الباحث والفنان والمدرب نزار الكشو لـ«المغرب»: مسرح الشارع تعبيرة فنية ثائرة وجب تقنينها

فنان متفرد صنع فنّه بشغف طفل صغير، عشق المسرح واختاره هواية فمهنة، احب الشارع واراد ان يكون صوتا للاخرين

يحمل همومهم وينصت الى اوجاعهم فآمن بمسرح الشارع وتمنى ان يكون اسمه «نهج المسرح»، هو نزار الكشو الباحث الذي يستمتع بالاخراج ويعشق التمثيل ويهيم بالكتابة.
نزار الكشو التقته «المغرب» ليفتح ابواب الذاكرة ويتحدث عن مسرح الشارع واهميته في تونس اليوم ويدعو الى ضرورة إيجاد هيكل قانوني ينظم هذا الفنّ لانه نصير الانسان.
• كيف يقدم الأستاذ نزار الكشو نفسه للقراء؟
منذ أكثر من ثلاثين عام وأنا أمارس الفن المسرحي أي منذ أواسط الثمانينات وتدرجت بكل المراتب والأصناف والهياكل مسرح (مدرسي،نوادي،جمعياتي،جامعي وشركات) والآن اعتبر نفسي متفرغا للفن المسرحي والإبداع الفني ورغم أنني بدأت مسيرتي هاويا ومازلت وسأواصل مساري هاويا شغوفا كما أنني مثل زملاء المهنة أحمل بطاقة إحتراف ولي عشرون عاما وأنا لا أستعملها إلا عند الاقتضاء قبل أن أرتل وصيتي واسرد لكم ثورتي.
أنا الفرد المفرد أنا المنفرد المقبل على الحياة بصنوف فنونها. فأنا لست كما رسمتني مخيلتي بل كما رسمتها واستوت رسوماتي لبنة متشظية على جدران الحقيقة رغم تعدد إهتماماتي بكل أركان الفعل المسرحي وصنوفه وتنوع إختصاصاته إلا أنك تجدني كما وجدت نفسي في شارع ان شئت طريق فيه يافطة مكتوب عليها «نهج المسرح» ومنها عرفت نهجي وطريقتي في الحياة الا وهو المسرح الإجتماعي اعتبرته فنا بديلا لما فيه من نفس إحتجاجي ومسار نضالي و في الحقيقة أنا لم أختر مسرح الشارع بل هو من إختارني.
ببساطة أنا نزار الكشو أو كما عرفت بشخصية «الحاج كلون» ممثل ومخرج مسرحي مختص في التدريب والتكوين من مواليد شهر افريل من سنة 1977 بمدينة صفاقس أستاذ تعليم فني متخرج من المعهد العالي للفن المسرحي بتونس دفعة 2003، باحث في مجال مسرح الشارع.
• بالعودة إلى البدايات، انطلقت تجربتكم منذ الطفولة في النوادي المدرسية؟ كيف تقيمون تجربة المسرح المدرسي اليوم؟
بعد أن مارست المسرح المدرسي كتلميذ يبحث عن مكان ليكتشف ذاته ويتساءل عن نفسه وما يريد بل يبحث عن فضاء منفتح لمزيد تمتين شخصيته سواء في المرحلة الابتدائية أو المرحلة الثانوية فإنني مدين للمدرسة وعوالمها ومدين للمنظمات والجمعيات التي ساهمت في اكتشاف موهبتي ووفرت لي الفضاء لتقديمها ومحاولة صقلها (الكشافة التونسية، المصائف، وسياحة الشباب) وكلها هياكل إلى جانب المدرسة هي من استفزت هدوئي و صقلت هيجاني وحددت مساري.
أما الآن و منذ السنوات الأخيرة بعد أن كنت في دائرة الفعل متفاعلا حينا ومنفعلا أحيانا، أصبحت الآن فاعلا وفعالا في الآن نفسه صحبة مجموعة هامة من الزملاء المتخصصين وبإشراف من الأساتذة المتفقدين وبمباركة من جمعية أساتذة التربية المسرحية انطلقنا في تثبيت الفعل المسرحي داخل الفضاء المدرسي بتخطيط وبرمجة واضحة المعالم مما جعلتنا نعيد الروح من جديد وخلق حركة مسرحية منفتحة على الفضاءات الأخرى ونظر لنجاح العلاقة بين المدرسة والفعل المسرحي نجح مشروع الدورة الأولى لأيام قرطاج للمسرح المدرسي ضمن فعاليات الدورة الأخيرة من أيام قرطاج المسرحية.
