اختتام مهرجان الضحك في المسرح البلدي: عرض «لا هكّا لا هكّا» لنضال السعدي السخرية مطية للنقد ودعوة للاصلاح

تُعَدّ الكوميديا أحد أشكال الفنّ الذي يندرجُ تحتَ مُسمّى الدراما، وهو فنّ يتطلّعُ بشكلٍ رئيسيّ إلى إثارة الضحك وتقديم المُتعة والتسلية،

وذلك بطريقة تمثيليّة هزليّة، أو ساخرة، وهو فنّ يُؤدّي رسالةً مغزاها مُحاكاة واقع المجتمع بطريقة تعكس أخطاءه وحماقاته، على أملٍ تقديم طُرُق لإصلاحها، هكذا عُرفت الكوميديا حسب أرسطو وضمن هذا التعريف يكون «لعب الممثل» نضال السعدي في العرض الاول لوان مان شو «لا هكّا لا هكّا» الذي قدّم في اختتام مهرجان الضحك بالمسرح البلدي بتونس.
«لا هكّا لا هكّال» وان مان شو لنضال السعدي وهو عمل نقدي ينطلق من «الانا» لينقد «الاخر» و «الهم» من حياته الشخصية وذكرياته تنطلق رحلته النقدية الساخرة لتشمل الادارات والقوانين والدول، نقد يكشف هنّات المجتمع وينقدها ويسخر منها انطلاقا من حكايات ذاتية ابدع في تقديمها نضال السعدي في المسرح البلدي امام جمهور تونسي محب للضحك.

النقد والإضحاك وجهان لعملة واحدة: محاولة الاصلاح
موسيقى صاخبة، المسرح البلدي complet، لا وجود لمكان شاغر، بلباس اسود اللون يرحب نضال السعدي بجمهور عرضه الاول منحنيا شكرا لمن اقبلوا لمعرفة العرض واكتشافه، بالرقص دخل الفنان الى الرّكح والرقص بات وسيلة اغلب الكوميديين في اول لقاء مع جمهورهم في عروضهم المسرحية لتجاوز «التراك» وايجاد «الدخلة» المناسبة.
لساعة ونصف تنقل نضال السعدي في وصف ونقل حكايات اضحكت الجمهور، قصص نبعت اولا من حياته الشخصية ثم من محيطه المقرب فالمجتمع التونسي والمجتمع الفرنسي، نضال تنقل من حكاية الى اخرى بكل ذكاء، فهو حينا يحادث جمهوره ويسأله عن بعض التفاصيل ومرات اخرى يمارس مهنة الاعلامي امام الكاميرا ومرات يتنقل في القصص بكل حرفية تضحك المتفرج وتدفعه إلى السؤال أيضا.

نضال السعدي بدا جد متمكن من نصه، من الوضعيات الاجتماعية و من العقليات ومن القوانين التي نقدها وجسدها على الركح، دون ديكور، ودون تغيير لملابس كما يحدث في المونودرام فقط نبرة الصوت تتغير حسب الشخصية ،لكن تعابير الوجه كانت الدافع الاكبر لنجاح عرضه، تعابير الوجه لها حضورها الابرز في العمل، في اختلاف الشخصيات التي قدمها استعان بقدراته المسرحية على تجسيدها لإحداث الاختلاف ومن «الجدير بالذكر أنّ الشخص الكوميديّ تكون لديه المقدرة على ملاحظة المواضيع المُثيرة للسخرية، وطَرْحها بطريقةٍ ذكيّةٍ مُثيرةٍ للضحكِ، بشكل تحملُ فيه بَصمته الشخصيّة، كما أنّه يتمتّع بخفّة الحركة الذهنيّة، والمقدرة على صياغة الفكرة بلحنٍ لغويٍّ مُنسجِمٍ» (كما عرف الكوميدي في مجلة عالم المعرفة) كذلك كان السعدي على ركح المسرح البلدي.
لساعة ونصف من الإضحاك لساعة ونصف من تقديم مشاهد ووضعيات اجتماعية اضحكت الحضور لكن خلفها الكثير من النّقد، انطلق من حياته الشخصية وطفولته فنقد نظام التعليم مقارنا بين المعلم في تونس رفيق «مسعودة» التي ارهبت كل اطفال جيل الثمانينات والمعلم في فرنسا الدولة التي سافر اليها وهو في سن العاشرة، نقد المنظومة الادارية التونسية وقاعدة «ارجع غدوة» مقدما مثال موظفي البلدية ، ونقد بعض صفات التونسي مقارنة بغيره من الجنسيات، على الركح ايضا توجه بالنقد للعلاقة بين الرجل والمرأة في تونس، وغيرها من الوضعيات الكوميدية الساخرة التي تهدف الى دعوة المتفرج لمراجعة بعض تصرفاته وأفكاره فالكوميديا نقد ودعوة للإصلاح ايضا.

