الأيام الرومانية في الجم: «سايكولوم» الاه الزمن الأبدي يصحب العشّاق في رحلة إلى «تيسدروس»

التاريخ مبهر، التاريخ حكايات الأجداد وسحر الماضي ومتعة قصص نقرأها على الورق قصص حوّلتها جمعية «نحب الجم»

الى حكايات ممتعة يشاهدها الزوار من خلال تظاهرة «الايام الرومانية بالجم»، تظاهرة تجمع التاريخي و كل فنون الفرجة لتجسيد ملاحم الرومان وحكاياهم في تيسدروس الساحرة.
«تيسدروس» كانت قبلة العشّاق عشاق التاريخ والباحثين عن حكايات الماضي وهمسات الحجارة، رحلة عبر الزمن تعود فيها الذاكرة الى عوالم خلت عوالم تنقلها الموسيقى و المسرح وكل الفنون لتمتع زوار «تيسدروس».

«تيسدروس» تناديك للعودة بالزمن إلى العصر الروماني
رحلة عبر الزمن، رحلة ستتعرف فيها الى سحر «كليو» الهة التاريخ، رحلة الذاكرة تحملك من العام 2019 الى القرنين الثاني والثالث للميلاد، رحلة من تونس الجمهورية الى مقاطعة افريكا الرومانية، رحلة زمنية مطيتها الثقافة فالفعل الثقافي قادر على التجوال بذاكرتك في الازمان و الامصار، الرحلة تكون الى «تيسدروس» الساحرة، تيسدروس المميزة التي احتفت طيلة الايام الفارطة بالأيام الرومانية، وفي ساحة المسرح الاثري كان اللقاء مع العرض الفرجوي الختامي الذي قدّم في ساحة المسرح الاثري بالجم امام جمهور غفير، عرض حاكى القديم ونقله الى جمهور العصر الراهن بكل حرفية.
الشارع الرئيسي المؤدي الى قصر الجم تزين بالأعلام و اللافتات التي تعرف بالمدينة وتذكر الزائر انه في حضرة تيسدروس العظيمة تيسدروس مدينة الزيتون تيسدروس التاريخ و الثقافة والفنون، صفّ طويل، اوّله الامبراطور وحاشيته والنبلاء، ملابسهم متقنة الصنع الوانها مميزة علامات الغنى والبهرج واضحة على اللّباس، خلفهم مباشرة الفرسان بخوذاتهم المذهلة وسيوفهم البراقة، ثمّ المجالدون، وخلفهم المواطنون و المتفرجون وجمهور حلقات الصراعات التي تقدّم.

موسيقى حربية صاخبة، موسيقى كانها «اوبريا» الهة الموسيقى تعزف لحن الحرب، موسيقى ترتفع تدريجيا كلما اقتربت من المسرح الدائري الخارجي وكاننا في حضرة «ملبومان» ربّة الشعر المأساوي، جميعهم مصطفون بكل نظام، مسارهم واضح، هو المسرح، هناك نصبت خيام مربعة الشكل حمراء اللون للامبراطور وحاشيته، وبمجرد وصولهم تنطلق الفعاليات.

ايها الزائر سنتركك في المنتصف، امامك تجسيم للحياة الرومانية وحفلات المجالدة وخلفك جمهور متعطش للفرجة ستسمعه يصرخ بين الفينة والأخرى معبرا عن اعجابه بمصارع ما، تنطلق العروض مع رقصات يؤديها جميلات تيسدروس وهنّ يلبس الفساتين القصيرة الملونة بكل تلوينات الحياة ويضعن فوق رؤوسهنّ اغصان الزيتون التي ترمز الى انّ تيسدروس كانت مدينة الزيتون وبامتياز، يرقصن بلين كانهنّ يخضعن لتعاليم الربة «تاريسكو».