• تعملون في مسرح الشارع وتدافعون عنه؟ هل يمكن الحديث عن مسرح شارع في تونس؟ وما معنى «مسرح الشارع» هل هناك رسالة محددة يمكن ان تقدم في الشارع؟ أكثر من الفضاءات المغلقة؟
بسبب الثورة التونسية تحررت شوارعنا من القبضة الأمنية ورقابة السلطة وانتقل الشارع من مكان للزجر والمطاردة والتحقيق وتضييق الحريات إلى فضاء للإلتقاء والحوار ومناقشة الشأن العام فظهرت عديد التعبيرات الثقافية المختلفة كشكل جديد يحمل بدائل فنية وبمرور تجربة الانتقال الديمقراطي ازدهرت فنون الشارع بشكل ملفت للإنتباه مما خلق حركية ثقافية شبابية منخرطة في نسيج المجتمع وساهمت مع بقية الحساسيات والمنظمات والجمعيات في خلق مجتمع مدني قوي ومن بين التعبيرات الثفافية نجد فنون الشارع ومن بين فنون الشارع نجد مسرح الشارع.
لنتفق في البداية ان مسرح الشارع ليس وليد الثورة المجيدة ولكنه وجد عنفوانه وعافيته فيها بل ساهمت في إبرازه والتعريف به فهو جزء من المسار الثوري لأنه يحمل صفاته وله بعض مواصفاته مثل النضال والاحتجاج والدفاع عن حقوق الإنسان والمواطنة قد قمنا بالعديد من المحطات الإبداعية مثل تكوين وتدريب الشباب على الاحتجاج بالمسرح الاجتماعي.
• هل أصبح من الضروري بعث هيكل لمسرح الشارع؟
رغم وجود هيكل ينظم القطاع بصفة عامة إلا ان مسرح الشارع يعتبر فنا صعبا بل صعبا جدا إلى حد القسوة وخاصة إذا اعتمدنا على أساسيات العرض ومقوماته بعيدا عن الفولكلور وكل ما له علاقة بالعروض التنشيطية.
أنا اعتبر أن المرفق العام وخاصة شوارع الوطن هي فضاء خاص بالمواطن وليست حكرا على الدولة لأن الدولة هي آلية بيد المواطن بالتالي فإن احتفال السلطة انتهى وحان وقت سلطة الاحتفال بمعنى لا نخرج «لضرب البندير» وقرع الطبول والتصفيق والزغردة بإنجازات السلطة بل نخرج احتفاء بنجاح المواطن في بقائه وإبقائه على أبنائه في وطنه وهو يتمتع بحقوقه كاملة ويقوم بواجباته شاملة.
• بالعودة إلى تجربتكم في مسرح الشارع كانت الانطلاقة بعد أحداث الحوض المنجمي 2008 وتواصلت مع الثورة واخترتم الشارع فضاء للتعبير؟ ايّ تداخل وتكاتف بين المسرحي والسياسي؟
يمكن اعتبار أحداث الحوض المنجمي هي اللحظة الواعية للانخراط في مسرح الشارع وذلك بتقديم سلسلة من العروض الفردية حول أوضاع عمال المناجم بعنوان «عامل،عملة» ورغم التضييقات انضممت إلى الاتحاد العام التونسي للشغل في صلب النقابة الأساسية للمهن الدرامية إبان تأسيسها إلى أن جاءت الثورة التونسية فقدمت عرضا فرديا سنة 2011 بعنوان «عامل النظافة» ينطلق من موضوع الأوساخ في الشارع إلى الأوساخ في العقول وخاصة تنظيف البلاد من النظام السابق ورموزه. إلى أن جاءت اللقاءات في القصبة هي التي جعلتني انضم إلى عديد المجموعات أهمها «فني رغما عني، وقمت معها بعديد الأعمال وشاركت معها في عديد المشاريع ومن كل المواقع وخاصة من موقعي كخبير دولي في التخطيط والتدريب والتكوين ورئيس لجنة الخبراء والحكماء بالجمعية.
ثم واصلت تقديم العروض بشكل فردي إما بشخصية «الحاج كلون» أو شخصيات أخرى مبتكرة إلى أن قدمت في أواخر 2019 عرضا بعنوان «وقفة إحتجاجية». موضوعها حول ضياع الوطن والعمالة والخيانة والبيع والشراء وقدمت العرض الأول في العراق ضمن الدورة الخامسة من مهرجان كركوك الدولي لمسرح الشارع.
في الحقيقة يعتبر التداخل ببن السياسي والمسرحي خيارا واعيا لأن الفعل الإنساني محكوم بالوعي واللاوعي من جهة و بالآن والهنا من جهة ثانية فهذا التداخل هو انصهار مع هموم الناس والتحام مع قضايا المجتمع. وهو جوهر مسرح الشارع.
• ما هو «مشروع الزلزال» ؟ كيف لك أن تقدّمه؟ وهل بالمسرح يمكن للمواطن أن يمارس مواطنته؟
les ils et les elles هو مشروع هام في حياتي لأنه كان إختيار حاسم في مسيرتي العلمية والعملية ولعل الحدث الأبرز الذي جعلني أقرر التخصص في مسرح الشارع بكل وعي ومسؤولية هو ما حصل في قفصة سنة 2008.
