تونس عاصمةُ الثّقافةِالإسلامية: الحٌلْمُ

وحيد السعفي
لمّا كانتْ تُونسُ سَبّاقةً إلى التجديد في الإسلام اخْتارتْها المُنظّمةُ الإسلاميّةُ للتربيةِ والعُلومِ والثقافةِ عاصمةً ثقافيّةً

للإسلام سنةَ 2019. فتَغيّرَ وجهُ الإسلام في تلك السنة، واتّخذَ المسلمون ذلك التاريخَ تاريخاً لِبدايةَ عَهدٍ جَديدٍ في الإسلام. وقد أرّخَ المؤرّخون لهذا الإسلام وسَمّوْهُ إسْلامَ العَهد الجديد، وسَمّوْهُ الإسْلامَ السعيد، ودَوّنوا فيه الكُتبَ، وبَثّوا فيه التسجيلاتِ في الإذاعات ومواقع الإنترنات، والأفلامَ والأشرطةَ في قاعات السينما والتلفزيونات، وتَناقل الناسُ بشأنه الأخبارَ الطوالَ. وفيما يلي من قصّة نُذكّركُم بأهمّ الأحْداث التي تَمَّت في السنةِ التي أصبحتْ فيها تُونسُ عاصمةً للثقافة الإسلاميّة.

1 – دعتْ تونس بوصفها عاصمةً للثقافة الإسلاميّة إلى اجتماع خارق للعادة للمُنظّمة الإسلاميّة للتربية والعلوم والثقافة تمّ فيه انتخابُ الأستاذة الدكتورة اعتماد نور رَئيسةً للمُنظّمة بالإجماع. وقد جاء هذا الانتخابُ مُؤشّراً دالاًّ على التغيير في مَنهَج العَمل في المنظّمة وذلك لسَببيْن. السبب الأوّل هو الاعتراف التامّ بحقّ المرأة في ترؤس المنظّمة الإسلاميّة المُوقّرة. والسبب الثاني هو إنهاء مَرحلة ثلاثين سنة تَرأس خلالَها المُنظّمة المُوقّرة شَخصٌ واحدٌ، وإقرارُ مَبدإ التدوال الديمقراطيّ على رأس المنظّمة بانتخاب الرئيس أو الرئيسة لدورة بأربع سنوات قابلة للتجديد مَرّةً واحدة.

2 – قَدّمت تونس خلال هذا الاجتماع الخارق للعادة برنامجَ الاحتفال السنويّ بتظاهرة تونس عاصمةً للثقافة الإسلامية. وقد اتّخذَ هذا البرنامجُ شِعاراً لم تألفْهُ المُنظّمةُ الإسلاميّةُ للتربية والعلوم والثقافة وهو: تَجذيرُ الثقافة الإسلاميّة في العَصر. وقد تَمّ بمقتضى هذا البرنامج التخلّي عن الحَضْرات والزيارات والبنادير والدراويش والمَسرحيّات التاريخيّة الساذَجة والأعمال التي يُنتجها زبانيّةُ الوزراء، يُوهمون الوزراءَ بأنّها من الفنّ وهي ليستْ من الفنّ، يُدجّلون بها على الوزراء، والوزراءُ تَوّاقونَ إلى المُدجّلين يُرقصونهم على أصوات البنادير. وفي ظلّ هذا التخلّي الجريء تمّ اعتماد موسيقى فنّانات وفنّانين من الشباب المبدع الطريف الذي لم يَسْعَ إلى الوزراء ولم يُفسده الوزراءُ، واندرجَ في العصر بفضل البحث في الموسيقى الراقية.

وتمّ بمقتضى هذا البرنامج أيضاً الاحتفاءُ بالجسد الإسلامي احتفاءً لمْ تَشهدْه المُنظّمةُ الإسلاميّةُ للتربية والعلوم والثقافة من قبلُ، من خلال عروض الرقص الكلاسيكي والحديث والمعاصر حيثُ التعبيرُ الجسماني الرائعُ عن روح الإسلام ونُصوصه الخالدة، وإنْ في ظلّ تَعرّي الجسد والتجرّد الكامل.
كما تمّ بمقتضى هذا البرنامج فَتحُ جميع الفضاءات للرسّامين لإبداعِ ما شاؤوا من اللّوحات، والتعبيرِ بحُرّية عَمّا يَختلجُ فيهم من مَشاعرَ إسْلاميّة تَلقّحتْ بمشاعرَ من الثقافات قاطبة، والتَشخيصِ الفَنّي لِما شاؤوا من شَخصيّات من داخل الإسلام أو من خارجه، وإنْ في ظلّ الفَكَهِ والكاريكاتور، فيتمّ بذلك تَجاوزُ القول بأنّ الإسلام يَمنعُ التصويرَ والتشخيصَ والرسوم التي تَتّخذُ الإسلامَ والمُسلمين موضوعاً.

