أكتب عن صورة الذئب اللطيف يستعطف الناس ليحيا.. أكتب فأنت الحلم يكبر وأنت الأمل الذي به به تشرق شمس الغد.. أكتب» هكذا يقول نص مسرحية «سقوط حر» إخراج رمزي النبيلي إنتاج مركز الفنون الركحية والدرامية بقفصة.
«سقوط حر» مسرحية توجهت إلى الكوريغرافيا والاعتماد على لغة الجسد لنقد ظاهرة انتشار استهلاك وترويج مادة القنب الهندي في المؤسسات التربوية بالإضافة إلى مواضيع اجتماعية تهمّ المواطن التونسي عرضت ضمن أيام المسرح بتطاوين الذي ينظم بالشراكة بين مركز الفنون الركحية والمركب الثقافي ومندوبية الشؤون الثقافية بتطاوين.
الموسيقى مطية للنقد
الجسد عنوان للتعبير، لغة الجسد اختارها المخرج لتكون تعبيرة فنية عن فكرته في مسرحية سقوط حر، اجساد الممثلين تحمل شيفرات العرض، مجموعة من المشاهد الراقصة تحمل الجمهور الى عوالم المؤسسات التربوية، الفضاء فضاءات والزمان ازمنة والأحداث ايضا متعددة ومختلفة، المسرحية تسلط الضوء على موضوع «القنب الهندي» وانتشار الاستهلاك والترويج في المؤسسات التربوية «من يروّج، كيف تدخل «الزطلة» الى المؤسسات التربوية؟ هل التلميذ ضحية وهل هي مسؤولية الأولياء ام المنظومة؟ وأسئلة أخرى تطرح في المسرحية.
طفلة تلعب تمارس طفولتها، تجد نفسها أمام شبح ضخم يمسك سيجارته، يقدم لها «نفس» وفي المشهد الآخر عائلة منشقة وتكون نتيجة الخلاف دخول الفتاة إلى عوالم التدخين واستهلاك القنب الهندي، المشاكل العائلية وطريقة استقطاب التلاميذ هي العامل الأبرز في انتشار فكرة الاستهلاك في المؤسسات التربوية، الموسيقى الصاخبة تكون نصيرا للتعبير عن الانفعالات النفسية فالموسيقى هي عنوان للخوف والفرح، بالموسيقى يعبرون عن لحظات الانتشاء بعد استهلاك المخدرات، هي وسيلة للتعبير عن الاختلافات الفكرية والقطيعة بين الإعلام والمواضيع الاجتماعية، الموسيقى تعبر عن الأفكار وتنقلها الإيقاعات الصاخبة تساند فكرة الدعوة لمزيد الحرص ومراقبة المؤسسات التربوية والاقتراب من التلاميذ لحمايتهم من خطر الاستهلاك فالسجن فالإرهاب.
استهلاك مادة «الزطلة» ينتج عنه السجن وفي السجن تكون عملية استقطاب أخرى ذات بعد ديني، فالسارق يصبح شيخا وله طريقته في الدعوة إلى الجهاد، وبالضحكة والكوميديا تنقد ظاهرة استقطاب المساجين ومن عقوبة الجناية يصبحون شيوخا يدعون إلى التطرف والموت وكأنهم يدعون الدولة لتراجع القانون عدد52المتعلق باستهلاك القنب الهندي.
موضوع مسرحية «سقوط حر» موضوع الراهن بسبب انتشار ظاهرة استهلاك مادة القنب الهندي في المدارس والمعاهد، هو محاولة فنية لنقد هذه الظاهرة ودعوة السلطة لمزيد متابعة ومراقبة محيط المؤسسة وكذلك دعوة العائلة للإحاطة بأبنائها ونداء للإعلام المرئي لطرح المواضيع الاجتماعية الحقيقة والاهتمام بشجون المواطن بعيدا عن ثقافة البوز.
سقوط حرّ سقوط في هوّة السطحية
«سقوط حرّ» عنوان المسرحية، ميزتها الموسيقى وحدها الموسيقى يمكن أن تكون عرضا مستقلا بذاته، الموسيقى تعبيرة فنية مميزة تحمل المتفرج إلى عوالم مختلفة فهي حزينة حينا تدغدغ الذاكرة وانفعالات الإنسان ومرحة أحيانا تزرع فيه البعض من البهجة ، لكن المسرح ليس موسيقى فقط فهناك الأداء والنص والسينوغرافيا وجميعها يمكن نقدها في مسرحية «سقوط حر»، على الرّكح يلتقي المتفرج مع مشاهد غير متجانسة، عبارة عن مشاهد تمّ تركيبها مع عملية «مونتاج سيئة»، الممثلين اجتهدوا في تقديم عمل متناسق لكن غياب التسلسل في المرور بين المشاهد والأحداث أحدث هوّة وفراغا يقلق العين والأذن معا، فالموسيقى والحركة تكون في صعود وفجأة يحدث السقوط والصمت لم يكن موظّفا وكان مقلقا.
