دعاء ومعنى: اللهمَّ فارجَ الهَمِّ - 2 -

وبعد ذلك يصف الرسول صلى الله عليه وسلم ، ربه بما وصف به تعالى نفسه في سورة النمل في الآية 62 بقوله:

«أمَّن يُجيبُ المُضْطَرَّ إذا دعاه ويكشف السوءَ» . قال ابن عباس: المضطرّ هو ذو الضرورة المجهود. وقال السَّدّيّ وهو من كبار المفسرين: الذي لا حول له ولا قوّة. وقال ذو النون المصري وهو من جلة العارفين: هو الذي قطع العلائق عما دون الله. وقال سهل بن عبد الله: هو الذي إذا رفع يديه إلى الله داعياً لم يكن له وسيلة من طاعة قدّمها. وجاء رجل إلى مالك بن دينار فقال: أنا أسألك بالله أن تدعو لي فأنا مضطر؛ قال: إذاً فاسأله فإنه يجيب المضطر إذا دعاه. قال الشاعر: 

عليّ فما ينفَكُّ أن يَتفرّجَا وإنِّي لأدعُو الله والأمرُ ضَيِّقٌ
أصاب لَها لَما دعا اللَّهَ مَخْرَجَا ورُبَّ أخٍ سُدَّتْ عليه وُجوهُهُ

كما وَرَدَ في مسند أبي داود الطيالسي عن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعاء المضطرّ:«اللهم رحمتَكَ أرجو، فلا تَكِلْني إلى نفسي طَرْفة عين وأصلح لي شأني كلَّه لا إله إلا أنت».
وقد ذكر العلماء أنَّ الله تعالى ضَمَنَ إجابة المضطر إذا دعاه، وأخبر بذلك عن نفسه؛ والسبب في ذلك أنَّ الضَّرورة إليه باللّجوء ينشأ عن الإخلاص، وقطع القلب عما سواه؛ وللإخلاص عنده سبحانه موقع وذمّة، وُجِدَ من مؤمن أو كافر، طائع أو فاجر.

وبعد ذلك، خاطبه صلى الله عليه وسلّمَ، بقوله: «رحمانَ الدنيَا والآخرة ورحيمهما»، فَإذَا تَركنَا البسملةَ، ولَم نعدّها، وَجدنَا أنَّ اللهَ تعالى، سَمَّى نَفسه الرحمان 57 مرّة في القرآن، وأمَّا الرّحيم فوردت 95 مرَّةً، وهَذَا من العلامات الدالة والبراهين القاطعة أنَّ صفات الرحمة أغلب عليه من صفات القهر، فلم يَرد اسم القهار مثلاً إلاَّ 6 مرَّاتٍ، ولعلمه، صَلَّى الله عليه وسلم، بأنَّ الرحمة سابقة للغضب وأنَّ كَرَمَ اللهِ غَالبٌ عَلَى الانتقام، دَعَاه بهذين الاسميْن اللذيْن قال فيهما سيدي محمد المدني في تفسيره لسورة الواقعة: و«الرّحمَانِ الرَّحِيمِ»: اسمَانِ مَعنَاهُمَا واحدٌ، ولذلكَ تَرَاهمَا مَذكورينَ في صحبة واحدةٍ في الغَالبِ لتأكيد الرّحمة وتطميع قلوبِ الراغبين. وقيل بينهما مُغَايَرَةٌ: فَهوَ رَحمانُ الدُّنيَا، فَيَعُمُّ المؤمنَ وَالكَافرَ. وَرحيمُ الآخرةِ فَيَخُصُّ المؤمِنَ. وهَل الرحمان أبلغُ لأنّه يَتَنَاوَلُ جَلائِلَ النِّعَمِ وَأصُولِهَا، أَو الرَّحيم أبلغُ خلافٌ. هَذا وقَد قَالَ ابن عباسٍ، رَضيَ الله عنهما،: همَا اسمَانِ رَقيقَانِ، أَحدُهمَا أرقُّ منَ الآخَرِ.

وقد ختم النبي، صلَّى الله عليه وسلّم، هذا الدعاء، بقوله الجامع: «أنت تَرحَمني»، والأسلوب قصْرٌ أي إن الرحمة مقصورَة على الله وحده، لا يعطيها أحد سواهُ، ولا تطلبُ من أحدٍ غيره، وهذا من تمام يقينه، صلَّى الله عليه وسلّم، الذي لَم يَرجُ الرَّحمَةَ من أحدٍ سواه أبدا .

ثم يزيد هذا المعنى تأكيدا فيقول: «فارْحَمْني رحمَةً تُغنيني بها عمّن سواكَ»، أَيْ إنَّ للرَّحْمَة التي ستشمله غايتين: فبالأولى يفرّج الله تعالى مَا اشتدَّ من الأمور، وبالثانية لاَ يحوجه في حال ضيقة إلَى أَحدٍ، لأنَّ الاحتياج إلَى غَير الله مَظنة التوكل على المخلوقين، وحاشا لمقام النبوة العالي وسرّه الغالي أن تتعلّق بِسوى الله، كيفَ وهوَ القائل في حديث يرويه الترمذي رقم 3563 :اللهمَّ أكفني بحلالك، عَن حرامك وأغنني بفضلك عمَّنْ سواكَ».

وخلاصَة هذا الحديث الأغرّ أنَّ المؤمنَ إذا اشتَدَّ عَلَيه أمرٌ من أمور الدنيا، وجب عليه أن يَتَوَجَّه إلى الله، بقلبٍ خَاشِعٍ وطَرْفٍ دَامعٍ، حَتَّى يفرّجَ عنه ولا يطمع فيمن سواه، ومجرّد الدعاء بهذا الكلام هو أول مراحل تفريج الهموم وكشف الغموم.

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115