كتاب الاأحد.. «سلفي» علياء رحيم: إذا أصابتك لعنة الكتابة فأكتب وليكن القلم صوت الحقيقة

«سأظل اصرخ ملء وجعي حتى يسمع الناس استغاثة الوطن في صوتي» بهذه الجملة تعترف علياء رحيم على لسان شخصيتها «عائشة» بانحيازها الدائم للوطن ولوجعه،

انحياز من خلال المصدح ثم تطويع الجمل والكلمات لتعرية قبح الانتهازيين والسياسيين وانتهاكاتهم للوطن ولأحلامه المسروقة.
كل هذا الصّراخ حولتها علياء رحيم الى نصوص قصصية كتبت بأسلوب مميز، قصيرة وعميقة، في «سلفي» مولودها القصصي الجديد القائم على ستّ عشرة أقصوصة والصادر عن اوتار للنشر وتبر الزمان ضمن برمجة «مسالك: كتابات نسائية» (منبر للكلمة الحرية، الجريئة، البناءة»، لتكون الاقصوصات مسكونة بالحب والتيه، الألم والأمل، اليأس والتوق الى الافضل وكل ما يمكن ان يكون به الانسان انسانا.

الكتابة الوجع انتصار للذات وللوطن
«سلفي» مجموعة أقاصيص عبارة عن وجع بتقنية ثلاثية الابعاد 3D، ، فالصحافة وجع مخيف و الحياد خلف المصدح وجع ثان أما الكتابة فسيدة الوجع فولادة الحرف تعادل الاف الصرخات، وجع ثلاثي الأبعاد عايشته علياء رحيم واستطاعت باسلوب قصصي مشوق وغامض نقله الى قراء «سلفي» .
على لسان إحدى شخصياتها تتساءل «فما جدوى الكتابة وكل هذه الأفكار المتراكمة منذ عهد افلاطون وسقراط إلى اليوم لم تنجح في ترويض وحشية الانسان وإخماد صوت العنف وإعلاء أخلاق العلم والمعرفة» (صفحة 50) لكنها تكتب وتصرّ على تعرية الواقع وكشف زيف الكثيرين الذين يدعون حبّ الوطن وهم يشترون مصالحهم الخاصة، تعري بؤس المواطن فالإنسان ليس من باب النقمة بل لطرح الحلول وفتح بصيرة القارئ لأشياء عايشها حدّ ان أصبحت طبيعية مثل الصمت أمام تعنت المسؤولين وسياساتهم وانتهازيتهم.

في «سلفي» تجمع القاصة بين الكلاسيكي والعصري فصراع الهوية والعولمة جعل الإنسان في شكل علبة ينخرط في حملات ويستعمل تقنيات ووسائط دون استعمال عقله او إعمال لفكره حتى تشابه التونسيون وأصبح «الفايسبوك» ملجأهم ووسيلتهم لمعرفة الخبر وأحيانا المساهمة في نشر «الكذبة» دون رغبة في البحث عن حقيقة.
«سلفي» اسم المجموعة القصصية، وأقصوصة «سلفي» وهي السادسة تكون على لسان شخصية الابن الذي يتحدث عن أمه ووطنه، فالأم حارسة الوطن تدعوه دائما لحب وطنه والالتزام بحمايته، الام ترى الوطن بعينها أما الابن «فمثل كل الشباب مقيم في وطن افتراضي صباحه يطلع من حائط مبكى الفيسبوك»، الأم مصدح للحقيقة لأنها ترى «وجوه الشياطين والخرس، تجار الموت، جلبة ضمير الصمت، رائحة الكبريت وهي تسري كالهشيم، وحين أهمّ بالصراخ تقول : تمهل لا تترك أرضك مكشوفة، ولا تحرث الآن في البحر، التلفاز ينقل من زريبة البوز والعالم مشغول بالتقاط سلفي» وربما اختيار عنوان الأقصوصة عنوانا جامعا ليس من باب الاعتباط فهي مشحونة بوجع الوطن، الوطن الذي تركه أبناؤه وحيدا وتلهوا بالتقاط «سلفي» مع النابحين والباحثين عن الشهرة.

«سلفي» هو صوت ضمير حيّ يريد الصراخ وإعلاء راية الحقيقة عاليا، كل الشخصيات المعرقلة والمساعدة والأحداث المتصاعدة والأسلوب التشويقي تخدم هذه الغاية، فسلفي مجموعة أقاصيص تمكنت فيها القاصة من توظيف حقول أسلوبية وسردية ووصفية ورمزية وما اتصل بذلك من حوار وعقدة قصصية عليها تنهض الأحداث وجملة من المقومات تتقارب حينا وتتباعد أحيانا أخرى من حيث الجودة والعمق والبيئة والمعجم اللغوي ويجد القارئ الوعاء الذي يغرف منه بلهفة ما يلبي مطالبه المعرفية والذوقية والجمالية والوطنية والنضالية» كما كتب الساسي بن محمد ضيفاوي في تقديمه للكتاب ليكون «سلفي» علياء رحيم صراع الحقيقة والزيف، لحظة تحول اليرقة إلى فراشة تريد الطيران واستنشاق عطر زهرة برية ساحرة اسمها تونس.

