محّددة فكان «التهميش» في صدارة الاهتمامات والأولويات... وفي هذا السياق يتنزل كتاب «في سوسيولوجيا الهوامش في تونس: دراسات في المناطق الحدودية والأحياء الشعبية» الذي لا يختزل مصطلح «الهوامش» في بعده الجغرافي بل يبحث في تجلياته التاريخية والرمزية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية...
وقد احتضنت دار الثقافة ابن رشيق، أمس، ندوة صحفية لتقديم هذا الكتاب الذي يضم سبعة فصول عن منظمة «إنترناشيونال آلرت» ودار محمد علي للنشر .
بن قردان والذهيبة ... هشاشة العيش على الحدود
جاء أول فصول كتاب «في سوسيولوجيا الهوامش في تونس: دراسات في المناطق الحدودية والأحياء الشعبية» بعنوان «بن قرادن والذهيبة في عيون أهاليهما: التهميش، الهشاشة والتباس المآلات على الحدود التونسية الليبية» بإمضاء ألفة لملموم. وقد جاء تبرير اختيار هاتين المدينتين الواقعتين في أقاصي الجنوب التونسي لأنهما توفران زواية نظر ثمينة لفهم «الانتقال الديمقراطي» عبر «هوامشه» ولإنارة الرهانات التي يخفيها. وبعد تحليل النتائج الرئيسية لبحث ميداني كمي ونوعي حول سكان هاتين المدينتين كانت الخلاصة كالآتي: «تكثف بن قردان والذهيبة في منظور سكانها، كل الوعود المنكوثة للثورة. ثورة لم تفشل فقط في تقديم سردية ملهمة لجميع مواطنيها، ولكن أيضا في الحد من الفوراق الجهوية والإقصاء الاقتصادي والاجتماعي. وفي الأثناء تستمر الدولة من جهتها في إعادة إنتاج هوامشها، وذلك في دفع شرعيتها نحو التآكل وإثارة المعارضة ضدها. لأنها في نهاية المطاف، لاتزال مكتفية في حوكمة حدودها بمنظور أمني فقط، مهملة الأمن الاقتصادي والأجتماعي لسكانها».
النساء الأخريات... والتهميش في جندوبة
اهتم الفصل الثاني من كتاب «في سوسيولوجيا الهوامش في تونس: دراسات في المناطق الحدودية والأحياء الشعبية» من إعداد ستيفاني بوسال بالبحث في موضوع «النساء الأخريات، التهميش والعنف والوصول إلى العدالة في ولاية جندوبة». وقد خلص هذا الفصل البحثي إلى أنه بالرغم من أن «قضية الحفاظ على حريات النساء قد حظيت بالأولوية بعد الثورة في سياق إعادة صياغة دستور 2014 لكن لسوء الحظ لم تولي السياسيات العمومية أي اهتمام بالنساء الأخريات ، نساء المناطق التي يغلب عليها الطابع الريفي واللواتي تعانين من كل تبعات التعقيدات الاجتماعية والاقتصادية للمناطق المهمشة في تونس. وتعتبر العاملات الريفيات المنفيات في مزارع الولاية الحلقة الأولى في السلسلة الزراعية بولاية جندوبة. كما ازدهرت المنطقة منذ عقود بظاهرة الاتجار بتشغيل الشابات وغالبا ما تكن قاصرات لصالح الأسر الغنية في المناطق الساحلية».