الموسيقى الجميلة جمال حركاتهنّ والساحرة سحر لباسهنّ تصبح اشد قوة كانها لحظة الاعلان عن بداية العروض الفرجوية الحقيقية العروض التي تسيل فيها دماء المجالدين و المصارعين ليستمتع الامبراطو والجمهور، من الخلف يخرج شاب طويل الشعر انيق الملبس يضع حزامه الروماني يتحدث الى الجمهور ويخبره عن المجالدة وانطلاق الجولة الأولى حديث ذو شجن كانه يقف في حضرة «بوليمنا» ربة الغناء الديني، يحادث الجمهور بكل خشوع ليخرج الى الساحة مجالدون الأول بالأسود والثاني بالأحمر كلاهما يحمل رمحه وسيفه و الخوذة تغطي كامل الوجه وتنطلق الجولة بين ضرب و محاولة للانتصار واثناء الصراع تحدث بعض المناوشات الهزلية والمضحكة وكأننا بالمصارعين يتعمدون ذلك ارضاء للربة «تالي»تكون الحكاية التي تنتهي عادة بموت احدهم والمنتصر تقدم له جريدة النخل كعربون للتشجيع للاستعداد لمصارعة اخرى.
في استحضار الايام الرومانية تركيز على التفاصيل فهي التي تصنع الكمال، هتافات الجمهور وامتزاجهم مع العرض وتماهيهم مع لحظات المصارعة والرقص كانه امر جيني ورثه احفاد تيسدروس عن اجدادهم فهم عشاق الفن و الحياة يدورون في فلك «اوانيا» علّهم يلتقون بالربة اثينا في تجوالهم.

«تيسدروس» ممر الحضارة والفن
ممر للحضارات، ممر للثقافات، ممر للإبداع ولكل الالوان والأعراق هكذا هي الجم، فتيسدروس الكلمة البرية معناها الممر ، عرفت حروبا ضروسا ربما ساهمت في اختلاط المزيج الاجتماعي لتلك المنطقة النوميدية التي شهدت حرب افريقيا 47قبلل الميلاد-46قبل الميلاد بين يوليوس قيصر و بومبيوس حينها طلبت تيسدروس الحماية من قيصر روما الذي انتصر في تلك الحرب لتصبح مقاطعة رومانية وتعرف اوج ازدهارها في القرنين الثاني والثالث للميلاد لانها كانت تعد من المدن الهامة بالمقاطعة الافريقية الى جانب قرطاج وحضر موت واوتيكا ولبتيس ماقنا و شهدت المدينة تطورا في عهد العائلة «الانطونية» (96 - 192 ميلادي) و«تالسيفيرية» (193 - 235 ميلادي) حيث تم بناء المنازل الفاخرة والملعب المدرج وملعب سباق الخيل.
هنا تيسدروس اذن هنا السحر والتاريخ، قبالتك ايها الزائر المسرح الاثري في المكان المصنف ضمن لائحة التراث العالمي، اتشاهد شموخه وبهاءه، نعرف انك لا تستطيع انكار سحره فهل يعقل الحياد امام كلّ هذا البهاء، الجماهير الغفيرة تنقلت بعد العرض لزيارة القصر البهيّ الذي فتح احضانه لكل الحالمين فاصبح هناك ضجيج في كل مكان، وألوان مختلفة لتعود اليه الحياة وصخب الاطفال وصرخاتهم احيانا كأنها لحظات استنطاق لذاكرة المكان.

في تيسدروس الحجارة تخبرك عن المكان، فأنت في تحفة فنية معمارية هي ثالث اكبر مسرح في العالم بعد كولسيوم روما المصنف من عجائب الدنيا السبع ومسرح كولوسيوم كابو ويعد المسرح تحفة توفرت لها ظروف الصيانة لتحافظ على سحر يجلب الزوار.
تجوّل في المكان واستمتع بسحره وشكله وتلك الاقواس الشاهقة الشاهدة على عراقة المكان اذ يرجع إنشاؤه إلى العهد الروماني، حيث بنى سكان مدينة تِيسْدْرُوسْ (الجم حاليا) الأثرياء (منتجو زيت الزيتون) مسرحا لهم ، في عهد حاكم مقاطعة أفريكا غورديان الأول (حوالي 159 م - 238 م)، وهو الذي صار إمبراطورا رومانيًّا في منتصف نفس السنة، وحكم لمدة 36 يوما قبل أن ينتحر في منزله بقرطاج إثر هجوم جيش نوميديا.

