلطات، ما بعد الثورة شاهدنا طفرة في تونس في هذا الفن كنوع من الفرحة وتعبيرة الانتصار والحرية، وفناني الغرافيتي دخلوا الشوارع وأصبحوا يقدمون تعبيرة مواطنية مختلفة لذلك ندعم هذا الفن وممارسيه لانه ومنذ بداياته انتصر للمواطن.
ويشير كاتب عام نقابة الفنون التشكيلية «الملتقى في البداية تبنى مفهوم الغرافيتي كفن خصوصيته وادواته التقنية في تنفيذ الاعمال، والدورات اللاحقة انفتح على فن الجداريات الذي يتميز بتقنيات تنفيذ اخرى، البادرة جيدة لان كلا الفنين في مفهوم جمالية الشارع يكملان بعضيهما ومتلاحمين الفن المواطني المبني على الممارسة التعبيرية القايمة على مفهوم سياسي والجداري كفن تزييني يرتقي بالفضاء العام من الناحية الجمالية، لكن الاشكال في الدورة الحالية انّ الانفتاح أصبح بمثابة العبء فالعديد من الفنانين لا يملكون ادوات تنفيذ الجداريات وأصبحت المسالة تشريك أكثر عدد ممكن من الفنانين وأصبحت ظاهرة تشغيلية اكثر منها فنية جمالية، بالاضافة الى ان العمل الفني لا يخضع لوقت او التزام فالفنان يمكنه تنفيذ عمله في ساعتين وربما يستغرق أسبوعين اي انه لا يمكن الزام الفنان بوقت محدد، هنا ربما ادارة المهرجان توجهت لتوفير اكثر عدد من التشغيل ربما بسبب الجائحة.
ويختم مصدق بالقول لكن يبقى الملتقى ظاهرة جمالية لا بد من الحفاظ عليها ودعمها، لا بدّ من دخول الفن والفنانين للاحياء الشعبية فالفن يساعد الشباب على افراغ شحنة الغضب وتهذيب الذائقة وتدفعه الى التفكير ويجد الفن «تنفيسة» أخرى عوض المخدرات او العنف والارهاب وهذه قيمة الفنون في المجتمعات، فهناك العديد من دول العالم حين فتحت أحياءها الشعبية للفنون استطاعت التقليل من الجريمة وتلك رغبتنا نريد ان تغزو الفنون كل الأحياء وتساعد على التفكير في البدائل.
سوسن النيغاوي ترسم للأطفال
طفلة لا تكبر لرسومتها وقعها الخاص فالفنانة سوسن النيغاوي أعطت مساحة من الحب للأطفال، رسمت البالونات وشخصيات كرتونية وزهور وحرفيات بطريقة تشد انتباه الأطفال وكأنها تنتصر لحق الأطفال في حيّهم ايضا وتصحب أفكارهم الصغيرة واحلامهم الملوّنة كلما خرجوا من المدرسة ومروا امام الجداريات.
وصال بن سليمان الأمينة العامة لرابطة الفنون التشكيلية

باحثة في الفنون التشكيلية، ورسامة، تقول لـ«المغرب» في اطار الملتقى تمت دعوتنا من قبل المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية، لنشارك بخمسة فنانين من الرابطة ونشارك وصال بن سليمان رحاب المديوني وسلمى الماجري واكرم التوجاني» وتضيف انّ التجربة مختلفة ومهمة جدا لاننا احتككنا بفناني الغرافيتي وتعلمنا منهم التقنيات، مهمّ التقنية والفكرة ربما احتاجها في عمل على محمل.
وبخصوص ردة فعل المواطنين تشير بن سليمان «في النهج فرحو بينا» المواطنين قابلونا بحفاوة كبيرة، لكن هناك بعض الاشياء المقلقة كأن يرفض احهم ان نرسم على الحائط وهناك من يطلب رسم او مشهد محدد والعمل حسب الطلب لا يساعد الفنان على الابداع لكننا نحاول ارضاء الجميع».
وتختم بالقول الألوان تغير النفسية وتدفعهم للإقبال على الحياة الألوان تلون لهم حياتهم وتعطيهم مسحة من الأمل الذي نرجوا ان يستوطن قلب التونسي مهما كانت الظروف.

السبع زناقي:
عام مضى ولازالت الرسومات بهية

ملتقى شكري بلعيد للفن أصبح موعدا رسميا للألوان والحياة، الرسومات التي تسكن الجدران حلة مخالفة باتت مطلب اغلب متساكني جبل الجلود، الالوان تضيف مسحة من الأمل والبهاء، كلما مرّ الفنانين من شارع الا وتركوا بصمة امل على الجدران ولعل «الزناقي السبعة» التي كانت مخيفة ومظلمة خير دليل على قدرة الفن على التغيير، فالزناقي السبع التي كانت مهملة مرّ عليها تتار الألوان في الدورة الفارطة لتصبح بهية وجميلة وبعد عام ولازالت الرسومات موجودة ولازالت الزناقي تستقبلك بصورة للمراة البدوية بالوانها المختلفة وكلمة حرية المكتوبة بالازرق والاصفر والاحمر و تودعك «ارقص وان لم تزل جراحك مفتوحة» ولازالت الألوان تسكن الزائر بشعور مختلف وتبعث في سكانها مسحة من الامل.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115