ليْسَ شيءٌ أجلّ عنْدي من نَـفسي
فلـَمْ أبتَغِـي سِواها أنِيــسًا
إنما الذُلّ في مواصَـلة اُلْـنـّا س
فَدعْها وعِشْ كريـما رئـيـسًا
• إشارة ثانية من ابي منصور الثعالبي:
كان قابوس بن وشمكير، إذا ذكر إنساناً بالبَله / الغباء قال:
إنّه من أهْل الجنة. يعني قول النبي ( ص ) : أكثر أهْل الجنّة البله.»
(1)
« الوَقْتُ منْ ذَهَبْ, الوقْتُ سيْفٌ...», «الوَقْتُ منَ اُلـْمَقْتِ»... يقولُ اُلْـمَلْهُوفُ اُلْتّونسي اُلْشّره العَجُولُ . وأنا لم أعُد أسْتَعْجل شيئًا ..
(2)
أيّة صِفَةٍ يـُمْكِنُ أنْ يُـنْعَتَ بها عُـموم اُلْبَشَرِ مَـحَليّا وكَـوْنيّا, تُونسيا وعَالميّا؟
اللّهْفَةُ, اُلْلّهْفَةُ , اُلْلّهْفَةُ . اُلْلّهْفَة على كل شيء يبدو محبوبا ومَلذوذا اللّهفة هي اُلْصّفة اُلأكيدَة في سُلوك مُعْظَم اُلْذّوات اُلْبَشريّة رَغْـم اُلإسْتثناءاتِ في كُلّ اُلْأَزْمِنةِ وفي كلّ الحَضاراتِ. الحَضَارات المنْعُوتة سوسْيُولوجيا / أنْطروبولوجيا «بالبَارِدَة» أو «اُلْسّاخِنَة» ويَكْفي أنْ يَتَصفّحَ كلّ واحِدٍ من الخَلْق في الآن الحَضاري كِتاب مَعيشِه اليَومي -وإنْ على عجَلٍ- منذ نُــهُوضِهِ منْ نومِهِ إلى حِينِ عَوْدَتِه إلى اُلْكَرى ليُدْركَ دُونَ ذَكاءٍ ولا عَناءٍ أنّـه كان في يَوْمِهِ سَاحِقًا أوْ مَسْحُوقا أو مَسْحُوقا/ سَاحِقا في نفْسِ اُلْـحينِ واُلْآنِ, قَدْ عَـجَنَتْهُ عجلَةُ الوَقْت وأكلتْ منْ أعْصَابِه عَقَارِبُ السّاعَةِ., صراعٌ معَ اُلْوَقْتِ في الطّرقَاتِ , صِراعٌ مع الوقْتِ في البُنوك والمغَازات صراعٌ مع الوقْت في المعَاهِد والجَوامِع والجَامِعات واُلْـمُسْتشفيات والصّيدليات صِراعٌ معَ اُلْوَقْتِ في المطَاعم والبَارات وأمَام الأكْشَاك وباعَة الدّخان بالتّفْصيل وبطاقات الشّحْن والمكَسّرات .صِراعٌ مع اُلْوَقْت منْ أجْلِ اُلْوَقْتِ في الدّروس الخُصوصيّة واُلْعُموميّة والمحَاضَرات واُلحِصَص اُلتّلفزية والإذاعية واُلْـمُلْتَقيات الثّقافيّة . يحيا زمن «الطّرقات السيارة»، «وأكلات السّريعة»، و«الحُبّ البرقي» و«الطّهي اُلْسّريع» و«طَنَاجِر اُلْكُوكُوت».
