احيانا وفكرة المركزية منذ أعوام انهكته الثقافة وأتعبه المسرح، يتراجع حينا لكنه يعود من بعيد ليخوض صراعاته اليومية ليواصل كتابة احلامه حتى تتحول الى حقيقة عنوانها نشر الثقافة وافتكاك حق ابناء الهامش في الابداع.
وهاهو الحلم الذي يصارع من أجله منذ ثمانية اعوام يكاد يصبح حقيقة وها انّ اشغال قاعة سينما الشعانبي اوشكت على النهاية وها انّ جميع الوثائق الادارية المطلوبة انجزت فقط تنتظر «البتّة» وعقد كراء طويل المدى (10اعوام) لتفتح القاعة ابوابها بصفة رسمية امام محبي الثقافة.
من «خربة» الى قاعة جميلة: ليس للحلم حدود
اللون الاحمر يناديك يدعوك من بعيد لتقف أمامه، الاحمر على الجدار الخارجي والاسود زينة الشبابيك مع «قناع المسرح المبتسم والغاضب» كأنهما ينقلان حكاية الخضراوي مع الفضاء، ورود وشجيرات صغيرة زرعت امام الفضاء الذي لازالت اشغاله لم تنته بعد، خطوات ادارية قليلة ومسافات قانونية بسيطة تفصل الخضراوي عن حلمه ومعه كل المؤمنين بالحق في الثقافة وحق ابناء مدينة «النسيان والدهشة» (تسمية الاديب محمد الحيزي للمدينة) القصرين في الفنون، في قاعة تحترم ثقافة الفرجة وقوانينها.
«قاعة سينما الشعانبي» هكذا كتب بخط عريض، هذه الجدران الملونة بأبهى الالوان والأرضية النظيفة والسقف الحديث التلوين كانت منذ خمسة وثلاثين عاما خرابا، الجدران تنز ماء و الحيطان متآكلة و الابواب مغلقة امام شمس الثقافة، نسيت القاعة التي على ملك البلدية لأكثر من ثلاثين عاما، واليوم هي بهية جميلة تشرّع نوافذها للأمل بعد ثمانية اعوام من العمل و الحلم والصبر التي خاضها الخضراوي وأصدقاؤه وبعد اشغال وتعب هاهي القاعة تتجلى كصبية عاشقة تخاطب قوس النصر غير البعيد تخبره ان ارض السيليوم ومنذ الرومان تتفتح على ربوعها زهرات الابداع وهاهو الشعانبي حارس المدينة كما تقول الاساطير ينتصر مرة اخرى للحياة ويكون اسمه مرفوقا بالسينما ثقافة الحب والحياة والخلق المتجدد.
«قاعة سينما الشعانبي» أوشكت الاشغال فيها على الانتهاء، القاعة التي حبلت بأحلام فنانين يريدون اعادة فتح ابوابها لثقافة الحياة بعد اعوام من الغلق، المشروع تحصل على دعم من مشروع «تفنن» بقيمة 150الف دينار مما ساعد على الاشغال والترميم ولازالوا فقط ينتظرون عقد كراء طويل المدى الذي يسمح بافتتاح رسمي للقاعة.
القاعة مساحتها 600 متر مربع وتستوعب 300 كرسي، قاعة نموذجية ومميزة في الجهة كما يقول الخضراوي والمميز فيها «الركح، الركح عند المسرحي شيء مقدس لذلك اردناه ركحا انموذجا، فالركح في القاعة له 6نوافذ مرتبطة بمدرج، اي اسفل الركح يمكن استغلاله في اللعب الدرامي والممثل يمكنه المرور والتحرك تحت الركح عكس الركح المسطح الموجود في دور الثقافة « وبالفعل في عرض «مريض» الذي احتضنته القاعة يوم السبت الفارط استغل القبو تحت الركح للحركة و التمثيل و الممثل يصعد في اكثر من مرة من تحت الركح يفتح الشباك للصعود والمرور، بالاضافة الى الركح المميز هناك شاشة كبرى لعرض الافلام السينمائية وسبق للقاعة ان احتضنت فعاليات مهرجان «سينما السيليوم» فهم يعملون ويبدعون وفي الوقت ذاته يطالبون بالحق في استغلال القاعة قانونيا.
