أيام قرطاج المسرحية - مسرح الحرية: مسرحية «الريح البرة» إخراج علي بوكادي - سجن صفاقس: الوجع أن يصبح السجن أأمن من الشارع

المسرح فضاء للإبداع، المسرح فضاء لخلق قصص جديدة وولادة أحلام متجددة ، المسرح تعبيرة عن الحلم «تنفيسة» يستطيع

من خلالها الإنسان البحث عن أبواب جديدة للأمل، ومن قصصهم حاكوا عملا مسرحيا يمثلهم ويكتب عنهم هكذا يمكن تقديم مسرحية «الريح البرّة» إخراج علي بوكادي وتقديم نادي مسرح سجن صفاقس جناح النساء.

مسرحية مشاكسة وناقدة بتقنيات السخرية والكوميديا، عمل اجتماعي وفني ينطلق من الواقع ويحول حكايات السجينات الى نص مسرحي ممتع ساهم فيه كل من سعيدة الحامي وحاتم الحشيشة وحمدي عبد الجواد واوس هرابي ومنعم خشلوف وانجز العمل في اطار مشروع انطلاقة نزيل.

مسرح داخل المسرح:
الموسيقى تكتب الوجع والشجن، الضوء ينتشر في كامل الركح، مجموعة من السجينات تتحادثن، صوت الشحرورة ممتع تغني للحرية، وفجأة تتكلم «الكبرانة» لتطلب من الجميع الصمت لان «رامبو» حارسة الجناح ستقوم بالتفتيش، أحداث المسرحية تقدمها سجينات وتتحدث عن قصص سجينات داخل السجن، أحداث العمل تقدمها مودعات وتحمل المتفرج الى تفاصيل بسيطة تعيشها السجينات يوميا في «الشمبري» من الحديث عن الذكريات الى البحث عن طريقة للحصول على «قلم حمرة» او «مرآة» وبعض التفاصيل الممنوعة في السجن.

في «الريح البرة» مسرحية داخل المسرحية، فأميرة مخرجة شابة أرادت بعث ناد للمسرح للسجينات، وجاءت محمّلة بنص مسرحية وقابلت مجموعة من النزيلات لاختيار ثلاثة منهن لانجاز نصها، اللقاء الاول بدا جافا باردا، فالسجينات اغتنمن الفرصة للسخرية من «الأستاذة» الزائرة الجديدة.

بداية اللقاء كانت تمارين للتنفس والحركة، تمارين بسيطة لكن النزيلات استغللنها لتعبيرات ذاتية للكشف عن قصصهنّ داخل السجن، وتتواصل الأحداث حين تقرأ النزيلات نص المسرحية ويسألن الاستاذة «هل تريديننا أن نقدم قصتك وحكاية حب ورومانسية ونحن داخل السجن، أتريديننا أن نقدم مسرحا يشبهك، مسرحا كتبت نصه وأنت في بيتك وفي قاعة جلوسك بعد حمامك الدافئ الذي اخترت وقته وميعاده؟ اين نحن من هذا؟» ليضفن «تحبنا نحكوا على الرومانسية وبعد نرجعوا للكرفي»، فالسجينات عبرن عن رفضهنّ للنص لأنهن يردن مسرحا يحكي عنهن، مسرحا يشعرن انه صوتهنّ، مسرح قادر على كسر كل الجدران مسرح يحقق انسانيتهنّ، حينها تتغير الموسيقى، تتسارع الإيقاعات تماما كتسارع خفقات قلب سجينة وحلمها إلى الحرية.

حين يصبح السجن أكثر أمنا من الشارع
«توحشت الخوف» هي جملة تشترك في ترديدها الممثلات، فالأستاذة استجابت لطلب السجينات وقررت أن تغير نصّ مسرحيتها، أنصتت إلى وجعهن وقررت أن تشاركهن متعة مسرح يشعرن انه ينطلق منهنّ، تتغير الموسيقى ، تغني الشحرورة من جديد عن الحرية والتجوال وأحلام بسيطة تحلم بها السجينة، على غرار النوم دون وقت أو اختيار الأكل واستعمال الماكياج، أحلام بسيطة لكن خلف الأسوار تصبح أمنيات يصعب تحقيقها.