(3)
أيّة صِفَةٍ يـُمْكِنُ أنْ يُـنْعَتَ بها عُـموم اُلْبَشَرِ مَـحَليّا وكَـوْنيّا, تُونِسيّا وعَالميّا ؟ إنّهم كائنات سَاعَاتِ اُلْوقت الميِقاتيّة وقدْ ذَهَلُوا عنْ سَاعاتهم البيولوجية فأفْسَدُوا ساعاتهم العاطفيّة وهي أمّ السّاعَاتِ على الإطْلاَقِ أي نَعَم اُلْسّاعة العاطفيّة هي أمّ السّاعات لقد ألْهانا « التّكاثُــر»... حتى أكلتنا مخابر التحليل والعيادات الطبيّة وحيل العرافات واُلْـمُشعوذين,,, والمشَعوذات فأصْبحنا نَسْتَعجل موت بعض مَرضانا _ وإن نحن ندّعي خسارتنا الفادحة بفراقهم _ ربحًا لغنيمة الوَقْت الذي نضيّعه في العيادات والزيارات والفلوس... حتىّ غدت قلوبنا سليلة عقولنا باردة «اسمنتية مُسلّحَة»، «نأكل وأعْيننَا على اُلْبورصَة والرّبح»، نتفسّح ونتجوّل ونـَمْرح وأعيننا على جِبريلِ الوَقْتِ وكرونوس الزّمن... نمارس الحُب مِيكانيكيّا وأعْيننا على لَـحْم الوَقْت نتغزّل بمعْصَم وأصَابِعِ من نحُب وأعْيننا على سَاعَة مِعْصَمِها . نقوم تونسيا «بثورة» بطيئة وئيدة وكل يسْتعْجل غنائــمها ربـْـحًا للوَقْتِ. يا لإنسان اللّهْفَة/ « الغورة» و»الغزوة» كائن اللّهْفة إنما هُو اُلْـمُصَابُ حقَّا وحقيقةً بـِـهياف اللّهْفة وكَلَبِ الكَسْب « حشيشًا وريشًا « كما يقول المعْجم الشّوارعي _في سياق آخر _ كيفما اتّفَقَ الأمْر , حَلالا وحَرامًا إن اقتضى الأمْر على حِسابِ الأهْل من اُلْــمُبَطّلينَ عن العَمَل والمبُطّلات... المعْطُوبين والمَعْطُوبات في الحياة هُنَا والآنَ وعلى وعمُوم الأمّة.
والوطن الغارق في اُلْـمِحَنِ والْــمُحون و ذلّ اُلْتّداين و اُلْدّيون... يا لَهِياف عَبيد السّرعَةِ والعَجَلةِ والوَقْت... مع الإشارة أن الهُياف مرضٌ و دُعاء يَدْعو به العَربُ على الكلب. فَمزيدٌ من اُلْهِـياف واُلْكَلَب على المغانم والمكَاسب والوجاهَات والكَراسي الهزازة ... التي لكل منها و قائِعها اُلْسّرديّة وحِكاياتها اُلْسريّة التى لنْ تخْفى على عين المؤرخ صاحب البصيرة الوقّادة والعَين النّاقِدَة . هل أني أُدين اللهفة / السّرعة / اقتناص المنَاصب وأعتبر أنّ كلها شَر ..؟ان الأمر ليس كذلك وفي ذهني حكمة تُنْسَبُ لسيّد العَدْل الفاروق الحقّ عمر بن الخّطابك: « ليْس العَاقل منْ عرَف اُلخيْر من اُلْشر .. وإنـّما اُلْعَاقل منْ عَرف خير اُلْشّرين اُلْشّريْــن
وأنا أريد لي أن أكون «عاقلا « حينَ هذا الحِينِ وإن أنا لسْت عَلى عـَجلٍ من أمري لأكون كذلك اذْ لا بد من وقت للوقت لئلا يؤكلني كلب الوقت ...
(4)
« الوَقْتُ منْ ذَهَبْ , الوقْتُ سيْفٌ ...» , «الوَقْتُ منَ اُلـْمَقْتِ» ... يقولُ اُلْـمَلْهُوفُ اُلْشّره العَجُولُ,وفي الأمْر ومَسارد وأمْثال و وقَصَص وروايات و حِاكيات للعِبْرة ونحن العرب المسلمون أمّة « النّوازِل والإعْتبار « نَطْلب الحاكيات وإن هي من الصّين أحيانا .