اقواس مبهرة، وارتفاع شاهق انت الان في منتصف القصر تحتك تماما الدهاليز التي كانت فضاء لإيواء الحيوانات المفترسة والمصارعين و المساجين في الفترة المسيحية ايضا، فالمسرح بيضوي الشكل، طول المحور الكبير 149 مترا وطول المحور الصغير 124 مترا، وارتفاعه 35مترا ومحيطه 427 مترا، ويستوعب 30 ألف شخص (مسرح روما يستوعب 43 ألف شخص ومحيطه 527 متر) و الجماهير التي تتوافد من المدينة وضواحيها كانت تجلس على المدرجات الرخامية كلّ حسب مرتبته ومكانته الاجتماعية والمدارج منضدة على خمسة طوابق تتسع نحو الاعلى ويسهل نظام المدارج والأروقة المتطور عملية دخول وخروج المتفرجين كما يجنبهم الازدحام الذي يعاني منه جمهور الوقت الراهن.
الى يسارك الحلبة حيث تدور العروض، الحلبة التي تعلو الدهاليز وهي فسيحة وتوضع فيها الحيوانات المفترسة والمتصارعون وتسهل الارضية المتحركة عملية المرور من الكواليس الى خشبة المسرح وهو ما يضفي عامل المفاجأة على العروض، كما سبق القول القصر بيضوي الشكل، يحتوي على واجهة تتخللها ابواب وشبابيك مصممة بطريقة تعدل من الانحدار وتحسن الرؤية للجمهور في الاعلى، و مدارج ومنافذ تؤدي الى تلك المدارج وواجهة اخرى مكونة من ثلاث مستويات من الاروقة 64عقدا تعلوها طبقة السطح ذات الشبابيك المستطيلة وفتحة تؤدي الى الدهاليز وفتحة تهوئة في مستوى العرين تعلوها ارضية خشبية متحركة ومدخل محاذ للمحور الكبير تمر من خلاله المواطب التي تسبق الالعاب فأروقة داخلية للمرور والمنصة.

للقصر سحره، كما الملعب المدرج كشامة عجز الزمان على محوها، بناه الرومان ليكون فضاء للمتعة والفرجة، ثم اصبح عند البيزنطيين حصنا للدفاع ضدّ الغزو الخارجي واحتمت به «دهيا بنت تيفان» في محاربتها للمسلمين أثناء الفتوحات، ثم كان ملجأ القبائل الرافضة لدفع الضرائب مما عرضه لمدفعيات محمد باي عام 1695 ثم أحمد باي عام 1850 والقصر اليوم هو ضمن التراث العالمي هو فضاء للمهرجان الوحيد في تونس للموسيقى السيمفونية يفتح ابوابه كل صيف ليحمل جمهوره وزواره الى عالم مميز تتحد فيه عراقة المكان بسحر الموسيقى.

«تيسدروس» لسيت المسرح وحده
تيسدروس المدينة الرومانية التي تحتفي بتاريخها وحضارتها، تيسدروس لا تقتصر على المسرح الدائري اذ تحيط بالقصر مدينة رومانية لاتزال اثارها قائمة الى الان، والمتحف هو الشاهد على المكان، ومتحف الجم شيد عام 202 ليعاد ترميمه في العام 1970 يضم جزءا هاما من ذاكرة المكان ومجموعة من لوحات الفيفساء النادرة التي تعرف بتسيدروس ورموزها، للمتحف قاعات عديدة نذكر منها قاعة الطاووس والديمونات ودار ديوزينوس و مجموعة كبيرة من لوحات الفسيفساء على سبيل الذكر لوحة لالهات الفنون التسع واخرى لموكب ديوزينوس الاه الخمر في الجزء الخلفي للمتحف بقايا الرومان من خلال «دار افريكا» ففي تسيدروس كانت المنازل تصنف الى صنفين صنف عادي للعاملين والحرفيين واخر فاخر للسادة والاغنياء وهي منازل فخمة وشاسعة بين 1120متر مربع وتصل الى 3000متر مربع وتتكون من عشرات الغرف ومنها دار الطاووس و الدلفين ودار سولار ودار افريكا وهو منزل أرستقراطي فخم شيّد حوالي سنة 170 واكتشف صدفة في السنوات 1990. ولقد سمّي بهذا الإسم لوجود لوحتين من الفسيفساء رسمت في وسطهما، داخل حلية بيضويّة، كل من الربّة أفريكا وولاية إفريقيا، ولا تعرف تمثيلات غيرهما للقارّة الإفريقية.

يحتوي الموقع بالأساس على لوحتين فسيفسائيين تمثيليتين جميلتين، تعرفان بالمكان الأولى عنوانها «أفريكا وفصول السنة» ويرجع تاريخها إلي منتصف القرن الثاني، وهو بلاط مربع طول جانبه 1.6 متر. كانت هذه اللوحة القطعة المركزية في قاعة الاستقبال. تمثل هذه الفسيفساء آلهة الثروة والخصوبة أفريكا، الشيء الذي يعتبر نادرا في اللوحات الفسيفسائية الأفريقية، وتعلوها جثة فيل تشع على مدى أربعة مواسم ممثلة.

