العرض الأوّل لفلم «أحمد التليلي: ذاكرة الديمقراطية» رسالة التحذير إلى بورقيبة.. هل كانت طلقة النهاية؟

في إحياء الذكرى 52 لوفاة المناضل والنقابي أحمد التليلي كان الرهان على إيلاء الرجل المكانة التي يستحقها كرد اعتبار لشخصية

وطنية أعطت الكثير لكنها لم تجد حظها الكبير ذكرا وحديثا وحفظا في الذاكرة. فكانت السينما طريقا إلى التخليد والخلود وكاميرا للتوغل في الزوايا المظلمة وخفايا الأسئلة بشأن زعيم وطني اكتسب جرأة المعارضة الشرسة للنظام، وهكذا كان النبش في أسرار «أحمد التليلي: ذاكرة الديمقراطية».

احتضنت مدينة الثقافة العرض الأول لفلم «أحمد التليلي: ذاكرة الديمقراطية» للمخرج عبد الله شامخ والمنتج شاكر بوعجيلة بمساهمة من مؤسسة البريد التونسي بحضور وزير تكنولوجيات الإتصال والاقتصاد الرقمي والأمين العام للإتحاد العام التونسي للشغل والرئيس المدير العام للديوان الوطني للبريد ومجموعة وثلة من الوجوه السياسية والنقابية والفنية....

أحمد التليلي وتهديد الاغتيال
بعيدا عن أبجديات الفلم الوثائقي الصارم في واقعيته والمباشر في رسالته، جاء فيلم «أحمد التليلي: ذاكرة الديمقراطية» مفعما بجمالية في اختيار زوايا التصوير والانتقال بين الشهادات التي جاءت مرفوقة بمشاهد الأبيض والأسود عن تونس في تلك الفترة وبعض اللقطات الحية من فيلم الفلاقة للمخرج الراحل عمر الخليفي.

ولئن تفيض حياة أحمد التليلي المناضل والنقابي والسياسي عن محاولة اختزالها في عمل وثائقي أو اختصارها في نصف من الزمن على شاشة السينما، فقد تم تركيز «زووم» الكاميرا بالخصوص على معارك هذا الزعيم الوطنية والنقابية سيما صراعه مع السلطة ودعوته إلى الديمقراطية في رسالته الشهيرة للزعيم بورقيبة.

من موطن الولادة والانتماء مدينته قفصة، انطلق فلم «أحمد التليلي: ذاكرة الديمقراطية» في سرد سيرة ومسيرة شخصية وطنية ولدت في أكتوبر 1916 وتوفيت في 25 جوان 1967 ليسجل التاريخ اسمها باعتبارها من مؤسسي الاتحاد العام التونسي للشغل و من أول دعاة الديمقراطية في تونس وأبرز المناهضين للفكر الواحد والحكم الفردي وتأليه الأشخاص...

وقد أجمع المساهمون في هذا الفلم على تقديم شهاداتهم وشواهدهم التي يعرفونها وعايشوها بأن الرسالة الجريئة من المعارض الثائر أحمد التليلي إلى الرئيس بورقيبة في 25 جانفي 1966 من منفاه بأوروبا كان ثمنها باهضا. وقد صرّح النقابي صادق علوش أن الراحل أحمد التليلي ظل لثلاثة أيام بلياليها ينتقل من قطار إلى آخر في محاولة للتمويه على مجموعة لاحقته قصد اغتياله في منفاه بعد أن تم تحذيره بعدم استعمال المصعد الكهربائي للنزل الذي كان يقيم فيه!

وأضاف صادق علوش عند تقديم شهادته في الفلم بأن بورقيبة كان يخشى ثلاثة رجال هم: الطاهر بن عاشور والطيب المهيري وأحمد التليلي.

وقد حمّل أحمد التليلي الرئيس بورقيبة في رسالته المطولة إليه والتي جاءت باللغة الفرنسية مسؤولية الفشل السياسي الذي آلت إليه البلاد بسبب الحكم الفردي محذرا من الآفاق المسدودة في حال تواصل انعدام الديمقراطية... لكن بورقيبة وفق رواية المؤرخين أخذ هذه الرسالة الشهيرة على أنها محمل تهديد وأعلن العداوة من أحمد التليلي له ...

السينما تثير الخفايا المغيبة
كانت رسالة أحمد التليلي إلى بورقيبة مشهد البداية والنهاية في فلم «أحمد التليلي: ذاكرة الديمقراطية» وكأنها إشارة أو إماءة إلى الثمن الذي دفعه مناضل فذ ووطني مخلص بسبب كلمته الحرة وحبره الأبي والعصي عن التطويع والركوع... وهنا يأتي هذا العمل الوثائقي لرد الاعتبار إلى شخصية بارزة في الذاكرة التونسية كانت لها تجربة سياسية محترمة ورؤية استباقية حول الديمقراطية والمصالحة الوطنية وفقا للمخرج عبد الله شامخ.

وعن دواعي تركيز كاميراه على جوانب بعينها من مسيرة أحمد التليلي، كشف عبد الله شامخ لـ «المغرب» أن الفلم «تعمّد إثارة التفاصيل المغيبة عن قصد أو عن عمد في حياة أحمد التليلي على غرار رسالته إلى بورقيبة والتضييقات السياسية والنقابية التي عرفها التليلي في مسيرته قبل و بعد الاستقلال ...» وأضاف أن « أحمد التليلي أثار الجدل في علاقته بالتجربة التعاضدية ومناهضته لسياسة الفرض ومطالبته السلطة بأن تحاور الشعب ولا تفرض عليه بالقوة...حيث كان ينادي بالحوار والفكر التعددي».

وأكد مخرج فلم «أحمد التليلي: ذاكرة الديمقراطية» أن مسيرة هذا الزعيم الثرية والدرامية في بعض وجوهها والمحرّكة للثورة المسلحة التونسية والجزائرية... تستحق مشروع فلم طويل قد يولد يوما ما نظرا لحاجة تونس اليوم إلى الاستلهام من فكر أحمد التليلي بما هو ذاكرة حقيقية للديمقراطية.

هوامش عرض الفلم
• حضرت عديد الوجوه النقابية والحقوقية والسياسية العرض الأول لفيلم «أحمد التليلي: ذاكرة الديمقراطية» إلى درجة أن قاعة الطاهر الشريعة التي تتسع لـ 150 مقعدا قد ضاقت عن استيعاب ضيوفها وبقي بعضهم وقوفا.
• أطنب الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل نور الدين الطبوبي لدى إلقاء كلمة بالمناسبة في تعداد مناقب المناضل أحمد التليلي رغم إقراره بأن سيرة الرجل من اختصاص المؤرخين والباحثين إلا أنه تلا 6 صفحات أو أكثر في الحديث عن هذه الشخصية ومحطات حياتها...
*كان من المفترض أن يكون عرض الفيلم مشفوعا بنقاش لكن يبدو أن تداول الشخصيات الحاضرة على الكلمة قبل العرض لما يفوق نصف الساعة حال دون ذلك !

على لسانهم جاءت شهادات الفلم:
• محمد الصغير ميراوي:  كاتب عام الاتحاد الجهوي للشغل بقفصة
• إبراهيم العبيدي: مناضل دستوري ونقابي
• الهادي جلاب :المدير العام للأرشيف الوطني
• جوهر الفرجاوي : رئيس مدير عام البريد التونسي
• صادق علوش :نقابي من مؤسسي الاتحاد العام التونسيّ للشغل
• عمر التليجاني : نقابي
• رضا التليلي: مؤرخ

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115