لقد ورد في الأوراق القديمة قصّة صينية شَعبية تدور حول كلب اسمه «بان قو» وملك وابنته : يحكى أن ملكا له خَصْم من الخصوم المتمردين قد هدّده بأن يطيح به أكثر من مرّة فأقسم الملك آخذا على نفسِه عهْدا أن يُـزوج ابنته الأميرة مُفلقَة الجمال لكلّ من يتولىّ تخليصه من عدوّه المعارض والمهدد لنِظام مُلكِه و مملكته وفشل جلّ المحاربين في اصطياد هذا المعارض العَنيد واتّفق أنْ سمع الكلب « بان فو» هذا القسم الملكي فهَرعَ مسرعا نحو هذا الزعيم المتمرد فلما رآه تاه ضحكا وقال بكل ثقة في النفس : حتى كلْب الملك قد خذَله فتركه ولم يعد يريده أصلا وعمل بكل جهد للإعتناء «بالسيد الكلب» ليُصبح مرافقا له كدليل موثوق به على الهزائم التي ألحقها بالمملكة والملك . وكما في كل الحكايات ... مرّت الأيام وذاتَ مرة حين ادرك « السيد الكلب «أن سيده الجديد قد أخذه النوم ارتمى عليه من جهة الرقبة فذهب بأنفاسه وبعد قتله حزّ رأسه وذهب به الى الملك ... فبالغ الملك في تقديم الأطعمة للكلب غير أن « السيد الكلب « رفض بكل حزم عطايا الملك فسأله الملك عن سر هذا الرفض . فما كان من « السيد الكلب » إلاّ أنْ طلب من الملك أن يكون عند قسمه وعهده ووعده وأن يزوجه من الاميرة ابنته ذات الجمال الـمُفْلق الرائع الفتّان , استغرب الملك : كيف يتزوج اُلْأميرةَ وهو كلبٌ فطلب «السيد الكلب» من الملك بأن يضَعه في اناء ذهبي كبير ويـُحكم إغْلاقه وبعد أسبوع واحد سوف يصير انسانا ..فاستجاب الملك لطلب «السيد الكلب» غير أن ابنة الملك اُلأميرة الجميلةُ كانت تحبّ الكَلْب _كما يحبّ السّاسة في تونس يحبّون الثورة حبّا جمّا... جِدا... جِدا _ فخشيتْ أن يموت الكلبُ المحبوب فقامت بفكّ الأخْتام والكشْف عن الإناء الذهبي الكبير قبل انتهاء الأسبوع بيوم واحد لتجدَ أن الكلْبَ استحال الى انسان باستثناء الرأس الذي بقي رأس كلب فاضطرّت إلى الزواج منه وهو بهذا الشّكل وعلى تلك الحال طوال حَياتها « هكذا تنتهي الحكاية الصينيّة وهي مسألة تسرّع و« اسْتعجال للفرح » و«ربحا للقوت» والمعْضِلة في اُلْرأس. يقول المثل اُلْصّيني الحكيم أيضا وأيضا يقول :«اذا أُصيبت السّمكة فإن العلة في الرأس» وكذا الأمر_ أقول _ بالنّسبَة «لسَمَكَةِ الثّوْرَةِ اُلْتّونسيّة» أنا لا أحبّ تُونس كما تحبّ أمَيرة الحِكاية الصينيّة كلْبها .فَلْنُعطِ جميعُنا الوَقْتَ للوَقْت في بلادنا / بوصلتنا العاطفيّة علّنا نكون بخير ...
ما أبلغ من قال:
«العَقْلُ واُلْــهَمّ لا يفْترقَان.»
وزاد ابن المعتزّ فقال :
«وحلاوة الدّنيا لجاهِلهـا / ومَرارة الدُّنيا لمن عَقلا»