رواية «دمع أسود» لعثمان الأطرش: «حين يصبح الدمع الأسود حبرا للحرية»

الكتابة صرخة حياة، تعبيرة عن تمسك بكل الحقوق هي دعوة مباشرة للانسانية، الكتابة صوت داخلي يدعو الى الثورة على كل القيم الخاطئة

ثورة على فكرة العنف والغطرسة والعنصرية، صوت يقول ان اكتبوا وعبروا عن وجع السود وما تتركه العنصرية من اذى نفسي يعايشهم هكذا صرخ عثمان الاطرش قصراني في روايته «دمع اسود».
«دمع اسود» رواية تكشف عن قبح العنصرية وتنتصر الى المحرومين والمهمّشين والمنبوذين، رواية صدرت عن دار نقوش عربية جاءت في «186» صفحة وكاتبها من مواليد مطماطة التونسية يدرس اللغة العربية وادابها في المعاهد الثانوية في رصيده «مطماطة» و«قروح الحب» و«دمع اسود».

العنصرية لوثة النجاح دواؤها
تصعب الكتابة عن ابداعات الكتّاب والامهم التي يسكبونها على الورق لتكون بتلك الجمالية، الرواية السفرة، سفرة في التاريخ والجغرافيا هي رحلة زمكانية ونفسية تنطلق من الجنوب التونسي الى مدينة تولوز الفرنسية فالمغرب فعودة الى الحمامات التونسية، جولة جغرافية تتماهى مع رحلات نفسية ومغامرات تعيشها ابطال الروايتين، فدمع اسود هي رواية داخل الرواية، تتشابك فها عملتي السرد والحكي ويتغيران حسب القصة.

القصة الاولى يسردها «مبروك بوعبيد» ابن الجنوب التونسي الذي عاد من فرنسا بعد اتمام الدراسة ليجد مخطوط في احد المنازل المهجورة، مخطوط منسي اوراقه صفراء قاتمة كتب فوقه «سعدية شوشان» ليحيل عملية السرد الى سعدية وتبدأ الرحلة النفسية التي يعيشها القارئ.

«دمع اسود» تعرية لقتامة العنصرية كشف لسوء البعض تجاه من يختلف عنهم في لون البشرة، سعدية شوشان ابنة «المغبونة» القرية المنسية في الجنوب التونسي، ولدت ببشرة سوداء لكن بياض العلم سكنها لتصبح سيدة السود فكرا ومعنى، في الرواية يسلط الكاتب الضوء على مشكلة العنصرية ووجودها الى الراهن رغم القوانين والمواثيق التي تلغي العبودية و ولكن مرض العنصرية ونبذ الاسود لازالت ملامحه موجودة في المجتمع التونسي الى اليوم على غرار منع زواج الابيض من السوداء وعدم قبول ان يكون للاسود مكانة علمية مرموقة وغيرها من التفاصيل اليومية التي يعيشها المختلف في لون البشرة في المجتمع التونسي.

يتتبع الراوي حكاية عاشقة العلم، تلك الفتاة المنحدرة من أسرة بسيطة تعيش أزمة نفسية دائمة بسبب اختلاف بشرتها وسخرية الأتراب من لونها، تتمسك بحبل العلم حدّ الحصول على جائزة يوم العلم ومصافحة رئيس الجمهورية «»هذه البنت ستقتلع من قريتنا السوداء كل الأشواك، ستزرع النعومة على جلودنا الخشنة، كل أهل المغبونة يعنيكم هذا المصباح، كلنا أي السود فرحنا وأقمنا الولائم لما صافحت يدها يد رئيس الجمهورية البيضاء، سعدية وسط تماثيل الشمع من المتورمين بالمال، سعدية بسوادها أنارت قلوبنا» (صفحة 19 و20).
ثمّ السفر الى «تولوز» لإتمام شهادة الدكتوراه، الشهادة التي لم يسبق أن حصل عليها أبيض في قريتها.

«سافقأ عينيها الاثنتين بشهادة لم ينلها ايّ ابيض من أهل قريتي» (صفحة25)، يتتبع الكاتب بدقة تفاصيل الرحلة النفسية والاجتماعية والصراع الذي تعيشه الشخصية بين فكرتي الابيض والأسود، الأمل والالم، العلم والجهل ، وكل تلك الصراعات والمتناقضات تكون زادها للنجاح وفي الوقت ذاته لابراز بشاعة العنصرية وقتامتها.
«العنصرية» مرض قاتل، من قتامته تريد سعدية التحرر ومحاولة ترميكم كيانها الداخلي لتستطيع التمتع بنجاحها العلمي وتفوّقها، في تولوز تكتشف أناسا أكثر إنسانية تجد من يحترم اختلافها وتجد مجتمعا ملونا لتمتزج معه وتتماهى لكن جراح الطفولة لا تندمل بسرعة وتلازمها كلما قابلت شخصا ابيض.
في الرواية ينتصر الكاتب للإنسان، يكشف قبح العنصرية وبشاعة نبذ الآخر لاختلافه عنك، هي انحياز للإنسان ودعوة للتحرر من فكرة «السيد والعبد» الموجودة في المجتمع، هي انتصار للأسود واقتراب أكثر منه من ذكرياته وقصصه، بحث عن الصفاء والبهاء داخله «سعدية سمرتها كعتمة يبددها بدر، كغرفة ينيرها فانوس، في صمتها إشارات وفي عينيها سحر وغموض، في النهاية أجدني معنيا بها، ابحث عن المختلف، ابحث عن الزجاج المكسور وشظايا المعنى المنثور» تماما كما فعل حسن علام حين رأى بقلبه جمال سعدية.
رواية «دمع أسود» تميط اللثام وتسقط الأقنعة عن أذى العنصرية وترسم مسالك الخلاص، رواية تكشف أن وحدها الإنسانية هي الفيصل فكم من اسود كان أكثر نقاء وصفاء روحي من الأبيض وكم من اسود استطاع كسر كل الحواجز والتحليق في سماء النجاح والحرية وكم من ابيض فعل ذلك، هي محاولة لترسيخ ثقافة الإنسان بعيدا عن اللون أو الجنس والدين.