ويذكر بلينيوس الأكبر في موسوعته التاريخ الطبيعي أنه في أفريقيا الرومانية لا أحد يتعهد بأي شيء دون أن يذكر الآلهة أفريكا أولا. الآلهة تنظر إلى اليسار داخل مثمن الأضلاع زواياه ممثلة بورود. وقد وصف المؤرخ التونسي محمد يعقوب هذه الفسيفساء بأنها «تكون رصانة كبيرة وتوازن مثالي» كما جاء في لافتة تعريفية في الموقع.
اللوحة الثانية لروما وولاياتها وكتب ان اللوحة الموجودة في احدى الغرف ترمز الولايات التالية: افريقيا وقد غطت رأسها بجلد الفيل التقليدي ومصر وقد حملت المزهر وهو الالة الموسيقية للربة ايزيس واسيا وعلى راسها قبعة على شكل برج واسبانيا من خلال غصن الزيتون الذي بيدها ويرمز الى دورها في تزويد روما بالزيت وهو دور ستسلبه منها افريقيا ابتداء من نهاية القرن الثاني بعد الميلاد وصقيلة الممثلة «بديانا» الصيادة التي تحمل فوق رأسها ثلاث سيقان triskelis موجبة باطراف الجزيرة الثلاثة وتبرز هذه الرموز الى وحدة الامبراطورية وقوتها وازدهارها لاغراض دعائية سياسية وتسمح لصاحب الدار ان يؤكد ولاءه للامبراطور ويبدو ان صاحب هذه الدار من الموالين للإمبراطور لجمالية الدار وتاثرها بالرومان ومعالمهم.

المتحف يحتوي على بقايا اثار المدينة الرومانية و دار افريكا ومجموعة من التماثيل النصفية ومنحوتات لدرع الامبراطور ولوحات فسيفسائية تعرف بتسيدروس وتاريخها وتدعو الزائر إلى مزيد اكتشاف المكان وتدعوا المسؤولين إلى مزيد الاهتمام بالجم التاريخ والحضارة.

رضا حفيظ مدير التظاهرة
نحاكي حياة الرومان لنعرّف بتاريخ المكان
أشار السيد رضا حفيظ انّ مدير النسخة الرابعة للتظاهرة انّ الأيام الرومانية بالجم تأسّست بمبادرة من جمعية «نحب الجم» في شهر مارس سنة 2016 وتمثّل مناسبة لتنشيط المدينة وتعريف الزوار على الثقافة الرومانية وتاريخ المدينة وحضارتها العتيقة، واكد ان المهرجان يهدف الى محاكاة الحياة الرومانية القديمة من خلال عروض المجالدين باعتبارها وسيلة للتسلية وبالاضافة الى تنشيط المدينة مشيرا ان المهرجان مشروع ثقافي يسعى إلى نشر ثقافة هذه الأرض في زمن ما من تاريخنا، واستكشاف نمط عيش المجتمع القديم، عبر ورش متنوعة في الفسيفساء والرماية وصناعة الجلد والكتابة على ورق البردي وكيفية صك العملة الرومانية القديمة .

أحمد الطرابلسي رئيس جمعية التراث والبيئة:
التاريخ مهم ويجب الاتعاظ منه لنبدع
اشار السيد احمد الطرابلسي رئيس جمعية التراث والبيئة التي شاركت في تظاهرة الايام الرومانية ان التراث جزء من ذاكرتنا ووجب فهمه للاتعاض منه والتعلم من امجادنا السابقة مضيفا أن التاريخ ليس بحجارة بل هو جزء هام في بناء الفكر الابداعي للشباب، والسيد احمد الطرابلسي المشرف علفى جمعية التراث والبيئة من المدافعين الشرسين على التراث بجزءيه المادي والمعنوي من خلال زيارات ميدانية متواصلة للمواقع الاثرية المنسية و المعروفة ايضا زيارات موجهة للشباب اساسا مع وجود باحث لتقديم المكان وتاريخيته كما انه من المدافعين عن معالم المدينة العتيقة من خلال المسالك الثقافية السياحية التي ينجزها بالشراكة مع الجمعيات الفاعلة في النشاط الثقافي.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115