في المهرجانات الصيفية: المسرح الجاد يغيب ويحل مكانه «البوز»

المهرجانات الصيفية قبلة محبي العطلة والباحثين عن تشكيلات ثقافية وفنية مختلفة، وجهة لمن يستمتعون بعطلتهم الصيفية ويتجهون

الى المسارح والتظاهرات لإشباع جوعهم الثقافي والترفيه عن انفسهم بعد عام من العمل، المهرجانات الصيفية فرصة للمنافسة والعمل عند كل الفنانين فهي موسم الجد والنشاط لكنها موسم الخمول للمسرحيين الذين يبعدون عن المهرجانات الصيفية.

فالمسرح الجاد يغيب عن التظاهرات الكبرى ليحل محله المسرح التهريجي او الكوميدي او الذي يتوجه الى «البوز» والاضحاك، المسرح الذي يطرح الاسئلة يغيب ليحل مكانه مسرح يمتص ملكة السؤال ويقوم بتسطيح الافكار واستسهالها.

مسارح دون مسرح
يعملون طيلة الموسم الثقافي لتقديم فكرة جادة ونص هادف، نص ينقد الواقع وأفكار تدفع المتقبل للتأمّل والبحث عن البديل وإيجاد الدواء لكل علة يعيشها المواطن التونسي، ينكبّون على النص ثم البرايف الطويلة والبحث في احدث تقنيات السينوغرافيا قبل تقديم العرض الاول ورهبة الجمهور ثم عروض اخرى بعضها مدعوم وبعض خاصة، عرض فآخر وبعد كلّ عرض ينضج العمل ويكتمل بناؤه ليصبح اكثر متعة، هكذا هو المسرح عملية خلق بناءة تزداد جمالا بعد كل عرض.

فالمسرح الجاد عملية للخلق والبناء عملية ابداعية تولد من رحم المعاناة وقساوة القوانين والفراغ التشريعي الذي يعيشه الممثّل، عملية ابداعية تولد من وجع السؤال الذي يكتبه مبدع ويحوله مخرج وطاقة خلاقة عند الممثلين ليقدموا للمتفرج عمل مسرحي يجمع السؤال والفكرة ويطرح قيمة جمالية فنية تمتع البصر وتحرّك البصيرة وتدفع الفكر للسؤال، سؤال تتولد عنه اطروحات جمالية اخرى تختلف مضامينها من ركح الى اخر ومن ممثل الى اخر.

الفعل المسرحي او عملية الخلق تلك التي تسال وتنقد الواقع وترنو الى المنشود، الفعل المسرحي المقاوم والمشاكس ذاك الذي يحطم كل الممنوعات ويعرّيها على الخشبة ويدعو المتفرج ليكون سلسلة من حلقة نقدية تنطلق من الخاص لتوجه السؤال الى العام يغيب عن المهرجانات الكبرى، فالأعمال المسرحية الجادة شبه غائبة عن المهرجانات الصيفية التي تنجز عادة في المسارح الصيفية، فلماذا هذا الغياب للمسرح الجاد هل لان المسرح عاجز عن استقطاب الجمهور (مايخلصش حقوا)،ام لان المسرح ليس تقليدا في الحقل الثقافي التونسي وليس بممارسة اجتماعية يومية ام لأنه يقوم على طرح السؤال والمسؤولين عن المهرجانات يكرهون السؤال ويخافون الطرح الجاد للقضايا السياسية والاجتماعية التي يقدمها كل عمل مسرحي جاد وحقيقي؟ .

هل يغيب المسرح لأنه لم يفتك بعد مكانته الحقيقية في المشهد الثقافي الصيفي؟ ام لان التظاهرات تميل الى الجانب الترفيهي اكثر من ميلها إلى الجاد؟ رغم وجود اعمال جادّة تقوم على نصوص كوميدية مثل «ماخلصناش مانخلصوش»ام لأنه لازال فنا عرضيا ولم يصل بعد الى مرحلة التراكم والبنيان الصلب؟. واذا كانت مقولة ليس للمسرح جمهور فماذا كل عروض افتتاح مهرجان الحمامات الدولي تكون محترمة جماهيريا؟.