على الركح حضر أبناء ورشة المسرح لمركز الفنون الركحية لكن حضورهم لم يكن مقنعا فالصوت شبه غائب لا يصل إلى القاعة ومخارج الحروف كثيرا ما تتشابه وإدخالهم في عمل مسرحي كبير يشبه الصدمة لانّ تجربتهم لا تحتمل الدخول إلى عوالم السوق والتوزيع، في المسرحية كان الممثلون ذوي التجربة نقاطا مضيئة وحاولوا إنقاذ الكثير لكن الفكرة المشتّتة والرؤية غير الواضحة اثّرت على أدائهم والطاقة التي يلعبون بها على الركح، فالتاطير الخاطئ للمثلين ووضعهم في قوالب وخانات محددة أثرت سلبا على طاقتهم ادائهم ، والمشاهد للعمل يشعر انه في قاعة للدرس أمام وضعيات مسرحية وتمارين يتلقاها التلاميذ في دراستهم لمادة التربية المسرحية، تمارين نقدّم على الركح دون طاقة او لعب درامي.
«سقوط حرّ» هو اسم المسرحية عمل ينطق عليه المثل «اسم على مسمّى» فالعمل عبارة عن سقوط حرّ لاسم المسرح في قفصة، سقوط في الأداء و الأفكار وطريقة تقديم عمل مسرحي خاصة وأن الجمهور تعوّد على مستوى فني وفكري معين لمسرح لقفصة، سقوط من حيث التعامل مع ممثلين محترفين ومحاولة قولبتهم في عمل يحدّ من إمكانياتهم الإبداعية، سقوط في الفرجة والنقد والمتعة التي تعوّد بها المتفرج تجاه مسرح قفصة ، قفصة المعروفة بأعمال ناقدة وأسماء مميزة وأفكار مشاكسة نجدها في عرض «سقوط حر» سطحية غير عميقة فهل هو عقم في التفكير؟ أم عقم في الإبداع؟.
«سقوط» حر مسرحية حاولت نقد ظاهرة ادمان التلاميذ و انتشار استهلاك «الزطلة» في المعاهد، هي تعبيرة فنية اعتمدت على الموسيقى و جسد الممثل لإيصال مجموعة من الرسائل عمل يينتهي بنفس مشهد البداية ربما هي دعوة غير صريحة للانتباه اكثر للاطفال لانهم جيل الغد ولهم الحق في الحياة والحلم.
ايمان مماش: «حرباء» على الركح
تصنع شخصياتها تلبسها كفستانها المفضل تنتقل من شخصية الى اخرى بكل الحب، ممثلة صادقة ومقنعة، ايمان مماش تعلمت من قفصة الصمود، ممثلة اختارت المسرح مهنة وحبا رغم الرفض المجتمعي، تحدت الجميع لتكون ممثلة وبعد سنوات أصبح رافضوها من جمهورها، ممثلة لحضورها ابّهة، لها كاريزما على الرّكح تجذبك عنوة إلى عوالمها، الممثلة تشبه «الحرباء» فهي تتلون حسب الشخصية تعطيها من روحها وتلبسها من فكرها لتكون على الركح أيقونة تشد الانتباه وترتقي بالعرض.
إيمان مماش من سوس إلى حديث الجبال إلى ارتباك إلى أليس في بلاد العجائب إلى سقوط حرّ وتجارب أخرى أثبتت فيها أنها ممثلة من طينة الكبار تقنع، تحبّ ما تقدّمه على الركح، عشقت المسرح فأعطته وقتها واهتمامها ونجحت في نحت مسيرة قصيرة ربما لكن لها بصمتها.
لسعد حمدة: حضور متميز وأداء مقنع
ممثل مختلف، مجرد حضوره على الركح يضفي قيمة للعرض لسعد حمدة الممثل المتحوّل والمتغير له قدرة على اقتباس وأداء أكثر من شخصية في عمل واحد ويقنع المشاهد بجميع الشخصيات، في سقوط حرّ أدّى شخصية «المثلي» فأتقن المشية والحركة وشخصية الباحث فكان صارما حازما وشخصية المدمن، شخصيات تختلف تركيبتها النفسية ولكن ملامحها الجسدية أتقنها لسعد حمدة بكل حرفية وكان أداؤه ممتعا وكعادته يدفع الجمهور للضحك وسط النقد والكثير من الوجع، لسعد حمدة تجربة بين التمثيل والاخراج، من سوس الى حديث الجبال فارتباك وسقوط حرّ وتجربة جدّ مميزة مع سجن قفصة ومسرح الشارع.
مسرحية «سقوط حرّ» لرمزي النبيلي ضمن أيام المسرح بتطاوين: «يمكنك الاكتفاء بالموسيقى وتناسى الفرجة ...»
- بقلم مفيدة خليل
- 09:37 14/09/2020
- 1148 عدد المشاهدات
«أكتب لأنك ستبقى حيا ما دمت تكتب.. أكتب عن زمن صارت الجهلة فيه تحلل وتناقش.. أكتب عن أوطان بأبخس الأثمان بيعت..