الفيلم الوثائقي «على خطاوي الحرف»: الشعر «يمكن يكون رصاص، يمكن سيف»

أغوته الصحراء، سرقت فكره وقلبه، جذبته اليها إلى حكاياها إلى اشعارها وتفاصيلها، زوّدته بطاقة عجيبة من الحب والسحر فاختار الكاميرا

لتوثيق كل تفاصيل «العشقة» الصحراء، تتبع الحرف وصعد درجات الشعر حدّ التماهي مع نجوم الصحراء وأقوالها وأفكارها.
أعادت إليه الصحراء بامتدادها وأشعارها روحها المتقدة للحب والمترقبة للأمل فانهمك في تتبع «خطاوي الحرف» لأعوام وبعد رحلة التقفّي تلك امتع الجمهور بفيلم «على خطاوي الحرف»، رحلة تتبع فيها خطاوي علي بن لسود المرزوقي والعيدي بنبلغيث وسالم بن عمران والبشير قريرة وعلي بناجي ومنير بن نصر وخليفة اللطيفي ومحمد بن ضو والشريف بن محمد ورمزي بن خليفة وعبد المجيد البرغوثي جميعهم تبعت الكاميرا لحظات ولادة الكلمة عندهم في فيلم من اخراج محمد صالح العرقي ومساعد مخرج مروان المدّب والفيلم مهدى الى روح عدنان المدّب الذي كان احد اعضاء الفريق قبل رحيله.

الشعر مقدّس كما القران
موسيقاهم ممتعة، شجن الروح وهي تناجي روحها في امتداد الصحراء، القلب ينثر الأمل كما تنثر اليدان حبيبات الرمل، «الرتم» و«الشيح» ونباتات الصحراء تقاوم الجفاف وتراقص الرياح مراقصة العاشق لكلماته، صوت «بلقاسم بوقنة» يغني «حس القطا» ونوتات الناي الرقيقة كما الوجع الداخلي ينفثه ابن الصحراء شعرا.
الشعر كائن حيّ في دوز الشعر كائن يتنفس له قدسيته فعدد الشراء في دوز يساوي عدد السكان، فلا يوجد بيت لا شاعر فيه، هكذا تتبع الكاميرا سحر الشعر في مدينة دوز، تبدأ الجولة من مفترق وسط المدينة، تتبع دراجة ايوب لسود المرزوقي لتصل الى الغابة «الغابة في دوز هي الحقل الصغير وغابة النخيل» هناك بين النخيل الباسقات يقول أيوب الشعر وهو يلاطف الارض الحبلى بالخيرات، الكاميرا لا تقف في مكان واحد كما الشعر فتتبعه وتقتفى «خطاويه» الى عمق الرمال، ففي الرمال الواسعة وأثناء الغروب يجتمع الشعراء هناك يتسامرون ويقولون الشعر فالشعر هناك في الصحراء «انا الشعر هو سلاحي، وهو احزاني وفرحتي، وهو زغاريدي وهو نواحي، وهو الدنيا بكمّها وكماها» كما يقول الشاعر.
الشعر وقوافيه وصراعات التجديد والكلاسيكي هي المسار العام للفيلم، الفيلم المتحرك الذي تسابق فيه الكاميرا خطوات الكلمة وتحاول تتبعها بكل دقّة مع تقديم صور عن المدينة وحركيتها الاقتصادية والاجتماعية اثناء مهرجان دوز الدولي.
تغوص الكاميرا في عمق الصحراء كما الكلمة، الكلمة متحركة وحسب تسارعها تتسارع احداث الفيلم لترى تأثير الشعر في صاحبه كما يقول احد الشعراء في العكاظية «اني الشعر ما كنتش خلاص نحبه، ولا كنت نبغي ذكرته في لساني، لقيته دواء ما قرتاش الطبّه، يبريك لكانك مريّض فاني» .
فهناك في دوز يقدسون الشعر، يعطونه الاولوية المطلقة «حاولنا إضافة فقرات اخرى مثل الندوات او اللقاءات، لكن الجمهور يقبل اكثر على الشعر والاصبوحات الشعرية لها جمهورها ايضا فالشعر هنا مقدس كما القران « هكذا يتحدث مدير المهرجان لتنقل الكاميرا الاكتظاظ داخل قاعة العرض بدار الثقافة محمد المرزوقي بدوز.

العكاظية: صراع الحرف والصورة
ساحرة هذه الصحراء، بريقها مغر، كلمات ابنائها موغلة في الصدق، تتراكم داخلها افكار العشاق وكلمات المحبين حتى تصبح الكلمة مثل «سامور» يوقدونه في قلب الصحراء ليقولوا اجمل الكلمات، جميعهم «قوّال» و اغلبهم «ّشاعر» وكلهّم يتتبع الحرف والكلمة حدّ التماهي معها، هكذا هم ابناء دوز وهكذا تصبح قدسية الكلمة وقوتها وفردانيتها واختلافها سلاحهم ليستطيعوا الصعود على ركح دار الثقافة محمد المرزوقي ليشاركوا في العكاظية.

