المركز الوطني لفن العرائس.. إعادة تجسيم أبواب مدينة تونس: نحن صنّاع الحياة وخالقو الجمال

حلّقوا باحلامهم عاليا، عاندوا الموجود وصنعوا تحفة فنية ومعمارية مميزة، من الخشب صنعوا «العجب»

واعادوا الحياة الى الابواب المنسية، هم خلّاقون كما الخالق شاركوه حب الابداع فأبدعوا وتميزوا ومن ارواحهم الملتهبة بالامل و المقبلة على الابداع نفخوا في أبواب المدينة واعادوا اليها الحياة.

هم مبدعو المركز الوطني لفن العرائس جميعهم دون استثناء من المدير الى الادارة وكامل الفنانين والعاملين تشاركوا الحلم وسعوا إلى إنجازه فكانت تحفة انيقة بها مسحة المسرح وريشة فنانين يقبلون على السواد فيحولونه إلى أمل وبمناسبة تظاهرة تونس عاصمة للثقافة الاسلامية صنع ابناء المركز مجسمات كبرى لابواب المدينة العتيقة للتعريف بها وتقديم انموذج عن الابداع التونسي.

جولة في الذاكرة مطيتها الفن
رحلة ممتعة، غوص في الذاكرة ومحاولة لاستكشاف التاريخ وفهم بعض حقائقه الرحلة يصنعها مبدعو المركز الوطني لفن العرائس الذين حلموا وآمنوا بقدرتهم على التحليق في سماء الابداع، جميعهم يقودهم وازع الحب والرغبة في الخلق وفي بهو المدينة يقدمون للجمهور والزوار تحفا تشكيلية وفنية ومعمارية ايضا فهم اعادوا الحياة في الابواب المترامية حول سور مدينة تونس وانقذوا المستكشف من رحلة التجوال في اكثر من مكان فحملوا اليه التاريخ ووضعوه امامه ليمتع العين والفكر.

جميعنا يعرف اسواق المدينة العتيقة وجميعنا يدخلها من باب بحر لكن ربما اغلبنا لم تسكنه الرغبة في معرفة تاريخ الباب او زمن بنائه او علوه وتفاصيله المعمارية ربما بسبب زحمة المارة او ربما لاهتمامنا اكثر بالتسوق لكن ان ياتيك الباب الى بهو المدينة شامخا ويحدثك عن تاريخه عبر تفاصيل دقيقة ابدع الفنانون في تجسيدها فهم ركزوا على التفاصيل قبل الصورة الخارجية باب البحرالذي بني في عهد الأغالبة، سمي كذلك لأنه يفتح في اتجاه البحر، قبالة بحيرة تونس يستقبل زوار المدينة بكل تفاصيل القوس واللون البني الفاتح مع تدرجات في الابيض.

باب الخضراء ايضا كلنا نعرف انه «قريب لمحطة المترو والحافلة» لكن يندر من يرفع رأسه لقراءة ما كتب في أعلى الباب في المجسم الموضوع في ساحة المدينة يذكرون بتاريخ بنائه ودوره وسرّ التسمية فقد كان موجودا في عهد الدولة المرادية تقريبا في العام 1320 على شكل قوس بسيط ثمّ هُدم وأعيد بناؤه على شكله الحالي سنة 1881 وكان دوره تسهيل المبادلات التجارية. استمدّ اسمه من مدينة تونس الخضراء.

الى يسار باب الخضراء باب اخر في الواقع اندثرت كل معالمه ومن حسن حظّ الزائر ان هناك صورا وفنانين خلقو الباب واعادوا اليه الحياة «باب عليوة» باب المحطات والمسافرين والرّحل طمست كل اثاره لكنه اليوم موجود يخبر الزائر عن تاريخه وربما يحدثه عن قوافل الرحل ومغادري المدينة ينقل حكاياهم ويسرد اسماء بضائعهم وينشد وجعهم وحنينهم لمدينة «تيناس» المعروفة بجمالها،

ولانهم لم يتركوا للصدفة مكانا كتبوا لافتة تعرف بالباب وتقول انّ باب عليوة بناه السلطان الحفصي أبو إسحاق إبراهيم المستنصر (1349 - 1369) في الجهة الشرقية من سور المدينة. سمي بـباب عليوة نظرا للعلّيّة (طابق علوي صغير) التي كانت فوقه دخل منه خير الدين بربروس مدينة تونس عام 1534 م. سمي أيضا باب القوافل نظرا للقوافل التي كانت تصل إليه من الوطن القبلي والساحل التونسي محملة بالحبوب والزيت وبعد مئات الأعوام يصبح باب عليوة محطة انطلاق المسافرين الى الساحل والجنوب، باب نسته الذاكرة الجماعية ونسته العمارة وطمست شواهده فاحياه عشاق الحياة في المركز الوطني لفن العرائس.

. .الى جانب باب عليوة مجسم لمقام ابيض اللون مربع الشكل تعلوه قبة خضراء هي «زاوية سيدي البشير» وسميت نسبة الى الولي الصالح «سيدي البشير» ومقامه في الجلاز باب عليوة، ميزة الزاوية هي التركيز على نحت التفاصيل لتبدو كان بابها نصف مفتوح يدعو الزوار إلى اكتشاف المكان والاستمتاع بسحر الموسيقى الصوفية في وطن كانت الزوايا فيه الحارس الامين على التراث الصوفي.

لازالت الجولة متواصلة فنهر الابداع لا ينضب، هم سافروا بنا في الزمن ودفعوا الزائر إلى اعادة قراءة تاريخ الابواب وربما التنقل على عين المكان لمشاهدةة الابواب الحقيقية وحكاية الابواب مع السفر تبدو انها ازلية فمن باب عليوة وباب الخضراء الى باب سعدون و تمّ يناؤه سنة 1350 تقريبا، سمّي كذلك نسبة إلى اسم رجل صالح يدعى أبو سعدون، كان يعيش بجواره.

