التجربة التشكيلية للرسام شاهر الماجري: فنان ينحت ذاته ألوانا ويغازل الطبيعة والتجريب

يلاعب الالوان كطفل صغير، ينثرها بشغف على الورق الابيض ثمّ يحركها بعشوائية، طفل يلعب مرة يستعمل يديه الملطخين بالألوان وأحيانا يستعين بالفرشاة.

تتحرك الألوان على البياض تمتزج تكتب قصة عشق يعرف الرسام كنهه وشيفراته فالرسم هواية ومهنة وحلم متجدد لدى الفنان التشكيلي شاهر الماجري.
تجربته التشكيلية متعددة المعالم والمواضيع يتجول بين ربوع الفن من التجريبي الى الواقعي ومن الرومنسية الى البورتريه، يغير محامل الرسم من الورق الى الخشب الى الريشة ويصنع عوالمه التشكيلية المختلفة زاده الالوان وحبّ الفن وشغف طفولي بالرسم.

دع اللون يحملك الى عوالم الخيال
تتماهى الالوان المختلفة وتنسجم كانسجام الفنان مع لوحته لتكون النتيجة لوحة جميلة مسكونة بروح صاحبها، اخذت منه حبه للرسم وأعطته شحنة من الحب ليواصل ابداعه في بقية أعماله التشكيلية هكذا يحملك شاهر الماجري الى عوالمه التشكيلية البسيطة المشحونة بالحب، يدعوك لتعايش الرسم بطريقته الخاصة فهو يرسم بشغف الاطفال ويحرك الوانه بحبّ العشاق ويتماهى مع لوحته تماهي الوليد مع حضن امه.

تجربة تشكيلية تونسية مختلفة يحاول صاحبها صناعة ذاته التشكيلية الخاصة من حيث طريقة الرسم او المواضيع التي يرسمها وكذلك المحامل التي يرسم عليها، شاهر الماجري فنان متعدد ومتنوّع فهو حينا يعشق الطبيعة ويحفر في الذاكرة ويرسمها بألوان زاهية تبعث في مشاهدها الكثير من الطاقة الجميلة، وأحيانا يميل الى المدرسة التجريبية فيخوض غمار الحركة ويترك لريشته حرية فتح كل الابواب الموصدة و التجريب لتكون اللوحات غامضة الوانها داكنة تجمع الاسود مع تدرّجات الازرق والأصفر الوان تحيل الى السؤال وتسكن فكر المتأمل بأسئلة عديدة.
للخط العربي الساحر حضوره في لوحات الرسام الشاب يطوع الخط ليصنع كتابات ولوحات تعبر عن ذاته، الخط العربي يصنع منه لوحات كبيرة الحجم وكانه يدافع عن اللعربية بالرسم.
للرسام حكايتة مع الالوان، فالألوان عنوان للداخل هي وسيلته ليدخل الى اعماق روحه يكشف غموضها ويستكشف اغوار المهتمين باللون وحكاياته لينقلها بهية واضحة على المحامل المتعدّدة، الالوان احيانا داكنة طبيعية ومرات يدخل عليها القماش و الاوراق لتختلف الرسائل اختلاف التقنيات التشكيلية المستعملة، بعض اللوحات تسكنك بالسؤال وأخرى تدعوك لتطلق لخيالك العنان وترتمي في عوالم الالوان وتسترجع روحك الطفولية المخبّأة في مكان ما، الالوان عالمه واغلب لوحاته يكون اطارها ذهبي اللون والذهبي عادة ما يحيل الى السموّ والشموخ وتلك رسالة الفنان التشكيلية «السمو باللون واللوحة الى مصاف الفكرة المتمردة البهية».