وقد صادق الاجتماعُ الخارقُ للعادة للمُنظّمة المُوقّرَة على هذا البرنامج وأوصى جَميعَ الدول الإسلاميّة التي تُرشّحُ لاحقاً مُدنَها لتكونَ عَواصمَ للثقافة الإسلاميّة أنْ تَتّخذَ البرنامج التونسي مثالاً أنموذَجاً وألّا تَعتبرَ الثقافةَ الإسلاميّةَ حَضْرةً وزيارةً وبنديراً ودَورانَ دراويشَ، وألاّ تُحاصرَ الإبداعَ ولا تَحْظُرَ التعبيرَ بالجَسد الحُرّ والرقصَ والتجرّدَ والتعرّي، وألاّ تَمنعَ الفنّانَ من التصوير والتشخيص والرسم.

3 – وقد تَميّزَ برنامج تونس عاصمةً للثقافة الإسلاميّة خاصّةً بالملتقى الدولي الذي نَظّمتْه تونس تحت عنوان: مَجلّة الأحوال الشخصيّة في عهد الرئيس الزعيم الحبيب بورقيبة، ودَعت إليه العلماءَ من الشرق والغرب والشمال والجنوب، من البلاد الإسلامية والمسيحية واليهودية والهندوسية والبوذيّة والبلاد النافيّة للدين. كان هذا المُلتقى العلميّ إشادةً صارخةً بأعمال المُجاهد الأكبر، واعترافاً له من الدول الإسلامية، وإنْ أظهرت له العداءَ أمسِ، بما كان له من تَطلّع إلى التغيير، وتنويهاً طويلاً بما قطعته تونسُ من أشواط في مجال الأحوال الشخصيّة. وقد أوصى الملتقى في نهاية أشغاله بضرورة التئام قمّة إسلاميّة لاتّخاذ القرار السياسي للنهوض بالأحوال الشخصيّة. وهو ما تمّ فعلاً.

4 – يُمكن أنْ نقولَ ولا حَرَجَ إنّ القمّةَ الإسلاميةَ الخارقةَ للعادة التي انعَقدتْ في تونس في تلك السنةِ قد غَيّرت وَجهَ الإسلام وجَذّرتْه في العصر. وقد حَضرَها القادةُ المسلمون جميعاً في مُستوى الملوك والرؤساء، لم يَتخلّف منهم أحدٌ، واتّخذت قراراتٍ جَريئةً ثوريّةً مُلزمةً لجميع الدول الإسلاميّة دون استثناء، لا في مُستوى الأحوال الشخصيّة وحسب، بل في مُستوى الشؤون الإسلامية بصفة عامّة. وفيما يلي ثَلاثةٌ من هذه القرارات، ويُمكنكم الاطلاعُ على باقي القرارات على صفحات مواقع الفايسبوك والانترنات:
القرار الأوّل: المساواةُ بين المرأة والرجل. نَظراً إلى روح الإسلام السمحة التي تَجلّت في القرآن والسنّة النبويّة الشريفة تَقرّرَ أنْ تُغيّرَ جميع الدول الإسلاميّة تَشريعاتها لتجعل المرأة فيها مُساويّةً للرجل في الحياة العامّة والخاصّة، في الحقوق والواجبات، في العمل والبيت، في الميراث، في الحريّة، في السفر ومنع المَحرم. وقد تمّ هذا فعلاً في ظرف وجيز جدًّا.

وأصبحت المرأة مُساويّةً للرجل. وقد توقّف في تونس، بفضل هذا القرار الإسلامي العظيم، التلكّؤ في جعل المرأة مُساويّةً للرجل في الميراث، وسَكت الشيوخُ المُعارضون. وأنّى لهم أنْ يُعارضوا ما قرّره الملوكُ والرؤساءُ المُسلمون!

القرار الثاني: جَعلُ الحَرميْن الشريفيْن منطقةً حُرّةً تَخضعُ لسلطة إسلاميّة مُنتخبة من المُختصّات والمختصّين في العلم والقانون والاقتصاد والسياسة والفنّ. وتَسهرُ هذه السلطةُ على صيانة الحَرميْن وحمايتهما ورعايتهما والمحافظة عليهما، وتَتصرّفُ في المداخيل التي يُوفّرها الحجُّ والعُمرةُ وغَيرُ ذلك من الشعائر والمصالح، وتُخصّصُ تلك المداخيلَ وجوباً للتربية الحديثة، وتعليم العلوم التي تُجذّر المُسلمين في العصر، وتَوفيرِ المَدارس والمَعاهد والجامعاتِ والمُدرّسات ذوات الكفاءة والمُدرّسين كذلك.

القرار الثالث: مَنعُ المُرتّلين الذين يرتزقون من القرآن بواسطة الأشرطة والأقراص والإسطوانات والكاسات، وفي أصْواتهم عِلّةٌ كالنّعي، فتُخيفُ أصواتُهم الناسَ وتَقشعرُّ لها أبدانُهم، وهم يُذكّرون بالموت ولا حياةَ. وهم عادةً ما يكونون من الخليج، ومنهم مَنْ لم يكن من الخليج. ومُقابل ذلك تَمّت الدعوةُ إلى إيجاد سُبل أخرى للترتيل والتلاوة في العصر الحديث. وقد نَوّه الحاضرون بصوت السيدة فيروز الملائكي، وتمنّوا لو تكرّمت السيدةُ وصَدحتْ بالقرآن، فصوتُها العذبُ يُناسبُ القرآنَ إذا ما كان القرآنُ أنشودةً للحياة.
مُنذُ ذلك التاريخ صارَ المُسلمُ حالماً بالطبع!

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115