الاضحاك لتقديم الوجع
فن الكوميديا من الفنون الصعبة جدا فليس من السهل اضحاك الانسان والوصول مباشرة الى عقله عبر النكتة والسخرية، والكوميديا ليست بفن التهريج ولا تقديم سكاتشات او مواقف مضحكة دون غاية أو هدف، فالكوميديا كما يعرفها محمد عناني «ليست الكوميديا على الإطلاق مسرحية تثير الضحكات، ولو كانت تثير الضحكات بالفعل. وليست التراجيديا مسرحية تبعث على البكاء، ولو أبكتنا. إذ أن الكوميديا تعتمد فى جوهرها على إمكانية التوفيق بين العناصر المتضاربة أو المتناقضة لحياة الإنسان، ولذلك فهى دائمًا ما تبقى على التصالح والأمل والهناء مهما حدث من تصارع بين القوى التى تشترك فى الحدث الدرامى، ومن ثم فهى احتفال بالإنسان، وبالسعادة، وإعراب عن فرحة الحياة وانتصار على قوى الدمار والموت، وهذا كان منشأ الدراما نفسها فى الحقيقة» وعلى الركح انتقل السعدي من الكلمات المضحكة لنقد ظواهر موجعة وأهمها «العنصرية « في تونس من خلال نقد البرمجة التلفزية في قنواتنا التونسية التي تغيب هذه الذاكرة عن المنابر الاعلامية رافضا كلمات «كحلاء» و«عبيد» وغيرها من الكلمات العنصرية التي يطلقها التونسي على الافارقة او التونسيين المختلفين عنه من حيث اللون.

وفي اطار النقد للعنصرية استعان السعدي بالرقص الافريقي تحديدا تلك اللغة القادرة على تحطيم كل الجدان و الرحيل الى عالم أجمل بالأجساد كتبت ملحمة القارة الافريقية المميزة من خلال لوحات لرقصات افريقية قدمتها المبدعة التونسية فرح القابسي التي قدمها بالقول « فرح الطبيبة ومحبة الرقص، سمراء البشرة والعاشقة لتونسيتها، انموذج عن المرأة التونسية المختلفة والقوية» وبالكوميديا نقد السعدي وجعا يعاني منه البعض في تونس وهو العنصرية.

التونسي: مبدع
منذ الطفولة حلم ان يصبح ممثلا وكوميديا، منذ سن السابعة وأترابه وجيرانه يطلبون منه اعادة تجسيد بعض سكاتشات «لمين النهدي» و «كنت اشعر بالسعادة حين استطيع اضحاك جيراني وأترابي» سافر الى فرنسا في سن العاشرة، ليعود الى تونس في السن العشرين، بين الهنا والهناك كبر الحلم، ازدادت ثقته بنفسه وسعى الى تحقيق حلم ان يكون ممثلا او كوميديا لينجح في تحقيق الاثنين على الركح قدم نضال السعدي شذرات من حياته الشخصية تحديدا علاقته بالمسرح والكوميديا ووسط الضحكة قدم درسا في الايمان بالذات والتمسك بالحلم والسعي الدؤوب الى تحقيقه واللقاء في المسرح البلدي بالعاصمة كان الدليل على نجاحه في تحقيق جزء من حلم لازال يكبر.

نضال السعدي قدم العديد من الشخصيات مع تركيز على مواقف ذاتية تعرض إليها منذ الطفولة إلى حين دخوله إلى عالم التمثيل، نضال السعدي عرفه الجمهور التونسي في شخصية «بيرم» في مسلسل «اولاد مفيدة» في اجزائه الثلاث، وقبلها قدم شخصية «شمس» في مسلسل «مكتوب»، شخصية بيرم «الباندي، وصاحب السوابق العدلية» قطع معها السعدي في السينما فشخصية «لطفي» في فيلم «في عينيّا» اخراج نجيب بلقاضي اختلفت كليا عن «بيرم» من حيث تعابير الوجه والاداء وطريقة تجسيد الفكرة والشخصية اختلاف يكشف قدرة الممثل على التغيير وبحثه عن التنجديد، اداء تحصل معه على جائزة احسن ممثل في مهرجان مراكش الدولي، وقدم السعدي فعرفنا عمله «الوان مان شو» الاول «Diplomatiquement incorrect» الذي نقد فيه جزئيات ومواقف شخصية و الان يقدم وبطريقة مختلفة الوان مان شو الجديد «لا هكّا لا هكّا» بأداء متجدد وطريقة للتعبير مختلفة.

لمين النهدي.. «الكبير كبير»
لمين النهدي من الكوميديين الذين اغرم بهم نضال السعدي في طفولته، فنان كوميدي كبير ساهم في اثراء المشهد الفكاهي والناقد في تونس، ولمين النهدي اراد التعبير عن فرحه بنجاح السعدي بطريقته الخاصة اذ وبمجرد انتهاء العرض صعد الفنان لمين النهدي حاملا الورود معبرا عن مساندته لنجاح السعدي امام جمهور المسرح البلدي.
نضال السعدي ممثل وهو ايضا مقدم لبرنامج «نهار الاحد ما يهمك في حد» وتقديمه للبرنامج التلفزي لم يثنه عن نقد المحتوى الاعلامي للتلفزات التونسية و دعوته إلى مزيد الجدية في المواضيع المقترحة من خلال مشهدية «تطور القرد» الذي رغب ان تطبق نظرية داروين ويصبح انسانا وطلب لمحة عن الانسان فقدموا له بعض المنتوج الاعلامي التونسي في كل القنوات حينها صرخ «خلوني قرد خير».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115