أستاذ الأدب المقارن بجامعة أوكسوفرد محمد صالح عمري الـ«المغرب»: لا يمكن إصلاح منظومة فاسدة من طرف فاسدين... يصعب على من تربىّ على الولاء أن يؤسس لفكر أو منهج نقدي


«ذكاء التونسي هو رصيدنا الأساسي ولا يحق لنا الخطأ في مسألة إصلاح التعليم»، هكذا يرى أستاذ الأدب العربي الحديث والأدب المقارن بجامعة أوكسفورد محمد صالح عمري، الذي حدّثنا عن البعض من مشاكل الجامعة التونسية اليوم، وحدّثنا بالمناسبة عن ملتلقى الجامعة والمجتمع الذي سيقام في القصرين ابتداء من اليوم..

لو تقدّم لنا الغاية من الملتقى الدولي لمشروع الثورات العربية والنّزعة الإنسية الجديدة الذي سيقام في القصرين هذه الأيام؟
ملتقى الجامعة والمجتمع في سياق إنسية جديدة، الذي سيقام في القصرين أيام 12 و13 و14 أفريل 2016، هو الملتقى الثاني من مشروع الثورات العربية والنزعة الإنسية الجديدة الذي انطلق سنة 2013 ويتواصل إلى سنة 2017، وقد وقع الإعداد لمؤتمر القصرين بأربعة أيام دراسية تمحورت حول الجامعة والمجتمع المحلي والحوكمة والنزاعات. انعقدت بكل من المعهد الأعلى للحرف والفنون بالقصرين ومؤسسة روزا لوكسنبورغ بتونس.

يشتغل المشروع ككل والمؤتمرات خاصة على منهجية جديدة تعتمد الشراكة التامة بين الباحثين وجمعيات المجتمع المدني، كما تعمل على الحضور الفاعل للطلبة والنشطاء المحليين في الإعداد والتنفيذ. وللمؤتمر بعد دولي واضح يتمثل أساسا في التحاور مع جامعيين منخرطين في مجتمعاتهم ويشتغلون على أنماط بديلة للتعاون المعرفي المبني على الندّية والتعاضد. وقد اختار مؤتمر القصرين التعرف على تجارب مجتمعات مرت بمراحل انتقال ديمقراطي منها البيرو والبرتغال وأروبا الشرقية وإفريقيا. ينقسم المؤتمر إلى 8 جلسات من ضمنها جلسة تقييمية يقوم بها طلاب باحثون. ويهدف المؤتمر أيضا إلى كسر الحصار المعرفي عن جهة القصرين ومحاولة الإلتقاء مع الحراك الثقافي على مستوى الجهة وقد وجدنا رغبة وجدية تثير الإعجاب والإحترام.

من القصرين إلى بريطانيا، لو تحدّثنا عن تجربتك في التدريس في جامعة أكسفورد؟
تعتمد جامعة أكسفورد التي صنّفت هذه السنة في أعلى هرم الجامعات الأوروبية والثالثة عالميا على البحث المكثف والتدريس الموجه للنخبة الفكرية في بريطانيا وخارجها، وهي بذلك شديدة الانتقاء ولكنها جامعة عمومية استطاعت المحافظة على موقعها وتوجهاتها مدّة قرون. أدرّس جميع المراحل في اختصاص الأدب العربي الحديث والأدب المقارن، كما أدرّس البحث المكثف ضمن شبكات بحثية وبصورة فردية، وهو ما أتاح لي حرية الانخراط في مشاريع منها الثورات العربية والإنسية الجديدة. في أكسفورد توجد حرية تامة وتحرّر كبير للمبادرة، إضافة إلى إمكانيات بحثية قل مثيلها في العالم.

