في كتاب «دراسات في الإرهاب والتعليم» للطيب الطويلي: كيف تسبّب انحدار التعليم التونسي في توّسع رقعة الإرهاب؟

صدر مؤخرا كتاب «دراسات في الإرهاب والتعليم» في 176 صفحة، للطيب الطويلي وهو دكتور مختص في علم الاجتماع،

وقد ضمّن فيه مجموعة من الدراسات والمحاضرات التي قدمها في ندوات وملتقيات بداخل البلاد التونسيّة وخارجها، وهو محاولة لتفكيك ظاهرة الإرهاب والإلمام بشتى جوانبها التاريخية والسوسيولوجية والنفسية، وتبيان للتأثيرات المدمرة للتطرف الديني في المجتمع التونسي خاصة ومختلف المجتمعات الأخرى، باعتبار تأثير الظاهرة الإرهابية في المجتمع وتأثيرها على شتى الجوانب الأخرى الاقتصادية والتعليمية والثقافية، وملامستها للهوية المجتمعية، حيث وجد المجتمع التونسي نفسه في رحلة بحث عن ذاته.

ولقد تعرض الكتاب إلى انحدار مستوى التعليم التونسي وتدني المستوى الفكري وغياب العقل الناقد لدى الشاب التونسي ساهم في توسع رقعة الإرهاب وبسط نفوذ منظري هذا الفكر المتشدد لاستقطاب شريحة هامة من الشباب والتلاعب السهل بدماغه وتطويعه للانقياد إلى الأوامر بشكل أصمّ.

يعرض الكتاب بعض المراحل من التاريخ الإسلامي التي كانت فيها بعض الجماعات الإرهابية مؤثرة، ويفكك طرائق تفكيرها واشتغالها وأهدافها ويتوصل إلى أنها رغم الدمار الفكري والمادي الذي تحدثه تنتهي إلى الزوال السريع. وهناك ترابط وثيق بين تفاقم أزمة التعليم وتدني مستواه وبين تغوّل التطرف الديني وتعميم أدبياته بين العوام، وتمكنه من عقول الشباب، فإن ظاهرة الإرهاب شديدة التعقيد، بمعنى أننا لا يمكننا أن ندرسها بمعزل عن مختلف الجوانب الأخرى، هذا التعقيد الذي اعتبره ادقار موران أساس الفهم المعرفي والمبدأ الأساسي للاستنتاج والربط الفكري ظاهرة تتداخل فيها مفاهيم سوسيولوجية عدة مثل «التنشئة الاجتماعية» و «المساواة الاجتماعية»، وتدفع بنا إلى طرح تساؤلات حول شخصية الإرهابي، والأسباب المباشرة والعميقة التي دفعت به إلى الولوج في عالم التطرف.

ويرى المؤلف أن انحدار التعليم التونسي سوْأَة كبرى ساهمت في تدني المستوى الفكري والعقل الناقد للشاب التونسي لكي يتمكن منظرو الإرهاب ومستقطبوه من التلاعب السهل بدماغ الشاب وتطويعه للانقياد إلى الأوامر بشكل أصم. فأهمية التعليم كما يراها منتاني Montaigne في أنّ الأفضل أن يكون العقل مـُتكوّنا بشكل جيّد على أن يكون غاصــّا بالمعلومات، ولعل أدمغة أبنائــنا غير معدّة مطلقا لإثبات الذات وترسيخ الهوية، وهو ما سهّل تفجير أزمة الهويـّة إبان الثورة وأخرج للسطح المشاكل الاجتماعية والسيكولوجية للمجتمع التونسي والمخزونة في اللاوعي الجمعي من افتقاد للقدوة، ومن إحساس بالضيم والتهميش والتعسف الاجتماعي والثقافي، ويأس من المقدرة على الرفع من المكانة الاجتماعية جراء تعطل المصعد

الاجتماعي.

هذا الكتاب يمثل طرحا جديدا من منظور سوسيولوجي مختلف الظواهر الاجتماعية السلبية التي تتنامى في مجتمعنا والتي فجرتها الثورة التونسية وأماطت اللثام عنها حيث ساهم هذا الانفجار الذي أحدثته الثورة في شتى المجالات في ظهور عورات المجتمع التونسي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وطفت إلى السطح إشكاليات كثيرة لم تكن مطروحة سابقا إلا داخل أطر أكاديمية ضيقة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115