«الهي»: الانسان والوطن: حارسات الحرية والدافعات للكتابة
هنّ الكادحات، هن الصادقات، هن العاجزات أحيانا عن التعبير، هن صانعات ملاحم القوة والكبرياء، هن العاملة والكادحة والطبيبة والأستاذة والصحافية، هن العاملات بالساعد والفكر، باختصار هنّ الوطن، واليهنّ كتبت علياء رحيم، إليهنّ صرحت بوجع سكنها، إليهنّ هربت من بطش الآخرين لتكون الكتابة وهي أنثى ملجأها ونجواها.
الأنثى، الهي والهنّ تحضر بكثافة في المجموعة القصيية «سلفي» وكان الكاتبة تقول أن النسوة أعمدة الوطن فاكتبوا لهنّ وعنهنّ وكانت وفية لندائها.

هي «سلمى وردة برية عرّشت على جدار القلب، خصلة من هواء اعلق عليها اجراس طفولتي البعيدة» في اقصوصة «لمن تبتسم ايها المعتوه، هي سيدة دون اسم تنظر في مرآتها وتبحث عن ذات اختفت وملامح طمست في «الصباح من زاوية أخرى» وهي الحالمة والفاتنة والراغبة في الانطلاق والرقص تماما كما اولغا راقصة البالي الروسية التي أوقعت بيكاسو في حبها «كانت هي بحاجة إلى أن تنبت على ظلها مسافة وهم بحجم رفّة جفن، وان تحتال على الزمن كان تفلت من سجن لوحة اولغا المنسية» في أقصوصة «ذاكرة من زجاج».

الهِيَ صانعة الفكرة والمواقف في «عصافير الخوف» فهي عائشة محبة الوطن الصادحة دوما بالحقيقة « لا احد يمتلك اسلوبك المتفرد في المقاومة: سنقاوم القبح بالجمال، ويعرف سارقو الاحلام وقاطعو النبض انهم المعنيون بكلامك ويتوعدونك ولكنهم لم ينجحوا في ترهيبك يوما، يفتقدك المصدح يا عائشة ويفتقد تحيتك الصباحية: صباح الخير يا تونس» وعائشة المتخيلة تتشارك في الكثير من الجرأة والصدق مع علياء رحيم، فكلتاهما تدفعان ثمن اهتمامهما بعملهما وحبهما لما تنجزاه وايمانهما بقدرة الصحافة على التغيير، كلتاهما عشقتا تونس وقررتا ان يكونا صوت الحقيقة فيها.

الهِيَ ليست دوما قوية إذ تجتاحها نوبات اكتئاب وخوف من الآخر والمستقبل، فهي خديجة الهاربة من وحدتها الى حافلات التلاميذ المزدحمة، هي «مريم» الموغلة في الوحدة النفسية والعجز عن ردّ الفعل حد انتفاخ البطن في «حمل كاذب»، «مضى زمن وهي تأمل أن تراها عين الله وينتشلها من ليلها الحالك، لكن لا شيء يحدث أكثر من انتفاخ بطنها يوما بعد آخر»، لتعود إلى ثباتها وشموخها «لامي ذاكرة برج الحمام وخفة طواحين الهواء،تحب الوقوف أمام البحر لساعات وتهوى جمع الاصداف الملقاة على الشاطئ وتطرب لصوت الريح وتكره الفراغ والكسل» كما وصفت في «سلفي»، فالمرأة حارسة الوطن «احترس يا ناجي، اياك ان تترك ظهرك مكشوفا ولا تتخل عن وطنك، فأنت دونه يتيم بلا مأوى».
فالهِيَ، الأنثى، الكتابة، السعادة، الوطن، المرأة تحضر بكثافة في شخصيات وافكار «سلفي علياء رحيم» تحادثهن وتغوص في قصصهن وتجردهنّ من الخوف والحياء لتظهرن عاريات شفافات كما الحقيقة التي تبحث عنها القاصة الجريئة والمنحازة للأنثى إنسانا ووطنا.

• من الكتاب:
«صباح الخير أيتها الدنيا، انظري كيف شردنا إسرافنا في الحلم وألقى بنا في كرنفال الإنسانية المعطوبة، نقف مبعثرين على أرصفتك المزدحمة بالأقدام المغلولة والأعناق المرتخية والوجوه المستعارة (صفحة 29).
«يا عائشة، هناك في كرنفال عالمنا البائس، دفنّا الأموات والأحياء تحت صخرة الثرثرة البليدة والشعارات الممجوجة وانصرفنا كالبغال العور الى سباق الألف خطوة نحو الوراء، هناك في تلك الضفة المنسية من الروح ينام ايلان وحيدا في خلاء طفولته ويحلم بفناء بيته المكشوف» (صفحة 33).
«لست يساريا ولا ندائيا زلا متطرفا دينيا، لا أحب الانتماء الغبي إلى زعيم من زعماء هذا العصر، ولا اثق في شخص غير امي، وهي تحذرني باستمرار من افة التحزب وتقول لي: إياك يا ولدي أن تكون مجرد رأس في قطيع، إياك أن تساند أفكارا لست صاحبها، فكل السياسيين لهم في نفوسهم شيء من الخيانة» (صفحة 40).
«صار الجميع منشغلا بملاحقة أحلام عمودية لا أفق لها، وتفشّت بينهم لوثة الغوغاء وقلبت هدوءهم الى جحيم من السجالات المسعورة» (صفحة 62).

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115