إذن على إثر أحداث الحوض المنجمي وتداعياتها بدأت في صياغة مشروع les ils et les elles (هم وهن) (الجزر والأجنحة) ولتخفيف الزلزال وهو عبارة عن قافلة تكوينية للشباب في مجال التمثيل ( الممثل المواطن) وهذه القافلة تطوعية لمدة شهر كامل في كل ولاية لتأطيرهم (24 شهرا) مع إضافة (4 اشهر) لأربعة ملتقيات اقليمية ونختمها بمعسكر وطني لمدة شهرين في الصيف وهذا المشروع ينتفع به 4800 شابا،وهو بحث ميداني لالتقاط عينات اجتماعية تنتمي لشريحة شبابية تتراوح أعمارهم من 14 سنة الى 24سنة .
فأنا جندت نفسي للبلاد التونسية تطوعا لتنفيذ هذا المشروع لمدة ثلاث سنوات كاملة ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن بعد المماطلة والتسويف لدى وزارة الثقافة سنة 2009 قررت تقديمه لوزارة الشباب بمناسبة تظاهرة تونس 2010 سنة دولية للشباب فرحبوا بالفكرة آنذاك ولكن وقع السطو على المشروع منذ ضبطه في مكتب الضبط... ولم يتسن لهم إنجازه لأنهم غير مؤمنين به.
ومنذ الثورة التونسية وانا منكب في مسرح الشارع بحثا وتدريبا وتكوينا ويشرفني انني ساهمت في تأسيس مجموعات وجمعيات وفرق ومهرجانات واعتبر نفسي من رواد التأسيس لمسرح الشارع في تونس.
• «الحاج كلون؟ لماذا الاسم؟ وما الغاية أو الأهداف؟
في البداية أقول بأن «الحاج كلون» هي شخصية مبتكرة ولها أحداث مهدت وجودها، :سنة 1983 دخلت عالم العظيم شارلي شابلن وأصبحت مهووسا بشخصية «شارلو» وعاشقا لها، 1984 بدأت التمثيل الصامت في الشارع والساحات وانا أتجول بشخصية «شارلو» إلى درجة أنني تمكنت من الإجادة في تقليد «شارلي شابلن» (تجربتي مع شارلو دامت ثلاثة سنوات).
سنة 1987 عندما طرحت الأسئلة التالية « هل هناك شخصية شارلو قبل شارلي شابلن ؟ وعندما قام بتقديم شخصية شارلو هل هناك من جاء قبله ؟ من قلد يا ترى؟»إذا كان هو المبادر وهو من فكر وابتكر فلماذا أقلده وأخلده ؟
لماذا لا ابحث عن ذاتي في ابداع من بنات أفكاري؟ امام هذه الحيرة كان المهرج هو الحل الذي وجدته إلى أن إكتشفت عائلتي السر الذي أخفيته عنهم وه ممارسة المسرح فرفضت رفضا قاطعا هذا الأمر،سنة 1988 فكرت بأن اواصل هوايتي ولكن بأسلوب متخفي كردة فعل لما حصل ولبست قناعا لشيخ عجوز وتقمصت شخصية تجمع بين فن الحكي وفن المهرج واسميتها (الحاج كلون) واستمرت قصتي مع الشخصية اليوم.
• الجديد انكم تخوضون تجربة المسرح داخل المؤسسة السجنية ضمن مشروع تجليات مودع؟ كيف تقدم هذه التجربة؟ هل ستكون مختلفة عن التجارب الاخرى؟
فعلا أنا سعيد بمشاركتي ثلة من الأساتذة المكونين والزملاء المؤطرين لبعث مشاريع مسرحية داخل الوحدات السجنية ضمن برنامج «تجليات مودع».
ومنذ شهرين تقريبا وانا أقدم ورشة في الادماج وتطوير المهارات وإكتشاف الإقتدارات داخل مركز إصلاح الأطفال الجانحين بمجاز الباب الى ان وصلنا لتركيز نواة أساسية لإنجاز عمل مسرحي وهو الآن في مرحلة التحضيرات الاولية في انتظار المرحلة النهائية للتدريبات الختامية يحمل هذا العمل عنوان»درة والخمسة إلي لحقوا بالجرة».
وهذه المسرحية انطلقت من أفكارهم وهواجسهم وهمومهم وأحلامهم فكان الموضوع حول فكرة أحلام وآمال وانتظارات خمسة أطفال إثر مغادرتهم مركز الإصلاح و بعد انقضاء فترة العقوبة و خروجهم للمجتمع وكيفية اندماجهم والأساليب الممكنة لتعديل سلوكهم .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115