والعكاظية هي عن فكرة للشاعر ابن الصحراء محمد المرزوقي ذلك الجنوبي ظل سكنتهم الصحراء وقصصها وأشعارها وهو المقيم في العاصمة، والعكاظية امتداد لفكرة «سوق عكاظ» حيث كان الشعراء يجتمعون ليتباروا بالكلمة، كذلك هي العكاظية تطرح موضوع للمسابقة وترسل القصائد ليتبارى الشعراء ويقولوا أمام جمهور صارم يعرف معنى الكلمة والصورة.

العكاظية فرصة للصراع بين الصادق محب الوطن ومن دجّنته الأنظمة في العكاظية وطيلة اعوام تراجعت قيمة القصائد لأسباب سياسية ، كما رفضت قصائد بسبب عدم خضوع شعرائها الى المنظومة العامة، وبعد 13عاما من الحرمان يصعد الشاعر علي بنناجي على الركح ليفوز بجائزة «شاعر الصحراء» ويقول قصيد موجه الى ركح العكاظية:

«وطلعتهن درجاتك
بالسيف غصبا عنك
لي وقفت عل ملقاتك
يا صاحبي كيفنّك
ماهي الخطاوي جاتك
وردّيتها ب لاكنّك
ما حرهنّ كلماتك
يوم الخطاوي جنّك
طوّل الله حياتك
ولقيتني فوق منّك».

في العكاظية يحدث التنافس بالكلمة، صراع لأجل التجديد «انا قررت ان اخوض الحرب من الداخل، قررت تغيير القوالب والصور من الداخل، وتركت لمنير بن نصر الحرية ان يكون «عريان» (عريان تعني عدم الخضوع الى قالب او قافية او صورة محددة وانما تكون للشاعر الحرية المطلقة في بناء قصيدته) كما يقول ايوب بن لسود المرزوقي مضيفا «المهرجان، اني ولده، اني فيه، اني منه، هو الروح الي نعيشوا فيها، والشعر ادمان».

تواصل الكاميرا جولتها، تقترب من الوجوه الحالمة والموجوعة، تترصد لحظات الحب، الكادر يتسع ويضيق حسب القصيد فمرة يكون واسعا ليشمل امتداد الصحراء ليضيق اكثر ويركز على عيون الشاعر وعبارتها تسقط اثناء قول القصيد وصوت الحطب تاكله النيران يصنع موسيقى تصويرية مختلفة فالشعر هنا سلاح للمقاومة والكاميرا كانت وسيلة محمد صالح العرقي لينقل ثقل صدق الشاعر الصحراوي ذلك الذي يترصّد لحظات الحب والعشق كما ينتظر الصياد فريسته وينتظر «القطا» ليلملم الحروف والوجع «لملمت حروفي والقلم والقافية، ولملمت زادي ومونتي وزوّادي، حوّام منهو يدلني عالشافية، ثمّاش من يروي عطش أنشادي» والعكاظية في مهرجان دوز تروي ظمأ الجمهور للشعر وتروي عطش الشاعر للإبداع.

دوز ولادة والشعر بالوراثة
في دوز الكل يقول الشعر، الشعر في تلك المدينة ملكة تورّث فاحمد البرغوثي ترك نجله احمد البرغوثي و الحبيب عبد اللطيف خلّف بلقاسم عبد اللطيف، وعلي عبد العظيم ترك البشير عبد العظيم وعلي بن لسود المرزوقي ترك ايوب بن لسود المرزوقي فالشعر هناك يورّث وفي كل يوم يولد شاعر جديد.

البشير قريرة طفل لا يكبر
ابن الصحراء، يتقن وصف الصحراء وتفاصيلها، لا يرى في نفسه أنه شاعر فقط يقول «الخاطرة» لكن خاطرته صادقة ودقيقة، عصامي تجرّا على قصيد يعتبره المرازيق مقدّسا ولحّنه « شير شار فآمزانه غمز، يا مبهاه يتخافق غموز، بانت بهرته وقابل حفز، في لمزان يشلهق حفوز» هذا القصيد الصعب جدّ مقدس عند المرازيق والبشير قريرة لحّنه وأمتع ابناء المدينة، البشير قريرة له قدرة على «القول» و التلحين أيضا، شاعر وملحن لحنّ أغنيتين كانت لهما شهرة كبيرة «حسّ القطا» و «على الله» ففي الصحراء هناك يدندن ويصنع لحنه «انسان متمرد وفنان يلتقط الاشياء بعين مختلفة» كما يصفه ايوب بن لسود المرزوقي.

عايشة الجباهي:
سيدة الكلمة والموقف
شاعرة اصيلة ولاية مدنين، وشامها البربري يزيد من بهائها وشموخها، لازالت ظفائرها الحمراء على الجانبين و»السوالف» الجميلة ميزتها، لازالت تقول الشعر وتشارك الرجال في مجالس السمر وتنافسهم في قول الشعر، عايشة الجباهي تمثل المرأة الشاعرة في الفيلم، تتبع الكاميرا كلماتها وتقتفي اثرها عند الجمهور، عايشة توصلي المحبين وتقول: «حبيب الي ودك بالموده ودّه، بالمثل رجع ضدا لا عليك الصايبه تتعدا، حبيب الي سبق بجميله محال صاع النقص ليه نرده، اني شاعرة ويجري طما بالهيله، لقبي جباهي ومفصلي وتاصيله، حبيب الوفا محال كان يجافي».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115