عرض «سكون» لنعمان حمدة في قاعة الفن الرابع: في السكون ضجيج الإنسان وصرخات الحياة

تتصارع النفس والجسد، يتصارع المعقول واللامعقول ويتصارع العقل والجنون، تتصارع احداث الواقع وأخرى متخيلة

تصنعها النفس وتشكلها لتصبح فيما بعد حقيقة ثابتة، وبين الوهم والحقيقة تولد تفاصيل نص مسرحي ممتع يطرح العديد من الاسئلة التي تنطلق من الذاتي وصولا الى الكوني، نص مسرحي مشاكس وناقد عنوانه «سكون».

«سكــــون» مسرحيــــة دراماتورجيا واخراج وتمثيل نعمان حمدة صحبة أميرة درويش، مسرحية تطرح فرجة جديدة وتقدم نظرة متجددة للمسرح ولأداء الممثل، مسرحية تقدم قراءة نقدية لصراع الجسد الضعيف والخيال الواسع.

الموسيقى تصنع احداث المسرحية
الموسيقى سيدة المكان، صوت لعجلات قطار تمر على السكة الحديدية وأزيزها المزعج يملأ كامل الفضاء،ثم صوت امرأة تتحدث عن الذاكرة والنفس، فجأة يرتفع الصوت كما حادثة الارتطام، ليواجه المتفرج شخصا متكورا على الرمح يلبس السواد، يتدحرج قبل ان ينهض ويسأل نفسه «أين أنا؟ أين حقيبتي؟» وفي الجهة المقابلة من الركح امرأة بفستان اسود، تصنع بأقدامها موسيقى مختلفة، ترقص وتترك للجسد حرية التعبير وإجابة الرجل عن أسئلته هما اثنان وجدا في مكان غير معروف، وزمن غير محدّد، هو لا يتذكر شيئا عن نفسه فقط يذكر انه كان فيس محطة القطار ينتظر قطاره ليغادر، أمّا هي فتعرف عنه كل التفاصيل ولمدة ساعة وربع يحدث الصراع والتواصل، البعد والقرب بين شخصية الرجل وشخصية المرأة، ففي «سكون» يٌعتمد على الترميز» للاشارة الى الحكاية، مسرحية دون ديكور وحدها اجساد الممثلين تصنع ديكور العرض وموسيقاه فالمسرحية تتنزل في خانة مسرح ما بعد الدراما ذلك الذي يزيل من خلال جمالياته الحدود التقليدية ويعيد صياغة دور الممثل من جديد، «إنه مسرح لا يسعى إلى تحقيق شمولية التركيب الجمالي، وإنما إلى إضفاء طابع تشذري لهذا التركيب، وهو الشيء الذي يتيح له اكتشاف عالم جديد للفرجة. ويوفر له حضوراً متجدداً للفنانين، وأفقاً واسعاً لتطوير مكونات مسرح ارتكز دوماً على الدراما».

وعلى الركح قدم نعمان حمدة وأميرة درويش جمالية جديدة وفرجة مسرحية مختلفة غاب عنها النص المنطوق وحضرت مكانه تعبيرات الجسد وتساؤلاته عن الذاكرة والصراع والحلم والواقع، اسئلة عن التوحش والإنسان وأيهما اكثر توحّشا الانسان ام الحيوان؟ اسئلة بعضها واقعي وبعضها ميتافيزيقي تطرحها على الرّكح الحركة وأداء الممثل في تماه مع الموسيقى والضوء الخافت الذي حاكى النفس البشرية من الداخل فالضوء الخافت كان بمثابة الضمير الذي يستقيظ حينا ويدخل في سبات احيانا أخرى.

«سكون» ومساءلة الذات لذاتها
كيف ينظر الممثل الى الانسان داخله؟ ما هي تفاصيل الانسان التي تطرحها مسرحية سكون؟ أيهما الأكثر صدقا الانسان الواضح ام الذي يعيش الاوهام ويحاول تحويلها الى حقيقة؟ اين الذات من المجموعة والوطن؟ كيف للمرء التمييز بين الوهم والحقيقة؟ وأسئلة اخرى تطرح طيلة المسرحية التي تبدأ بحادثة ارتطام، ثمّ صوت لتكسر الزجاج وشظايا تجرح الروح قبل الجسد فالروح في العمل هي المحور هي الاساس الذي يريد صاحب النص الوصول اليه وتحديد معالمه وتفاصيله.

في «سكون» ضجيج كثير، اصوات للتشظي والذوبان، صوت الخوف يُسمع،صوت الانين له صداه وللوجع اصوات وتعبيرات مختلفة، في سكون منتاقضات عديدة منذ الدال الى المدلول.

فاسم المسرحية «سكون» وهي مصدر لفعل «سكن» ومعناها الهدوء التام والصمت، بينما في المسرحية يتحول الصمت الى ضجيج وتتحول لحظات الهدوء الى فوضى تبحث فيها الذات في داخلها عن ذاتها وتحاول تلمّس تفاصيلها والتعرف على جزئياتها وملامحها، ففي العمل يحاول الرجل المجهول الاسم والعمر والهوية ايجاد ذاته، يرى نفسه في المرآة التي تعكس داخله لا شكله فقط، يرى في المرأة اداته ليعرف حقيقته ويسألها عن الطفولة والذكريات، عن الالم والوجع عن الحقيقة النسبية التي يعيش بها املا في ايجاد حقيقة مطلقة عن ذاته وفي رحلة البحث تلك يواجه الكثير من الضوضاء والغوغاء والتشظي وكلما اقترب من الحقيقة اكتشف سوءه وبؤسه وسوداويته يحاول خنق الحقيقة من خلال خنق المرأة وتحطيم المرآة.

«سكون» مسرحية تنقد الانا ومنها تنقد المجموعة، عمل ينقد الانانية والصراع الذي يخوضه البشر تحقيقا لمصالح شخصية على حساب المجموعة، مسرحية تفتت عقد المجتمع جميعها والتي تجسدت في شخصية الرجل «نعمان حمدة» وتحاول طرح البديل والأمل عبر شخصية المرأة «اميرة درويش» والصراع بين الشخصيتين صراع بين الذاتي والجماعي، صراع ابناء الوطن الواحد نقل عبر تقنيات الممثل والموسيقى والسينوغرافيا فعلى الرّكح وقع تجسيد العديد من المشاكل في جمل قصيرة وحركات متسارعة وأفكار متناسقة.

«سكون» مسرحية تدخل الى تفاصيل النفس البشرية، تنتصر للروح على حساب الجسد هي عملية مساءلة للانا ومحاولة لتقييم الذات وقيس محرار انسانيتها، سكون هي صورة الروح في المرآة هي لحظات البحث عن الحقيقة، ومع تقدم الاحداث وتصاعدها يكتشف الجمهور انّ المرأة مجرّد خيال هي صورة خيالية تصنعها ذاكرة الرّجل، وهم يحاول تحويله الى حقيقة ومحاورته ليكتشف القبح داخله، صورة وهمية عايشها كما الحقيقة وتماهى مع تفاصيلها وتلك وظيفة المسرح الكشف عن قبح المجتمع والدولة وتجسيده على الركح في فرجة مختلفة تجعل المتفرج يقبل على عملية طرح الاسئلة ومحاولة البحث عن ذاته في الشخصية فالمسرح سؤال دائم عن الانا والانسان.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115