ربما غياب المسرح عن المهرجان سببه ابناء المسرح أنفسهم فأغلب ممارسي الفن المسرحي لا يواكبون اعمال زملائهم، ويندر أن يتواجدوا في مشاهدة لعمل جديد باستثناء القليل جدا او في حالة وجود وزير او مسؤول او من تحصلوا على دعوات يأتون فقط ايفاء بالجانب الاخلاقي قبل المهني، المسرحيون ايضا بعضهم هجر الخشبة وأغوته السينما والتلفزة فنسي العروض والقاعات وتوجه الى الشاشة الصغرى وإن اقتصر على ادوار ثانوية.

ثقافة «التهريج» و»البوز» هي الاولى
تختلف الاسماء و المضمون واحد، تختلف الوجوه والنص واحد، تتباين الكلمات و التوجّه أوحد هكذا هي ثقافة الكوميديا في تونس، فاغلب العروض الكوميدية التي يقدمها منشطو البرامج الترفيهية مثل «لا هكّة لا هكّة»لنضال السعدي او عمل سفيان الداهش او مقدمي برامج اذاعية او ممثلين على غرار عمل «دوبل فاس» لكريم الغربي وبسام الحمراوي جميعها تشترك في ثقافة «القص والتلصيق» و جميعها سبق وان صيغت في شكل «ستاتو» على الفضاء الازرق «فايسبوك» تنسخ دون زيادة مع اضافات على الرّكح اما في تغيير خامة الصوت او طريقة الاضحاك وتقدم على اساس انها عمل مسرحي كوميدي.

جلّ الاعمال الكوميدية التي تحضر في كل المهرجانات الصيفية الكبرى والصغرى تقريبا جد متشابهة فالمضامين واحدة وهي نقد التونسي الذي يعيش بالخارج، نقد موظفي البلدية والإدارة التونسية عموما و الحديث عن الفرق بين المرأة التونسية ونظيرتها الاوروبية و الرجل التونسي و الاخر الغربي مع التنويه بالصيف والبحر، كل الاعمال تقريبا تتناول هذه المواضيع بتقنيات سخرية ركيكة لا ترتقي الى مرتبة «الكوميديا» ذلك الفن الصعب المراس الذي يتطلب الكثير من الجهد والتقنية لكن في اغلب الاعمال التونسية يكون الاضحاك و»السخرية» من «الريفي» مع موسيقى قوية واحيانا توجيه الكلام اللاذع للمتفرج او للمنافس هي زاد من يدعون انهم يقدمون فن الكوميديا في المهرجانات الصيفية، هؤلاء الذين تقف خلفهم «ماكينات اعلامية» كبرى تروّج لإعمالهم ربما خدمهم ايضا عملهم في التلفزة وظهورهم الدائم في البرامج الترفيهية وبرامج الالعاب في اغلب القنوات التونسية لذلك يستقطبون عدد كبير من الجمهور.

اغلب ممارسي الكوميديا في تونس انطلقت تجربتهم من «كرونيكور» في برنامج تلفزي وبعد شد انتباه مشاهد التلفاز طيلة الموسم الشتوي يكتسحون الخشبة ومن كرونيكور يتحولون الى ممثلين كوميديين.

«لا هكة لا هكة» لنضال السعدي يكتسح كل المهرجانات الصيفية الكبرى والصغرى، المسرحية ليست بتلك الجدية ولا التقنيات الكوميدية الكبرى لكن نجحت لانّ معجبات نضال السعدي على «الانستغرام» تجاوز عددهن الالاف، هؤلاء المعجبين والمعجبات تجاوزوا الحد الاخلاقي في دفاعهم عن السعدي حدّ الوصول الى مرحلة شتم وثلب كل من يتجرأ ويطرح سؤال «لماذا هكة لا هكة في كل المهرجانات».

كريم الغربي منذ اول تجربة في مسلسل «دنيا اخرى» وفشله في تلك التجربة ثم تجربة رمضانية فاشلة في «قسمة وخيان» وبعد ان افرغ جرابه من «سكاتشات» عن «البطال والبطالة» في برامج تلفزية يقدم صحبة بسام الحمراوي مسرحية كوميدية «دوبل فاس» مسرحية يكون فيها الغربي خاويا من التجديد وروح الفكاهة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115