الموجّهة للطفل» في دورتها الأولى لسنة 2018م/1440هـ والتي تتمحور حول «أحبّك يا وطني». وأعلنت فيه تَخصيصَها جَوائزَ مالية ذاتَ قيمة للمتفوّقين. وأعلنت فيه أيضاً شروطها وأهدافها في الغرض ترشّحاً وكتابةً.
سَرّنا الخبرُ. أحْلَمْنا النفسَ بالجائزة الكبرى. ها هي سوقٌ جديدةٌ للقصّة، للأدب، للثقافة. فلْيتبار في السوق المثقّفون وأشباهُ المثقّفين والمتطفّلون. وهنيئاً لنا بالفوز الكريم.
سَرّنا الخبرُ. ها هي مؤسّسةٌ عريقةٌ تنفتحُ على الثقافة وتُشجّع المثقّفين. فهنيئاً للثقافة بالفتح المبين. ها أن وزارة الشؤون الدينية تفتح صندوقَها للمثقّفين بعد أنْ فتحتْ لهم بعضُ البنوك ومؤسّسات التأمين صَناديقَها. فهنيئاً للمثقّفين بالصندوق الجديد.
سَرّنا الخبرُ. وألحّتْ علينا ملاحظتان إلحاحاً شديداً. نَذكرُهما في الحين:
الملاحظة الأولى: إنّ جائزةَ الشؤون الدينية المُحدثة ليست ككلّ الجوائز. إنّها جائزة وطنيّة. والجائزة الوطنية هي جائزة رسميّة. والجائزة الرسمية تمنحها الدولة. فجائزة الشؤون الدينية في القصّة القصيرة الموجّهة إلى الطفل هي جائزة الدولة في الغرض. ومن عادة الدولة أنْ تُسندَ مُهمّة تنظيم المسابقات لنيل الجوائز الوطنية حسب القطاعات واختصاص الوزارات. وكانت وزارة الشؤون الثقافية يُوكلُ إليها إسنادُ الجوائز في قطاعها، قطاع الثقافة. فما الذي حدث يا تُرى؟ لِمَ أُوكلت هذه المهمّة الثقافية إلى وزارة الشؤون الدينية؟
لعلّ ذلك راجعٌ إلى أنّ العلاقةَ بين وزارة الشؤون الدينية ووزارة الشؤون الثقافية علاقةُ وِدّ وتقاطع قَديميْن. وقد تنازلت وزارة الشؤون الثقافية، في ماضٍ قريبٍ جدًّا، عن بعض ميزانيتها البسيطة المتواضعة لفائدة وزارة الشؤون الدينية. وقد قام وزير الشؤون الثقافية في ذلك الماضي القريب جدًّا، أثناء أحداث العبدلّية، صوتاً يَسْنُدُ صوتَ وزير الشؤون الدينية ويعلو عليه لِيُكفّرَ الفنّانين ويُندّدَ باختراق القانون والقيم الإسلامية.
ولعلّ هذا التقارب الكبير بين الوزارتيْن، وبين الوزيريْن، استوجب أنْ تضطلع وزارة الشؤون الدينية ببعض مهامّ وزارة الشؤون الثقافية. ولعلّ هذا دفع الدولة إلى أنْ تُوكلَ مهمّة تنظيم هذه الجائزة الثقافية الوطنية وإسنادها إلى وزارة الشؤون الدينية. فقد انتفعت أمسِ بمال وزارة الشؤون الثقافية وصوت وزيرها، وعليها اليوم أنْ تَضطلعَ ببعض مهامّ الوزارة المستقيلة والوزير المستقيل. ولا شيءَ يمنعُ أنْ تَضمَّ الدولةُ الوزارتيْن وتُعيّنَ وزيراً واحداً يضطلع بالمهمّتيْن. فالشؤون الثقافية كالشؤون الدينية، شؤونٌ ليس غيرُ. ولا ثقافةَ. ولا دينَ. والشؤون هي الشؤون. خُطبٌ وتدشين. دَعمٌ وإعانة. جَوائزُ ومُهمّات. ولا تحييدَ في المساجد. ولا حلَّ لدُور الثقافة والفضاءات التي تشكو حظَّها النَحْسَ. وفي ضمّ الوزارتيْن توفيرٌ لمالٍ كبير، وجرايةِ وزير، ومِنَحِ مستشارين، وسيّاراتٍ وظيفيّة، وفضاءاتٍ لا تصلح للخدمة، وموظّفين لا يعملون، ومصاريفَ في المهمّات التي لا تُفيد.