اختلفت الاسماء والمعنى واحد هو التجوال في ذاكرة مدينة تونس العتيقة معانقة تلابيب الحلم فيها وعودة بالزمن الى العهد الاغلبي و الحفصي والمرادي والموحدي لمعرفة قصص المكان وماتخفيه الابواب خلفها من اسرار وربما زيارة الابواب تبوح ببعض هذه الاسرار.

تونس بين الامس واليوم: شامخة بمبدعيها
من الخشب انطلقت الحكاية منه بدأوا في صنع الابواب وقبل الخشب كانت الفكرة، فكرة احياء الابواب من النسيان و اعادتها الى الحياة والتعريف بها لضيوف تونس وابنائها ايضا، عملا بمقولة ماكسيم غوركي «يكمن في كل إنسان قوة الباني الحكيمة ولا بد من إفساح التطور والازدهار لها لكي تثري الأرض بعجائب ومعجزات جديدة».
هي فكرة مختلفة بعثت الروح في الحجارة المنسية منذ مئات الاعوام ومعها بعث الحياة في أبواب منازل المدينة ذات الالوان والخصوصية والتعريف بتاريخ مدينة تونس ودفع المهتم بالتاريخ والعمارة إلى القراءة عن ابواب باتت جزءا من يومه.
تلك المدينة التي كان اسمها «تيناس» في العهد القديم لم تستطع ان تكون ندا لقرطاج لكن لها خصوصياتها، المدينة التي عرفت ازدهارها في الفترة الاسلامية خاصة مع دخول الاغالبة إليها، ثم اصبحت ولاية افريقية في عهد الدولة الموحدية

1169 /1229)، قبل ان تصبح عاصمة لملوك دولة بني حفص (1229هـ/1574م). خلال هذه الفترات مرت المدينة بمراحل مزدهرة بالرغم من فترات الركود المعماري الذي عرفته طوال الفتوحات الاسلامية وخاصة خلال فترة الولاة. لكن هذه الفترة لم تدم طويلا، فقد جدد الأغالبة الحياة المعمارية حتى بلغت أوج ازدهارها خاصة أواخر العهد الصنهاجي وأيام بني خرسان. ونتيجة لموقعها البحري الهام تمكنت من ربط علاقات تجارية مع كثير من المدن الأوروبية مما ساهم في توسعها ونموها خاصة معماريا كما جاء في موقع المعهد الوطني للتراث.

واصل الجولة واكمل القراءة واستكشاف المعاني بين السطور فالابواب هي وجه المدينة حاملة اسرارها وحكاياها مدينة تونس التي عرفت اوج جمالها مع بداية من القرن الحادي عشر وفي العهد الحفصي اذ أضيفت لها الأرباض ، تم إثرها بناء سور ثان خارجي يجتمع بالسور الداخلي عند باب بحر، وفيه عدد من الأبواب، وهي باب عليوة وباب الفلة وباب القرجاني وباب سيدي عبد الله الشريف وباب العلوج وباب الأقواس وباب سعدون وباب سيدي عبد السلام وباب العسل، ثم باب الخضراء، ابواب حاكت التاريخ وكانت جزءا هاما في الحركة الاقتصادية لمدينة تونس اختلفت مكانة الابواب وصلاحياتها حسب الوظيفة التجارية والاجتماعية ، الابواب كانت ميزة للمدينة عنوانا للشموخ و الاختلاف والابداع في البناء والزينة وفي بهو مدينة الثقافة وعلى شارع محمد الخامس اعيد تجسيم هذه الابواب باحجامها الحقيقية وجميع تفاصيلها لتكون شاهدا على ابداع فناني المركز الوطني لفن العرائس.

احياء الابواب من صمتها واعادة تجسيد الابواب المندثرة مطية للدفاع عن التراث الوطني وحماية الذاكرة من التلاشي عمل مسرحي وابداعي وانساني متميّز يؤكد من جديد انه اينما كان هناك مجتمع انساني تتجلى روح المسرحية التي لا يمكن كبتها (بيلي) ويثبت أيضا أن «تونس ولّادة».

محمد نوير عرائسي وطفل لا يكبر
هادئ لون بشرته كتراب هذه الارض هو ملحها وفنها، عاشق للماريونات التي الفها والفته وكونا اجمل الابداعات، يرى في تلك الاخشاب و الاقمشة اصدقاء يصنع منهم الاعاجيب الفنان محمد نوير من ضمن الفريق الذي أشرف وصنع ابواب مدينة تونس العتيقة، فنان لا يكبر طفل لازال يلاعب الدمى بكل أشكالها كلما انهمك في صناعة دمية او عمل الا وابدع في اتقانه، الساحر محمد نوير كانت بدايته المسرحية في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات ضمن الفرق والجمعيات المسرحية الهاوية المنتصبة بالعاصمة مثل فرقة النهوض المسرحي وجمعية المسرح الشعبي.

لتكون سنة 1970 : الانطلاقة الحقيقية في مجال مسرح الدمى والعرائس بعد الاستفادة من تكوين ميداني على يد العرائسي المغربي الجنسية «حسني العلوي بن عيسى» ومنذ ذلك الوقت ومحمد نوير عنوان لفن العرائس انموذج للرجل الصادق والفنان المؤمن بابداعه حالم كلما تقدم في العمر زادت احلامه جمالا والوانا، الفنان محمد نوير الاستاذ المتيم بفن الماريونات له سحره ووجوده حتما يعطي الثقة والقوة لكل الحالمين وحاملي مشروع نجاح فن الماريونات في تونس.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115