الفن رسالة نبيلة والفن فعل مقاومة
«لازلنا نحلم بقصرين الثقافة لا الإرهاب لازلنا نؤمن ان مدينتنا منجم للإبداع و الفنون، لازلنا نعرف ان مدينتنا مدينة التاريخ والمستقبل ومن حق اطفالها ممارسة كل تلوينات الفن في فضاء مجهز تقنيا ويسمح لهم بتحويل احلامهم الى فن» هكذا يقول وليد الخضراوي الذي اتعبته سياسة التسويف لكنه لازال متمسكا بحقه «تعبنا، نفسيا وجسديا، ثمانية اعوام من العمل والانتظار، تغيرت المجالس البلدية، تغير الوزراء ولازلنا نعمل ونطالب، لكن حال القاعة اليوم ينعش الروح اذ كنا نقوم بالتدريبات على الاسمنت والماء يقطر امّا اليوم فالأمر مختلف» حد تعبيره.
قاعة سينما الشعانبي تدعوك للزيارة، للوقوف قليلا امام المدرج المصنوع من الخشب لازالت رائحته عطرة، في الجزء العلوي وضعت المفروشات التقليدية «الكليم» و«المرقوم» بألوان زاهية تسكن ذاكرتك وكراس صنعت من الاطارات المطاطية وغلّفت بالكليم وبعض الاقمشة العصرية لإحداث فسيفساء من الالوان ابدع فاروق نصرلي في صناعتها.
في القاعة الموشاة بألوان الاجداد وحكاياتهم يكون الفضاء المخصص للمطالعة والمكتبة فكل ذاك الجمال لمساعدة محبي الكتب على القراءة والتعلق اكثر بالكتاب وتوسطت المكتبة الجزء العلوي للفضاء التي ضمت مجموعة من الكتب الادبية والنقدية وفي علم الاجتماع لتكون ثرية ومختلفة كما المقبلين عليها.
خطوات قليلة تفصل وليد الخضراوي وعفاف رحموني وبلقاسم عزديني ونبيل خضراوي وفاطمة نصري ومحمد حملاوي وسالم الرزقي وكل الحالمين بالمشروع لافتتاح القاعة وتقديم ثمرة ثمانية اعوام من العمل والخوف( لجمهور الفنون في مدينة القصرين.
«قاعة سينما الشعانبي» الاسم لم يأتي من الفراغ كما يقول الخضراوي فالقاعة كانت منذ الستينات قاعة سينما، ويعزز قوله السيد عبد الرحمان الصالحي احد متساكني العمارة والعارفين بتاريخها «القاعة معلم تاريخي، فتحت ابوابها عام 1962 وكانت تمرر الافلام في جهتنا وقاعتنا هذه كانت مثل قاعة البالماريوم بالعاصمة، ولا زلت اتذكر جيدا انني في الشبيبة المدرسية اشرفت على اقتطاع التذاكر وثمن التذكرة انذاك 150مليم وكان يومي السبت والأحد مخصصين للسينما والتلاميذ» كما يقول صديق القاعة ويضيف «اغلقت لاكثر من ثلاثين عاما واصبحت خرابا، لكن يجب ان ندعم اعادة افتتاح القاعة، ارجوا ان تعود الافلام الى العرض في هذه القاعة» .
وفي اطار الذاكرة يقول السيد مختار بن بلقاسم مشيرا الى ذكريات بعيدة سكنته «هذه القاعة، ذاكرة كانت من احسن القاعات الموجودة، امتعتنا بالسينما، كانت تخصص السبت والأحد لعرض الافلام للتلاميذ خاصة فنشأ جيل يعرف الثقافة والفن» وحين سال «هل تريد ان تعود القاعة وتفتح أبوابها اجاب «هدرة (شيء جميل) لو تفتح وتعود الى عروض الأفلام لو فتحت القاعة ابوابها للفن حينها ستنقص حدة المشاكل الموجودة في الحي، فالسينما تعزز الثقافة وتعلم معنى المواطنة» حسب تعبير رجل يستلهم حكمته من صندوق ذكرياته وخبراته.
قاعة سينما الشعانبي اشرفت اشغالها على الانتهاء، الحلم يكاد يصبح حقيقة من حيث الادارة والتجهيز، القاعة ستكون مختبرا فنيا يفتح ابوابه للمسرح والسينما والمطالعة والرقص وكل الفنون حتى تتحقق امنية الخضراوي «القصرين مدينة ثقافية لا مدينة ارهابية».
قاعة سينما الشعانبي: خطــوات قليلة ويصبح الحلـــم حقيقة
- بقلم مفيدة خليل
- 09:40 10/02/2021
- 833 عدد المشاهدات
فنان ، مشاكس وعنيد، وليد الخضراوي يتمسّك بحق ابناء مدينته في الثقافة، يخوض «حروبا» ثقافية ضد البيروقراطية و بطء الادارة