وسيتغيّرُ وجهُ الثقافة بإذن الله.
الملاحظة الثانية: لقد بدأت بوادر هذا التغيير تظهر بالفعل للعيان. انظرْ ترَ:
جاء في بلاغ وزارة الشؤون الدينية المذكور أعلاه * عدّة شروط للترشّح للمسابقة ونيل الجوائز المرصودة في الغرض، وكذلك عدّة أهداف. أمّا الشروطُ فشبيهةٌ بشروط الترشّح في كلّ جائزة تمنحها المؤسّسات العامّة والخاصّة. وأمّا الأهدافُ فسبعةٌ. ستّةٌ منها عامّة، وواحدٌ خاصّ. أمّا العامّة فعاديةٌ فضفاضةٌ. وأمّا الخاصُّ ففريدٌ من نوعه، هامٌّ جدًّا. وهو السابعُ الذي اختتمَ الأهدافَ وتمَّ به الانتهاءُ إلى الغاية. وقد جاء فيه: 7 – أنْ لا يتنافى المحتوى مع التعاليم الإسلامية والقيم الوطنية.
ألا ترى أنّ اضطلاعَ وزارة الشؤون الدينية بالثقافة أحدثَ التغيير؟لقد أصبحت التعاليمُ والقيمُ من شروط الكتابة خدمةً للإسلام والوطن والماضي البعيد والسلف الصالح. ألا ترى أنّ الإبداعَ صار ذا وظيفة في الدين؟ فليهنأ المُبدعون بما طرأ على الإبداع من تغيير. وليهنأ وزير الشؤون الثقافية بالراحة فغيرُه قام مَقامه، واضطلع بوضع مشروع للثقافة التي لم تعرف مشروعاً منذ مدّة طويلة.
أقضّ هذا الهدف السابع في البلاغ مَضجعَ المثقّفِ المسكينِ الذي كان يُحلمُ النفسَ بجائزةٍ ذاتِ قيمة في القصّة القصيرة. تساءل عن تعاليم الإسلام. تساءل عن قِيم الوطن. تساءل إنْ كان يكتب من قبلُ خارجَ إطار التعاليم والقيم أم داخلَها. أصبحت التعاليمُ الإسلاميةُ والقيمُ الوطنيةُ شرطاً للإبداع. ضاع المثقّفُ المسكين في متاهات أصحاب المشاريع المعلنة والمسكوت عنها. تساءل مَنْ سيُقيّم قصّته القصيرة للأطفال؟ مَنْ سيُعلنُ إنْ كانت تتنافى أو لا تتنافى مع تعاليم الإسلام وقيم الوطن؟ تساءل عن الرقابة الجديدة على الإبداع. أهي عَودٌ إلى ما مضى من الزمن؟ أهي تنصيبٌ لقَساوِسَة آخر الزمن؟ أم هي الكنيسةُ في الإسلام، جاء دورُها اليوم للاضطلاع بمهمّتها في العَلن؟
كان يُحلم النفسَ بنيل الجائزة. صَار يَخافُ حَبلَ المشنقة، يَخافُ المحرقة. توقّف فيه الإبداع.
تساءل هذا السؤال: إذا كان من حقّ وزارة الشؤون الدينية أنْ تشترطَ التعاليمَ الإسلاميةَ والقيمَ الوطنيةَ شرطاً لمنح الجوائز في الإبداع، فلِمَ لا يشترط البنك الذي يمنح جائزة في الإبداع أنْ يكون المترشّح فاتحاً حساباً أو حسابات في ذلك البنك؟ ولِم لا تشترط مؤسّسة التأمين التي تَمنحُ جائزةً في الإبداع أنْ يكون المترشّح مُؤمّناً مَكاسبَه وأملاكَه وحياتَه وعيالَه في تلك المؤسّسة للتأمين؟ لِمَ لا يشترط البنك أنْ تَجريَ أحداثُ القصّة في فضاء البنك؟ لِمَ لا تَشترطُ مُؤسّسةُ التأمين أنْ تعرضَ القصّة كَيفيّةَ قِيامِها بالتعويض؟
كذلك يُصبحُ الإبداعُ بضاعةً في الأسواق. كلُّ شيء فيه بحساب. كلُّ شيء فيه حَسبَ العَرْض، حَسبَ الطلب.
--------
* أنظر البلاغ في بوّابة وزارة الشؤون الدينية وفي الصحف مثلا المغرب 28 /12 /2018