مدينة الثقافة عنوان لاكتشاف ثقافات كل الولايات وخصوصياتها الثقافية والحضارية والإبداعية وكان اللقاء يوم الاحد 24نوفمبر مع ولاية سيدي بوزيد التي حضرت بكل بهرجها لتخبر الحضور ان بوزيد الكرامة والحرية والفن حاضرة.
سيدي بوزيد والمكناسي وجلمة والمزونة وبئر الحفي والرقاب وغيرها من المدن والقرى حضرت موشّحة بالفنون الى المركز لتمتع الحضور وتقدم القليل من تلويناتها الفنية وتراثها وتاريخها.
كل تلوينات الفرح حضرت في المدينة
تجمّلت النّسوة، الزغاريد تصارع الرياح في الخارج وتنتصر عليها، مثل الاميرات تزين ولبسن الحلي التقليدي بكل الوانه وأشكاله، النسوة في الباب الخارجي كنّ عنوانا لبهاء ولاية سيدي بوزيد بكل معتمدياتها وأريافها، فالمرأة كما الوطن تختصر كل معالم الجمال.
اغلبهنّ لبسن «الملحفة» السوداء ووضعن فوق الرأس ما يسمى بـ«البياض» «الذّراية» الموشاة بالألوان، او بيضاء اللون وتوضع على الرأس فتحيط المرأة بهالة من الوقار والبهاء، كيف لا وهي التي تلبسها العروس لتبدو أجمل، «الذراية» تكون جد متناسقة مع «السفيفة» التي تتوسط «الملحفة» واللباس عادة ما يكون في الافراح والأعراس وكانت النساء تتمشين في البهو الخارجي للمدينة تصحبهنّ الزغاريد، في الداخل تراث سيدي بوزيد الثري فهلمّوا الى الاكتشاف.
في الخارج ارتفع صوت «الطبل» ليعلن عن انطلاق العروض الفرجوية، خيمة من «الشعر» وضعت في الحديقة الخارجية، داخلها شعراء شعبيون يتنافسون ليقولوا اجود الكلام والتغزل بالحبيبة والأرض، «الجحفة» بألوانها الزاهية على يسار مدينة الثقافة الزوار يلتقطون الصور وبعضهم يطلب الصعود إلى الجحفة لاكتشافها من الداخل والقيام بجولة وسط الموسيقى فيشيعونه بالزغاريد كما العروس.
والفرق التقليدية في الخارج تقدم وصلات من التراث الموسيقي للجهة مع فرقة الحضرة بالرقاب،و فرقة الحرشان للفنون الشعبية بسيدي علي بن عون وفرقة الإنشاد الصوفي ببئر الحفي واستعراض فروسية وعرض «مخضوب الحنّة»
اما البهو الداخلي للمدينة فأصبح معرضا لكل تلوينات الصناعات القليدية والابداعات اليدوية، معرض للالات التقليدية من «المغزل» للـ»قرداش» الى الملابس التقليدية من البلوزة للقشابية وغيرها من المنسوجات الصوفية، ومعرض لأعلام ولاية سيدي بوزيد يتوسطهم قائل «نحب البلاد، كما لا يحب البلاد أحد».
تتواصل الجولة ويتواصل تقديم المخزون الابداعي لولاية سيدي بوزيد من خلال بعض اعمال طلبة المعهد العالي للفنون والحرف وحلقات تجتمع فيها النسوة يغنين الموروث الشفوي ويذكرن الجمهور والحضور ان من لا ذاكرة له لن يكون له مستقبل حتما، في غنائهنّ كل الصدق والمتعة التي توارثنها جيلا بعد جيل.
في حضور ولاية سيدي بوزيد اجتمعت كل تلوينات الفرح لإمتاع من جاؤوا لاكتشاف الولاية وموروثها الفني والثقافي.
«هيموفوبيا» لنا الشارع لنطالب بحقوقنا
اشتركوا في اللون الأبيض لون النقاء والصفاء لكنه لون الحياد ايضا، يمسكون بعصي من الخشب يصنعون بها موسيقاهم، ابناء المركب الثقافي منزل بوزيان انطلقوا من مسرح الشارع ليقدموا عرضا ناقدا موجعا، عرض جمع الموسيقى والمسرح نقد العديد من القضايا التي عايشوها، قضايا اجتماعية وثقافية، نقلوا صرخات الانسان فيهم مطالبين بالحق في الثقافة والدواء والصحة والحقوق المدنية من خلال المسرح.
من خلال الحديث عن قوة الكلمات وتأثيرها في العقول انطلقوا، الاجسام البيضاء تتقدم خطوة الى الامام فخطوتين الى الوراء في اشارة الى التردد الذي يسكن الانسان اثناء قيامه بفعل ما او اتخاذه لقرار ما، الاجسام البيضاء تلتحم متى ظهر جسم آخر بملابس مختلفة وغريبة، فهذا يجر عربته، العربة تحيل الى رمزية عربة البوعزيزي وتعود بالجمهور الى الشرارة الاولى لاندلاع الثورة التونسية، تلك «البرويطة» التي اصبحت علامة على الرفض والتمرد وأضحت تستعمل في العرض كرمز لرفض شباب اليوم للظلم والاستبداد واستعداده للثورة دائما من اجل افتكاك المطالب والحقوق.
من يحمل العربة يلبس ما يشبه القميص صنع من «الخيش» في اشارة الى الفقر والتهميش، يمشي بتثاقل، وجه ملطخ بالدم والطين، حركاته البطيئة كأنها السؤال، ما الذي كسبه الشباب الثائر؟ هل تحقق مطلب «شغل، حرية، كرامة وطنية؟ هل استفادت المدن التي انطلقت منها الثورة؟ هل تحققت المطالب الاجتماعية؟ ام انها ظلت محفورة فقط في ذاكرة من صرخوا بها بعد ان طمست معالمها بالدهان الابيض ومحيت من على الجدران؟.
«هيموفوبيا» هو اسم العمل، ومعنى الاسم هو فوبيا الدم وهي حالة مرضية تصيب من يخافون من رؤية الدم أمامهم إلى حد الاغماء احيانا، لذلك تكون الوجوه جميعها ملطخة بباللون الاحمر كما الدماء القانية، انتشار الدم على الوجوه يرمز الى تعوّد المواطن التونسي على الدماء إلى حدّ أنه أصبح غير مبال، الدم في اسم العمل رمز لدماء الشهداء الذين قتلهم رصاص الغدر، دماء شهداء الامن والجيش الذين ذبحتهم اياد تعتقد انها صوت الرب وحارسه على الارض، دماء الكادحات اللواتي قصفتهنّ شاحنات الموت، دماء اطفال رضع ولدوا ليموتوا ويرموا في صناديق كرتونية «كرادن» هي دماء سالت على هذه الارض العطشى، دماء تعود التونسي مشاهدتها ولم يتحرك أو يحتج لوجودها.
«هيموفوبيا» عرض مسرحي يندرج في خانة مسرح الشارع، هو تلوينة فنية مقاومة لكل اشكال الظلم والعدوانية، صرخة مبدعين عشقوا الفن وارادوا تقديمه في الشارع الى كل المواطنين للمطالبة بكل الحقوق الثقافية والاجتماعية والاقتصادية ليكون المسرح صوت الحق والحياة.