الممثل والمخرج والمدرب المسرحي منير العماري لـ«المغرب»: السياسة تجود علينا بمسخ أعرج لا يمثلنا

• المسرح مصدح للحقيقة وكاسر لجدار الصمت
يحلّق كما طائر السنونو حاملا فكرة الربيع كلما صعد على الركح تسكنه نشوة غريبة وشغف طفل صغير بما يقدمه على الخشبة التي سكنته

واستوطنت فكره ليكون ممثلا بارعا ومقنعا وحاملا لرسالة تربوية وابداعية وفكرية هاجسها الاول الدفاع عن الوطن بالمسرح.
الممثل منير العماري يخوض تجربة مسرحية جديدة هي مونودرام «هارب من الى الدولة الاسلامية»، تجربة نقدية اخرى يخوضها الفنان المنتصر دائما للفن الرابع سلاحه لنقد السياسة التي يراها «تجود علينا بمسخ أعرج» ونقد البيروقراطية الادارية والدعوة الملحة للاهتمام اكثر بالمسرح.

• كيف يقدم منير العماري نفسه إلى القراء ؟
منير العماري 37 سنة أستاذ مسرح متخرج من المعهد العالي للفن المسرحي ،ممثل محترف ،منشط مسرحي بدار الثقافة الفحص ،مدرب مسرحي بفضاء التياترو ادارة الفنان توفيق الجبالي ،مدرب مسرحي ضمن الفريق المحورى العربي للهيئة العربية للمسرح .
بدأت تجربتي المسرحية في سنوات التسعينات مع المسرح المدرسي في مدينتي الهادئة «طوزة» بولاية المنستير، ثم في الجمعيات المسرحية الهاوية بالمنستير وسوسة و المهدية و تطورت التجربة المسرحية بعد دخولي للمعهد العالي للفن المسرحي سنة 2006 ،و تزامن ذلك مع دخولي غمار الكتابة المسرحية والاخراج المسرحي صلب جمعيات مسرحية بتونس العاصمة مع تطوير تجربتي كممثل على الركح .
انتقلت بين مسرح الطفل وفن العرائس و مسرح الكهول. وأعتقد بأنني كنت ممثلا شغوفا بالتجربة والتنوع بعد الثورة توحدت تجربتي المسرحية مع فريق كلندستينو مع وليد الدغسني وأماني بللعج و مكرم السنهورى و سهير اللحياني و العديد من الممثلين الذين تركوا أثرهم الطيب في ذاتي الحالمة بمسرح صادق و راق ، و لا أنسي اشتغالي مع العديد من الشركات الخاصة والمؤسسات الثقافية العمومية و خاصة المركز الوطني لفن العرائس .أو التجربة العلاجية باعتماد المسرح في مراكز الدفاع والادماج الاجتماعي للاطفال المهددين بالانحراف او تجربتي مع الاطفال ذوى الاعاقة و الاضطرابات النفسية والسلوكية منذ سنة 2008 الى اليوم .

• كيف تقيمون تجربتكم المسرحية ؟
كل تجربة تمر بمراحل ،مرحلة اكتشاف الذات و ادراك أهمية المسرح في المجتمع من خلال كل لحظة ابداعية وقفنا فيها على الركح لنتجادل مع روح الفن و غاياته النبيلة .مرحلة أولى تميزت بالتنوع والسعي الحثيث لتجربة كل الأنواع والألوان المسرحية لنصل الى مرحلة الهدوء و التفكير في ما كنا نفعل وما نحن فاعلون و ما نريد أن نفعل في المستقبل .تلك هي المرحلة المهمة في تجربتي المسرحية،هي «التجربة الروحية « بعد اصابتي على الركح اوت 2015 ،اصابة ألزمتني الفراش مدة لا بأس بها فلاحت لي ملامح جديدة للممثل الكامن فينا و وعي أعمق بتفاصيل الفعل المسرحي ،فاتجهنا بالتجربة المسرحية منذ 2016 نحو خطاب روحي أعمق وأهدأ من خلال الحركة و الطاقة والكلمة و الاحساس .انطلاقة جديدة لمنير الانسان و الفنان .

تخوضون تجربة «المونودرام» مالممتع؟ و ما المختلف في التجربة عن بقية تجاربكم المسرحية الجماعية ؟
ان تجربة «المونودرام» تتأسس على الفعل «البروموثيوسي» للممثل حيث يسرق نار الحقيقة و يدفعها لزاوية النقاش ، في المونودرام يكون الممثل سيد نفسه و سيد الركح فتتجلي الديمقراطية المتخفية في رداء الفردانية فنستمتع و نمتع .
في المونودرام تمتزج الأحاسيس الانسانية المنفلتة الحرة مع وعي الممثل المبدع التي تتماهى لحظاته الركحية الصادقة مع حرفية سلسة في كل حركة وكلمة و فعل . ولا يمكن أن تكتمل هذه المتعة لولا الفريق المشارك في العرض من مخرج وكاتب و تقنيين واداريين . وهذا ما يجعل المونودرام مختلفا عن بقية تجاربي المسرحية الجماعية، فلذّة المسؤولية أثناء العرض المونودرامي هي مسؤولية الممثل الواحد ، على عكس الاعمال الجماعية حيث نقتسم الطاقة ونلتقف برودة اللحظات المسرحية بحرارة محبة و عطاء و التزام جماعي من كل الممثلين الفاعلين على الركح .