الشباب والتهريب
في القصرين
تحت عنوان»الشباب والتهريب في منطقة القصرين التونسية: قصص حول الاستلاب وديناميات الإقصاء» جاء الفصل الثالث من الكتاب بتوقيع حمزة المؤدب الذي أورد في خلاصة بحثه ما يلي: «في غياب مصادر عيش بديلة، فإن المقاربة الأمنية عاجزة بلا شك عن احتواء هذا النشاط الحدودي غير القانوني. فمحاربة التهديد الإرهابي تتطلب وضع استراتيجية تنموية جهوية تفضي إلى إدماج اقتصادي واجتماعي، كما يقتضي تأمين الحدود التمييز بين المهربين والمجرمين على نحو يتجنب تجريم الفقر ووصم الجماعات المحلية الساعية إلى تأمين وسائل عيشها. وفي غياب التفكير في كيفية إعادة تنظيم نموذج التنمية القائم، ينحصر التدخل العمومي في الدعم الخصوصي والبرامج الاجتماعية لتخفيض البطالة، مما يخلق وظائف مؤقتة وزائفة، ويشجع على التغيّب عن العمل ويعزز المحسوبية والفساد...».
معضلة الانقطاع المدرسي في غار الدماء وفريانة
في فصله الرابع يهتم كتاب «في سوسيولوجيا الهوامش في تونس: دراسات في المناطق الحدودية والأحياء الشعبية» بمسألة «الانقطاع المدرسي وتمثلات النجاح والاخفاق لدى الشباب في غار الدماء وفريانة». وفي هذا البحث الذي أعده محمد علي بن زينة بالاعتماد على عينة شملت 500 فرد من الشباب الذين تترواح أعمارهم بين 15 و19 سنة. تم استنتاج ما يلي: «إن للمحددات الاجتماعية تأثير بنيوي على احتمالات النجاح والفشل الدراسي في غار الدماء وفريانة حيث تتأثر حظوظ النجاح بالمستوى الاقتصادي للأسرة وبالمستوى التعليمي للوالدين. ولايعني الانقطاع عن الدراسة الانخراط مباشرة في أنشطة اقتصادية أو البحث عن عمل، بل يشكل المنقطعون الذين لا يمارسون أي نشاط النسبة الأكبر من المنقطعين، مما يؤكد عدم وجود بدائل اقتصادية وثقافية لاستيعابهم مما يضطرهم للبقاء في حالة انتظار تتطور لتأخذ شكل لامبالاة وعزلة اجتماعية».
دوار هيشر وحي التضامن .. السياسة على هامش الدولة
في فصله الخامس يسلط الكتاب الضوء على «السياسة على هامش الدولة والمؤسسات: حالة شباب دوار هيشر وحي التضامن». وقد اعتبرت الباحثة ألفة لملوم أنه «بعد أكثر من أربع سنوات على أكبر حراك اجتماعي هز تونس أواخر 2010 وبداية 2011، يشعر شباب حي التضامن ودوار هيشر أنهم خدعوا بالانتخابات والأحزاب السياسية وأنهم متجاهلون بشكل دائم من قبل الدولة، وهم الذين ظلوا على هامش الانتقال الديمقراطي».
المواطنون والأمن
في القصرين
في بحث ثنائي بين محمد علي بن زينة وجهاد الحاج سالم، اهتم الفصل السادس من الكتاب بموضوع «التمثلات الأمنية للمواطنين في ولاية القصرين». ومن أهم استنتاجات هذه الدراسة ما يلي:» شعور المستجوبين المتدني بعدم الأمان وعدم رضاهم على الوضع والأداء الأمنيين. ولا يرتبط ذلك فقط بظاهرة الإرهاب، بل يعود كذلك لانتشار الجريمة والمخدرات وضعــــف الخدمات الإدارية والاجتماعية والصحية وغياب فرص التشغيل».
الثروة المائية في القصرين وناقوس الخطر
في الفصل السابع والأخير من كتاب «في سوسيولوجيا الهوامش في تونس: دراسات في المناطق الحدودية والأحياء الشعبية» اهتمت الباحثة روضة القفراج بمسألة «إدارة الثروة المائية في ولاية القصرين» وقد دعت في توصيات بحثها إلى ضرورة إيلاء الوضع المائي على المستوى الوطني عموما والقصرين خصوصا بالغ الاهتمام حيث «ترتبط مواطن الضعف في الإدارة الحالية للموارد المائية بالحوكمة وآليات المشاركة والشفافية والحاجة إلى المجتمع المدني في «دمقرطة الماء».