الاقتصادي والمعادلات السياسية، تلك هي الحقائق التي ترجمتها المحاضرة الافتتاحية للسنة الأكاديمية التي نظمها المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون «بيت الحكمة» يوم الأربعاء الماضي، حيث قدّم الباحث الفرنسي بيار كورفول محاضرة حول النزاهة العلمية في الدول الصاعدة . تتنزّل المحاضرة ضمن تقاليد جديدة يعتمدها المجمع إذ سينظّم سنويا محاضرة افتتاحية حول إشكالية من الإشكالات الفكرية والعلمية كما ورد في كلمة الدكتور عبد المجيد الشرفي، رئيس المجمع، مذكّرا في تقديمه بالأنشطة التي انتظمت ببيت الحكمة على امتداد شهري سبتمبر وأكتوبر من محاضرات ولقاءات حول الأجناس الفكرية والعلمية والفنية المختلفة، إلى جانب الندوة الدولية «تونس بقلم الرحالة في العصر الحديث». واهتم بياركورفول بوصفه طبيبا وباحثا في المجالات العلمية كما قدّمه الدكتور سالم شعيب بعديد الصعوبات التي تضع النزاهة العلمية موضع تساؤل، منطلقا من مقولة عالم الرياضيات والفيزيائي الفرنسي هنري بوانكاري «لا يمكن أن يكون هناك علم غير أخلاقي»، لقد اعتمد في تحليله على إيبستيمولوجيا «بوانكاري» المسلّمة بحتمية اضطلاع العلم بمهام «التربية الأخلاقية»، وعليه تكون النزاهة العلمية حسب المحاضر»قضية إيتيقية بالمعنى الصارم»، ولا يمكن برأيه أن تتجسّد هذه المهام إلاّ متى أدركت كل المؤسّسات ومكوّنات المجتمع طبيعة النزاهة العلمية باعتبارها «مسؤولية فردية وجماعية»مثلما عرّفها الإيبستيمولوجي هنري بوانكاري . وتؤكّد حسب بيار كورفول عديد الإحصائيات حجم اهتزاز ثقة الجماهير في كثير من البحوث والدراسات العلمية، وقد انطلق من بعض التحقيقات المدعّمة لموقفه كالتحقيق الذي قامت به 8 منظّمات كبرى بفرنسا سنة 2016، إذ يفوق عدد المشكّكين في بعض البحوث العلمية نصف المستجوبين.
من البديهي أن تتعمّق المعضلة أكثر في المجتمعات التي تتقلّص فيها مقوّمات البحث العلمي وغير الملتزمة بالضوابط المؤسّساتية، وبمقتضى ذلك تتضاعف عوائق النزاهة العلمية في حين أن « النزاهة قوام كل بحث لأنّها إيتيقا المعرفة» حسب الدكتور كورفول، المشدّد على التلازم بين النزاهة العلمية والبعد الإنساني للفعل المعرفي.
لضمان تلك النّزاهة تأسّست كما ورد في المحاضرة عديد المنظّمات وانبعثت المواثيق كديوان النّزاهة العلمية الذي تأسّس بالولايات المتحدة الأمريكية سنة 1992، وفي نفس السياق صادقت الدول الأوروبية على الميثاق الأوروبي للبحث سنة 2005، والمنشود من الجميع احترام كل مقوّمات موضوعية البحث كي تنأى المعرفة عما هو مقوّض للذّات الإنسانية، خاصّة في مرحلة ثورة التكنولوجيات الحديثة ذات الانتشار الحيني والبرقي . ولتحقيق ما تقدّم اقترح بيار كورفول الكثير من الحلول تتصل بالتشريعات والتكوين وتكوين المكونين، إذ مثّلت مقترحاته مادة دسمة للأطروحات والأطروحات المضادّة حول مدى إمكانية تحرّر المعرفي من المؤثّرات التوظيفية والتطويعية وفقا للمخطّطات النفعية.