أولى المتحدثات اسمها «نقية» وسبب اختيار اسمها ذنبا أراد والدها محوه فقط لأنه احبّ وتزوج من أجنبية، زواج هو حلال شرعا لكنه في نظر المجتمع جريمة، وعلى وقع العيب والجريمة عاشت نقية إلى حدّ أن وصلت السجن.

«الريح البرة» هو اسم المسرحية، ومعناه وجود الرياح في الخارج، الرياح في اسم العمل ليست حركة الطبيعة بل أفعال البشر، الريح هي أسباب الجريمة، الريح هي الوجع الذي أدى بالفتيات إلى أسوار السجن، تتغير الموسيقى، يصبح الضوء أكثر صفرة كأنه عنوان للقلق والخوف يسلّط في كل مرة على ممثلة تحكي قصتها للمخرجة وفي الوقت ذاته تؤدي تفاصيل الشخصية، فمتعة الانتقال بين الشخص والشخصية مختلفة ومميزة تحدثن من خلاله عن أسباب الجريمة التي دفعت بهنّ الى اسوار السجن.

في «الريح البره» المكان أمكنة لكن جميعها تكون خلف الأسوار، من «الشمبري» إلى «نادي المسرح» وقاعة «الكرفي» لكل الأمكنة ذكريات وتأثير على السجينات، أما الزمن فمتوقف منذ لحظة الدخول إلى السجن، ففي السجن لا أهمية للوقت فكل الأيام والليالي متشابهة مادام هناك وجع فقدان الحرية.

في المسرحية يطرح سؤال هل أن السجن أكثر أمنا من الخارج، فالسجينات في الداخل يشعرن بالأمان فلا وجود للتحرش في السجن، لا وجود للطبقية الاجتماعية داخل السجن، ولا وجود لمن يعتبر الاختلاف ذنبا فخلف الأسوار جميعهنّ نزيلات لهنّ نفس الحقوق.

لعبة الضوء تصبح شخصية فهي الوسيلة لتعرف الأستاذة على قصص النزيلات فـ«قرشة» ولدت في عائلة فقيرة، عرفت الجوع واشتهرت بالاسم ومعناه القضمة لانها كانت تقضم في كل مرة من لمجة أترابها لتسكت جوعها، وكبرت القصة ومن قضمة «كسكروت» إلى «قضمة سيارة او نشل حقيبة» إلى حدّ ان أصبح النشل مهنتها وكانت النهاية في السجن، الثانية «شامبازي الغالية» قصة فتاة تحلم ان تصبح أستاذة رياضة تورط والدها في مشاكل وشيكات كادت تؤدي به إلى السجن فطلب منها ان تتسلق «البلكون» وتسرق من بيت الجيران اموالا وتواصلت الحكاية والسرقة لانقاذ الاب وكانت النتيجة السجن، الثالثة، تعرضت للاغتصاب من زوج امها فقتلته ونكلت بجثته، قصصهنّ مؤلمة لكنها حقيقية، قصص عجزت الأستاذة عن تحملها وغلبتها عبراتها كتلك العبرات التي غلبت الحضور في دار الثقافة ابن خلدون، فالمسرحية ناقدة تنقد وبقسوة أسباب الجريمة، تنقد المجتمع التونسي وقبح ممارساته فلو عولجت أسباب الجريمة لما كانت النسوة خلف القضبان.

المسرح إنسانية، حركة نبيلة على الركح يجتمع الذنب بطلب الغفران، على الركح يكون الاعتراف بالجريمة مع الندم وطلب فرصة ثانية وبعد المسرحية طلبت إحدى الممثلات الكلمة وتوجهت إلى الجمهور وقالت

«الجوع والفقر والتضحية لأجل العائلة جعلت منا فريسة للسجن وجعلتنا مجرمات في عيون المجتمع، أحنا نحبوا نقدموا القدام، ماعادش نحبوا نوخروا التالي، ديجا دفعنا سنوات من عمرنا» فعالجوا انفسكم ونظرتكم للآخر وحاولوا إصلاح أنفسكم قبل إطلاق كلمة «مجرم».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115