• هارب من الدولة الاسلامية؟ من الرواية الي الركح لم تم اختيار هذا النص ؟و ماهي الرسائل التي يريد العماري تقديمها للمتفرجين من خلال المسرحية؟.
دعنا نتفق أولا الممثل «سياسي» رغم أنفه ،اما السياسي فهو «مسرحي» بطبعه مع اختلاف فضاءات العرض، انني كمواطن في بلدى الحبيب»تونس» أتأثر كمسرحي بكل الاحداث بحساسية وأتلقف ردات الفعل و انعكاس الضوء السياسي والاقتصادي على المجتمع ويحزنني ما أراه من كمية الخوف التي تثقل كاهل المواطنين ،الحذر من الحاضر و الخوف من المستقبل، وهنا يأتي دورنا كفنانين للوعي بهذا القلق المجتمعي، ونكبح بذلك جماح الزمن، فالكل يعلم و يدرك في لحظة صفاء ان الاحداث المتسارعة أنستنا أحداثا سابقة لم نتخلص منها بعد لانها ببساطة نتاج اجتماعي يتجاوز الآن و هنا.
ومن هذه الاحداث الهجرة الدموية لشبابنا نحو مناطق التوتر في العالم من 2013 مع بروز نواة الوباء الداعشي اللعين والذي انتشر على ألسنة دعاته ومموليه في الداخل والخارج وهم معروفون ولكن التجارة السياسية جعلت البلاد في «سوق ودلال». الكثير من الشباب التونسي سقط ضحية «دمغجة ممنهجة» سبقتها عملية تفقير ثقافي واجتماعي وتربوى أسرى، و تتفيه اعلامي فكانت الحصيلة ألاف الشباب التونسيين الذين تحولوا الي حطب للدولة الاسلامية بالعراق و الشام هذا الرهان الفني و الاخلاقي جعلنا نكثف في البحث عن أثر أدبي له من الأهمية ليطرح هذا الموضوع الشائك وبزاوية فريدة .فألتقينا كعاشقين مع رواية «كنت في الرقة، هارب من الدولة الاسلامية» للصحفي الهادي يحمد رواية أخذت موضوع الارهاب المهاجر من زاوية شاب تونسي اعترف بما رآه و عايشه من ارهاب في كيان ارهابي.فاختطفنا بمودة هذا الأثر واشتغلنا في تفاصيله أنا والمبدع وليد الدغسني. مع تشجيع ودعم من الكاتب «الهادي يحمد».
في المسرحية «هارب من الدولة» تكررت كثيرا كلمة «الوطن». أي وطن يريده منير العماري؟ ماهي مميزات هذا الوطن المنشود على المستوى الثقافي خاصة؟
الوطن أمان هذا الاحساس الذي يعيش لأجله الرجل والمرأة والطفل والشيخ، ويطمح أن يزرع في ارضه الميت حين يغادر الحياة .أريد وطنا يحتضنني حين أتعب، يراقصني حين أسعد يرافقني ان ضللت الطريق . ويفتخر بي في نجاحاتي. وطني عترف بي، ويؤمن بي كانسان وكفنان ومثقف.

• في أغلب الاعمال التي قدمتموها كانت السياسة رافدا أساسيا في النص فما العلاقة بين المسرح و السياسة ؟هل المسرح مسيّس بالضرورة ؟
كما ذكرت سابقا فان المسرح مسيّس رغم أنفه أي بالضرورة والضرورة هنا هي مواجهة دائمة للحقائق الزائفة التي تنتشر في عروق الجسد المجتمعي كمخدر يلهى الافراد عن وعيهم بالحياة ويدفعهم إلى الاضطراب الذات .فيعيد المسرح والمسرحي تصوير اليومي بكل نتاجاته السياسية و الاقتصادية والاجتماعية والاخلاقية والفنية على الركح و يبحث في التفاصيل .التفاصيل التي يتحكم فيها رعاة الدولة بمؤسساتهم و مشرعيهم ويدفعون لمشاريع حسب اهواءهم الفطرية و التي في اغلبها نتاج لعقد شخصية ، ليجودوا علينا كل فترة بمسخ اعرج منمق مزين لا ينتمى إلينا .فيكون للمسرح دور في الإصداح بالحقيقة وكسر جدار الصمت.

