وقال عليه السلام « ما من عبد إلا له ملك يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام ، فما من شيء يأتيه إلا قال : وراءك، إلا شيئاً أذن الله فيه فيصيبه».
وقد يَحفظ الله العبد بصلاحه بعد موته في ذريته، قال تعالى : «وَكَانَ أبوهما صالحاً» قيل : أنهما حفظا بصلاح أبيهما. وقال عمر بن عبد العزيز : ما من مؤمن يموت إلا حفظه الله في عقبه وعقب عقبه. ومتى كان العبد منشغلاً بالطاعات، حفظه الله في تلك الحال ومن حفظ اللهَ حفظهُ الله من الأذى. وقال بعض السلف: من اتقى الله، فقد حفظ نفسه، ومن ضيع تقواه فقد ضيع نفسه، والله الغني عنه.
وأما حفظه في دينه فهو حفظ الله للعبد في إيمانه فيحفظه من الشبهات، ويتوفاه على الإيمان.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم : «لا تُشمت بي عَدوًّا حَاسِدًا» فهو من قبيل قوله تعالى: وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ»، وذكر الشيخ ابن عاشور أن: «الحسد: إحساس نفساني مركب من استحسان نعمة في الغير مع تمني زوالها عنه لأجل غيرة على اختصاص الغير بتلك الحالة أو على مشاركته الحاسد فيها. وقد يطلق اسم الحسد على الغبطة مجازاً. والغبطة: تمنّي المرء أن يكون له من الخير مثلُ ما لمن يروق حاله في نظره، وهو محمل الحديث الصحيح: «لا حَسَدَ إلا في اثنتين»، أي لا غبطة، أي لا تحق الغبطة إلا في تينك الخصلتين، وقد بين شهاب الدين القرافي الفرق بين الحسد والغبطة في الفرق الثامن والخمسين والمائتين. فقد يغلب الحسدُ صبرَ الحاسد وأناتَه فيحمله على إيصال الأذى للمحسود بإتلاف أسباب نعمته أو إهلاكه رأساً. وقد كان الحسد أولَ أسباب الجنايات في الدنيا إذ حسد أحد ابني آدم أخاه على أن قُبِل قربانه ولم يقبل قُربان الآخر».
ومن المعلوم أنَّ شماتة الأعداء الحاسدين لم تطل ولا تطال بحالٍ عزيمة النبي، صلى الله عليه وسَلَّم، في نشر الدين، وإنما هذا الدعاء هو تعليم للأمة حتى يدعوا الله أن يخفف عنهم وقع شماتة الأعداء حتى يظلَّ إيمانهم قويا متينا لا تزلزله السخرية ولا افتيات الأعداء وهذا من لطيف الدعاء النبوي حينَ طلب جعلَ الإيمان ثابتا، دائمًا بمنأى عن كلِّ تأثيرٍ.
والخزائن الواردَة في القسم الثاني من الدعاء هي أيضا مصطلحٌ قرآني ورد في سبع آيات منها قوله تعالى: ولله خزائن السماوات والأرض (المنافقون: 7)، أي ما هو مودع في العوالم العليا والسفلى ممّا ينفع الناس، وكذلك قوله وإنْ من شيء إلاّ عندنا خَزائنه (الحجر: 21).
وخزائن الخير نوعان مادي ومعنوي فالمادي هو مقارّ أسباب حصول الأرزاق من غيوث وأشعة الشمس والرياح الصالحة فيأتي ذلك بتوفير الثمار والحبوب وخصب المرعى وتزايد النتاج. وأما خزائن الأرض فما فيها من نبات ومعائش وأما الخير المعنوي فهو الصلاح والهدى والرحمة والغفران وكلها عند الله في خزائنه وهذا مجازٌ عن علمه وإرادته.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم» أعوذ بك من كل شرٍّ خَزائنه بيدك»، فيحتاج إلى تدقيق رغم ظهوره. ففيه أن النبي يستعيذ أي يطلب الحفظ والرعاية الربانية حتى لا يَعرضه الله إلى ما كان في القضاء من شرّ وشدة. وكلنا مطالبونَ بالايمان بالقضاء خيره وشره ومعناه ما يكون في ظاهره شرّ، إذ كل ما يفعل الله فهو خيرٌ ولا ينسب إليه تعالى إلاَّ الخير. وأما ما يحصل للناس، وحتى المؤمنين، منهم من الأذى فيُحمَلُ إما على الابتلاء وجزاؤه الجنة إذا صبرَ عليه وإما على عجز العقل من رؤية الحكمة من وراء ذلك.
يتبع