كما لا يزال مطالبا بازالة سحره وغموضه الجذاب والهدف هو جعل الوعي قادرا على الانفصال عن هذا الماضي في سبيل اعادة امتلاكه امتلاكا نقديا يساهم في صنع الذات ويمدها بشروط الاستمرارية الخلافة فالحداثة ما كانت يوما قطعا مع الماضي بل كانت دائما قطعا مع اعتباره نموذجا يحتذى واتخاذه معيارا للاتي وهي في الان نفسه استثمار لكل مكون من مكوناته المساهمة في المشترك الانساني العام .
في هذا السياق صدر مؤخرا للباحثة نسرين بوزازي كتاب بعنوان «مفهمو الجبر بين الديني والسياسي في الصراع الاموي الجهمي) وذلك عن دا الجنوب وضمن سلسلة «معالم الحداثة» التي يديرها الدكتور عبد المجيد الشرفي والكتاب في الاصل بحث اكاديمي لنيل شهادة الماجستير بتاطير واشراف من الدكتورة ناجية الوريمي بوعجيلة التي تفضلت بتقديم هذا الكتاب الذي تضمن قسمين : مفهمو الجبر الاموي – مفهوم الجبر الجهمي وفي كل قسم مجموعة من الفصول تبدا بمقدمة وتنتهي بخاتمة بالإضافة الى خاتمة عامة وقائمة في المراجع المعتمدة
الخليفة الاموي معاوية بن ابي سفيان هو اول القائلين بالجبر وعلى اساسه برر كل تفاصيل سياسته واستخرج الأدلة عليه من النصوص الدينية وهي القران أولا والأحاديث النبوية ثانيا وقد اتخذت نظرية الجبر الإلهي مشروعية القول بها من النص القرآني مباشرة استنادا إلى بنية الخطاب في بعض الآيات التي تؤكد أسبقية الخطاب على الفعل .. وقد انتشر مفهوم الجبر الالهي في الوسط الإسلامي ليصل الى أوساط العامة على اختلافها اما الجبر الجهمي نسبة للجهم بن صفوان فلا يخلو من البدعة ذلك ان لابن صفوان ما انفرد به من أراء كلامية اي انه ابتدع من الدين بعد الإكمال ما لم يوافق السنة
وعموما فان مفهوم الجبر قضية مركزية في الفكر الاسلامي اذ ان المصطلح رغم انه واحد فقد وزفته اطراف مختلفة فتعددت دلالاته بحسب السياق التاريخي والافق الثقافي لكل طرف.
فالجهم بن صفوان هو اول من طرح اشكالية المجاز من منطلق النظر الى العالم الطبيعي والانساني على انه عالم مجاز في مقابل عالم الحقيقة الالهي الموارئي فتنتفي بذلك صفات الفاعلية والحركة على المستويين الطبيعي الانساني بينما تنتسب الى الله فاصبح حركات العالم الطبيعي مجازية لا تتجاوز كونها انعكاسا لروح الذات الالهية .ولكن ابن صفوان وان كالن يقول كما الامويون ان الانسان افعاله وكل متعلقات حياته مقدره عليه مسبقا ولا يمكل القدرة على تغييرها فانه وان تمرد على الامويين وثار عليهم الا انه ظل يدافع عن هذه النظرية في الجبر التي هي ايضا نظريتهم وبالتالي فقد سعت الباحثة نسرين بوزازي الى البحث في السابا الخفية التي جعلت من الجهم بن صفوان (القائل بخلق القران) وهي المقولة المرتبطة بمقولة القدرة وحرية الفعل الانساني منظرا للجبرية ومدافعا عنها خصوصا والحال انه ثار على الامويين سياسيا فلماذا يدافع عن نظريتهم في الجبر دينيا .
مسالة الجبر التي تعد فكرة وجودية شغلت العقل عامة لان القول بالجبر لم يبق حكرا على بني امية دون غيرهم بل استمر ايضا حتى بعد شقوط دولتهم ووصول بني العباس الى الحكم والسلطة .
وقد خلصت الباحثة في النهاية الىان مفهوم الجبر الجهمي لم يكنم فقط ضحية استبداد جهات سياسية بل مورس عليه ايضا الاستبداد من طرف الجهات الثقافية في اطار الصراع على صدارة المشهد الثقافي في الحضارة الإسلامية.