الريشة محمل للرسم والتجديد
المرأة عنوان للحب فهي الام والطبيعة والأنثى مانحة الحياة، في لوحاته تكون المراة عنوان للحرية يرسمها عارية ويشع من جسدها ضوء اصفر يتماهى مع اشعة الشمس وكان بالرسام يقول ان جسد المرأة ليس بعورة وجب دفنه تحت القماش بل جسدها ثورة لانها تمنح الخلق والحياة.
المرأة في لوحات شاهر الماجري تتحرر من الجسد لتصبح فكرة، فهي فكرة الجمال والبهاء والاختلاف ولانّه يبحث عن الاختلاف ابتكر طريقته الخاصة ومحامله المميزة اذ استعمل الريشة محمل للرسم فالريشة عوض ان يرسم بها تصبح هي محملا يرسم عليه، الريشة الصغيرة الحجم استطاعت حمل افكار شاهر الماجري المختلفة، فرسم عليها مشاهد طبيعية ورسم ابواب المدينة العتيقة وازقتها ورسم على الريشة وجوه نساء سكن الذاكرة ووجوه شيوخ فالريشة اصبحت كما الكتاب المفتوح يحتضن الافكار المنسابة والألوان الهائمة تمتصها لتكون لوحة مختلفة فكرة ولونا ومحملا.
وفي اطار التجديد ايضا يبدع الماجري في الرسم على الخشب، بعيدا عن الورق او القماش الابيض اختار الماجري ان يكون الخشب بلونه البني الفاتح محمله للرّسم، والمميز في الفكرة دمج الالوان بطريقة تشد الانتباه ومن سحر الخشب وقوته يجدد محامله وأفكاره وألوانه ايضا.

الذاكرة خزّان الوان وحركات تشكيلية مميزة
الوانه تبعث في متأمّلها طاقة مميزة، الوان زاهية تحاكي ما تخزّنه ذاكرته البصرية من الالوان الطبيعية التي سكنته صغيرا وهاهو يحولها الى رسومات ولوحات تشكيلية بكل حرفية، سكنته طبيعة الريف وامتداده فكانت اعماله مشحونة بالطاقة وكبيرة الحجم في الكثير من المرات.
استنشق في ريف قعفور عطور زهور الربيع وبعد اعوام تحوّلت تلك الروائح العطرة المختلفة الى زهور يرسمها بألوان مختلفة، فهي مرة بيضاء ناصعة تتماهى مع زهرة «البابونج» و احيانا حمراء قانية وكانه يلامس ذكريات الطفولة في حقول «البوقرعون» الجميلة المنظر تلك الزهرة البرية الحمراء الشامخة بساقها الرقيق نجدها كثيرا في رسومات شاهر الماجري فهو يحوّل ما اختزنته العين والذاكرة الى لوحات تشكيلية وكاّنه يريد لجمهوره مشاركته في بهاء الريف وسحر الطبيعة.

الذاكرة هي خزّان الرسام في الكثير من أعماله ألوانه المتجانسة والمتناسقة تتماهى مع الوان الطبيعة الغنية بالزهور والألوان فصل الربيع والشتاء أيضا فربوع «قعفور» ومعها كل ولاية سليانة تشبه «الزربية» الطبيعية المسكونة بالالوان في كل الفصول، تلك الالوان اصبحت المادة الاولى للحركة التشكيلية شاهر الماجري يوزعها بطريقة مبهرة ويبتكر طريقا متجددة للرسم كأن يضع اللوحة في القاعة ويعلق بحبل اناء دهن يضع داخله اللون او الالوان التي يريد ثمّ يدفع ذاك الاناء ويتركه يتأرجح لوحده ويسكب الالوان على اللوحة الموضوعة في القاعة الى ان تنتهي الحركة مع نضوب اخر قطرة من اللون وحينها تكتمل اللوحة وتكون مميزة لونا وحركة، وأرجحة الاناء تشبه كثيرا فعل ارجحة الطفل الصغير وما يتركه في نفسه من حبّ الانطلاق والحرية والناظر الى العمل بعد انتهائه سيجد انه حقا يشجعه على الحرية والانطلاق الى فضاء الالوان الرحب كما طائر السنونو رمز الربيع.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115