• لم التوجه الى الطرح الفلسفي في الاعمال التي تقدمونها؟ «دون كيشوت» و«الماكينة» و«شياطين أخرى»؟
لا مفر للانسان من البحث عن ماهيته ،من يكون ؟ماذا يريد؟ والي أين المسير؟ ان الطرح الفلسفي ينتج في فكر الكاتب ليتحول مجزءا في افكار الفاعيلين في العرض و قد تختلف الرؤى الفنية و الاطروحات الفلسفية من فرد الي آخر بنفس المجموعة. فوليد الدغسني له أطروحته باعتباره مخرج هذا الاعمال الرائعة . أما أطروحتى الدائمة فهي : تكمن العظمة في اعتراف التاريخ بك ،على أن تكون انت صانع هذا التاريخ.

لا يستطيع الانسان ان يتحدث عن أثر يخلده ان لم يتحرك لخلق هذا الأثر: ان كان جيلا يرث فعله أو جمهورا يتبع منهجه و فكره.

• من وجهة نظركم ماهي قيمة المسرح في المجتمع ؟ و هل ما يقدم اليوم يمس كل شرائح المجتمع ام هو فقط موجه للنخبة؟
المسرح وسيلة للتفكير، للوعي بالزمن ،يهذب المجتمع ،يقوم بالتسويق و الدعاية لدمقرطة المجتمع قيمة المسرح تختلف حسب تلقف المتفرج ،و هنا اتحدث عن المتفرجين كأفراد و ليس كجماعة ،لأن لكل فرد أهواءه ,لذلك فان حديثنا عن المجتمع ككلية هو تزييف للحقيقة.
والحقيقة أن المجتمع التونسي 10 ملايين شخص قادرون على الفرجة المسرحية اغلبه لا يشاهد المسرح ،لا يؤمن بأهمية المسرح ،لا يسعى للتأثر بالجمال ،لا ينتبه لقراءة العلامات على الركح .لا يسعى لتنبيه الحواس لا «يشترى» تذكرة للمسرح المتفرجون الاوفياء قليلون وهم موسميون (المهرجانات المسرحية) مع الاشارة إلى تفرد بعض الفضاءات المسرحية لاكتسابها سمعة جذبت لها جمهورا حضوره دوري لثقتهم في المؤسسة و القائمين عليها و منها فضاء التياترو والمسرح الوطني والمركز الوطني لفن العرائس، وما أتمناه أن يصبح ذات يوم و بعد عمل جاد من القائمين على الثقافة والتربية و التعليم في تونس، أن يصبح الفن كرغيف الخبز لا نقوى على الاستغناء عنه في طبقنا اليومي.
الحديث عن المسرح و مدى وصوله لكامل شرائح المجتمع وموضوع النخبة فهذا الامر معقد فانا ارى ان المجتمع التونسي منقسم الي جزءين .جزء أول نخبة تتوفر لها فضاءات عرض ومؤسسات ثقافية وانتاجات فنية تقوم بعروضها الدورية و الشهرية والاسبوعية فكل هؤلاء قادرون للوصول لفضاء عرض فهم من النخبة ،دون أن أغوص في المستوى التقبلي للفن و المستوى الفكري للمتقبل، اما بقية المجتمع فلا يعرف معنى للثقافة الا من خلال ما يسمعه عبر الأثير فهم اللانخبة :هم المهمشون على الأرض .

• العمل في اطار مجموعة» كلندستينو «ماهي ايجابياته؟ ومقومات القوة فيه ؟
العمل مع مجموعة «كلندستينو» يعني الاستقرار الفني، العمل على مشروع مع نفس النواة الفنية ثقة متبادلة، ديمقراطية تشاركية، و«برشه محبة» واحترام. وأهم نقاط القوة في هذه المجموعة هي أفراده نفسهم .وليد الدغسني وأماني بللعج وسهير اللحياني.
كيف يشرح منير العماري المشهد المسرحي التونسي؟ وانتظاراتكم الفنية للعام الجديد؟
المشهد المسرحي في حالة مخاض، العديد من الاصوات الحرة بدأت تقتنع بأهمية التصريح بكل ماهو سيء و نقده و فضحه ،لا يمكن البناء على أرض ضحلة المهم هو اقتلاع الأعشاب الضارة و ترك المجال امام الفاعلين المسرحيين والمبدعين والمفكريين والمنظرين، وما على وزارة الثقافة سوى تسهيل هذا المسعى بالتقليص من الدوامة البيروقراطية الجوفاء ،على الدولة(المشرع) ان تدعم الثقافة لا ان تشجعها فقط .على الدولة أن تنتدب الفاعلين المسرحيين الاكادميين في المؤسسات ذات الخصوصية المسرحية والثقافية لتقريب المسرح لكل شرائح المجتمع .
وعلى المسرحي ان يتجاوز الفعل المسرحي المعتاد (تمثيل واخراج وتكوين) نحو أبعاد أخرى نحن نعمل هذه السنة على العديد من المشاريع الفنية الجديدة كتابة و اخراجا وتمثيلا مع تواصل عروضنا المسرحية إنتاج «كلندستينو».
وما أرجوه في هذا العام الجديد 2021 ان نستفيق من غيبوبتنا وأن نتخذ قراراتنا الحاسمة وننطلق نحو انقاذ أنفسنا والأجيال القادمة بكل صدق وحب وأمانة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115