كيف يمكن للجامعي، الذي له تجربة في جامعات أجنبية ذات صيت عالمي، أن يرتقي بالجامعة التونسية؟ وهل تعتقد أنّ الأساتذة الذين هاجروا للتدريس خارجا تخلّوا عن دورهم في حماية الجامعة والدفاع عنها؟
تعاني الجامعة من إفراغ مفزع لكفاءاتها العليا خاصة، وكثيرا ما اشتكى زملائي التونسيون خاصة في العلوم الإنسانية والآداب من هجرة مكثّفة نحو الخليج العربي خاصة، والواقع أن جامعات الخليج والتي أعرفها جيّدا لا تعير اهتماما للبحث العلمي. ثم أنّها في سعي متواصل نحو رأسمال رمزي بالتعاقد مع أسماء معروفة أو جامعات ذات صيت عالمي، ولكن هامش الحرية وغياب الجدية والرغبة في التميّز الحقيقي تجعل هذه الجامعات سجونا ذهبية لمريديها من الجامعيين. هذا من ناحية، أما في جانب آخر فنحن نعيش عصر سلعنة المعرفة والتكوين الجامعي عالميا. والمبادئ وحدها لا تكفي لصد هذه الهجرة الهدامة. لا بدّ من سياسة بديلة تهدف إلى هجرة مضادة. في انتظار ذلك اعتقد أنّ الوازع الوطني والمسؤولية المجتمعية للجامعي قيم من الممكن الإرتكاز عليها لخلق أطر تساعد على الإستفادة من الخبرات التونسية المقيمة بالخارج –الجامعية خاصة- وذلك عبر قنوات تثمّن مساهمة هؤلاء وتحفّزها.

وأعتقد أنّ مشروعنا هذا والذي يقوم على شراكة قوية وتبادل خبرات وأفكار شبه يومي ساعد على تطعيم مناهج العمل البحثي وتطوير الأفكار حيث وضعتُ تجربتي بالجامعات البريطانية والأمريكية في تفاعل مع خبرة زملائي التونسيين في محاولة أرجو أن تثمر وتستمر. أنا أعتبر هذا نوعا من الهجرة المضادة. على المستوى الإداري، حاولت مع الوزارة ورؤساء الجامعات وجنّدت جامعة أكسفورد للمساعدة خاصة في مسألة الحوكمة، ولم أجد تفهما حتى الآن.

ما هي مشاكل الجامعة التونسية اليوم؟ وهل ترى أن استقلالية الجامعة أمر لا بدّ منه؟
أعتقد أنّ زملائي المباشرين للتعليم الجامعي بتونس أجدر منّي بتشخيص واقع جامعتهم. ولكني أشير بالإضافة إلى الإفراغ الذي ذكرته إلى مسألتين، الأولى هي عشوائية الإصلاح الجامعي وفقدانه إلى رؤية رصينة وإستراتيجية بما في ذلك مشروع الإصلاح الحالي والذي اطلعت عليه وناقشته مع بعض أعضاء اللجنة المشرفة عليه.

ذكاء التونسي هو رصيدنا الأساسي ولا يحق لنا الخطأ في مسألة إصلاح التعليم. الأمر الثاني يتعلق بلامركزية الجامعة التي ترتبط في اعتقادي بمسألة أعمق وهي الاندماج الاجتماعي في تونس المستقلة. ليس فقط من ناحية السلّم الإجتماعي وإنما من حيث أنها حوّلت متساكني القطر التونسي إلى مجتمع مندمج فأنا مثلا ابن ريف تالة خرجت من ريفي ومن جهتي بفضل التعليم والتعلّم مع وعلى أيادي تونسيين من جربة إلى بنزرت.. لامركزية الجامعة أو لامركزية النواتات الجامعية حرمت الأجيال اللاحقة من هذا، بل عمّقت جهويتهم وجمّدت وضعهم وهو أمر خطير لعله ساهم في عودة الجهويات والفكر المحلي وإعادة إنتاج التهميش.

ما مدى مسؤولية الجامعة في تراجع مستوى حاملي الشهادات العليا؟ وهل ترى أنّ عملية التعليم في تونس أصبحت تلقينا لا غير، وغاب فيها الوعي والفكر النقدي؟
الأسباب مركبّة ومعقدة وقد أتيت على ذكر بعضها( الإفراغ، عشوائية الإصلاح، التكلس الإداري، اللامركزية الإعتباطية). لا يمكن لمناهج التعليم وحدها أن ترفع في مستوى التعليم. لا بدّ من منظومة كاملة تدار بحوكمة قوامها مقاومة الفساد بأنواعه والمقاربة الذاتية وإشراك جميع الأطراف من زاوية المسؤولية.وهذا يتطلب إطارا عاما ملائما. فلا يمكن إصلاح منظومة فاسدة من طرف فاسدين ولا يمكن أن نطلب ممن تربى على الولاء أن يؤسس لفكر أو منهج نقدي. ما يحز في نفسي هو الهدر الذي أراه يوميا حين أجد طاقات مهدورة ومبادرات معطلة وحماسا مكبوتا.. فالتونسي يبدع حين يوجد في سياق إبداع يقدّس العمل ويثمّنه..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115