العلم سلاح الصادقين
«دمع اسود» الرواية الانسانية، رواية مكتوبة باوجاع الاخرين حبرها الم المنوذين وخوف المختلفين، كلماتها عصارة الالم الذي سكن امراة سوداء، حروفها تتماهى مع رقصات البوسعدية الموجعة في رحلة بحثه عن ابنته، لجملها سحر ايقاعات القمبري ورقصات الزنوج وعذاباتهم « هناك في قريتي البائسة لنا مع الهبلة مواعيد، نعرف انّ البيض يسخرون من جموحنا خاصة لما تقرع الطبول وترتفع نغمات المزمار او ترانيم المزود، يقولون ان عظامنا موش صحيحة، نرقص بلا نظام واحيانا بعنف لا مثيل له، رقص بما يشبه الجنون، البيض وحدهم يشاهدون، وحيدة الشمطاء سمعتها تقول: هبلة وصفان» (صفحة57).
في الرواية دعوة صريحة الى التعليم والتشجيع على المعرفة، فالم المنبوذين شفاؤه العلم والنجاح ووجع السود دواؤه التفوق العلمي والمعرفة حدّ الشعور بمصالحة ذاتية مع اللون المختلف ثم الاعتزواز به وحمله هوية وثقافة كما فعل «سيدار سينغور» «العلم متى احبه طالبه استحال فاكهة تساّقط من السماء لا يلتذّ بمذاقها المريده» .
العلم سلاح الحالمين، بالعلم رفعت سعدية شان قريتها المنسية، بالعلم اعادت الثقة للجميع ليحلم ويطالب بحقه في التميز بالعلم استطاعت ان تكتشف عمق الذات «مرايا العمق تعكس الوانا اخرى تريك بهاء روحك ونقاء فكرك وحسن فعلك» (صفحة53)، في الرواية دعوة صريحة للتمسك بالعلم لانه سبيل النجاة من كل الامراض هو وسيلة التصالح مع الذات وافتكاك الحقوق، العلم سلاح وجب التمسك به، بالعلم استطاعت سعدية كمسر شوكة العنصرية وبالعلم استطاع «مبروك بوعبيد» كسر شوكة غطرسة العمدة والاغنياء وسرق احترامهم لوالده واستطاع «ابن الراعي الحصول على شهادة جامعية رغم عرقة الجميع لاحلامه»

• من الرواية:
اليوم أعود لارفع راس ابي بين اخوته واعمامه الذين سخروا منه وقتها، عمي خميس سمعته يقول «باش يجيبلك اللويز، احنا سرّاح واولادنا سراح» (صفحة 13)
«هذه البنت ستقتلع من قريتنا السوداء كل الاشواك، ستزرع النعومة على جلودنا الخشنة، كل اهل المغبونة يعنيكم هذا المصباح، كلنا اي السود فرحنا واقمنا الولائم لما صافحت يدها يد رئيس الجمهورية البيضاء، سعدية وسط تماثيل الشمع من المتورمين بالمال، سعدية بسوادها انارت قلوبنا» 5صفحة 19 و20)
«رايت في الريح وشجيرتي التي تتوسل بنحيب لا يسمع، العنصرية الساكنة في عيون الناس في قريتي وفي عيون كثيرة، هذه العاصفة لا ترى، لكنها تقتلع جذور المعنى وتكسر اغصان الحب وتخدش باظافر غير مقلمة مشاعر الاسود وتدفعه اما الى الانكفاء كتلك الشجرة او الى الثورة والتمرد» (صفحة31).
«سيدار سينغور احبّ لونه، وعاش الزنوجة هوية وثقافة وروحا، بلا خوف بلا تردد، نزع ثوبا باليا، ثوب النقيصة والفجيعة والخواء، لم ير السواد نقيصة او شتيمة» (صفحة 52).

«السعادة ليست قالبا جامدا، هي طيف يجري لا يثبت ونحن نطارده في الادغال، على جادات الشوارع المزدحمة، في الحانات وعبق الشتائم وسحابات السجائر الغاضبة، في المساجد وطمأنينة القلوب الخاشعة، في الحرير الناعم وفي الجوارب الممزقة، قد نصادفه وقد يصادفنا، قد نخطئنا وقد نخطئه ولكن قدرنا ان نتعقبه بلا كلل ولا ملل» (صفحة 77).
«السود مفعولية تبحث عن فاعلية سود الجنوب التونسي» الموضوع احضرته في حقيبتي وقد املته علي العيون المشيعة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115